في متاهة المصالح -معاريف

الساعة 11:24 ص|08 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

بقلم: روعي كبريك

          (المضمون: احدى الخطوات المركزية التي يجب عملها في هذه الساحة هي الانتقال من آلية التبرعات الى آلية الاستثمارات. فآلية التبرعات مثل لجنة الدول المانحة التي تنعقد في كل سنة منذ 1993، او المؤتمرات لمرة واحدة التي تنعقد لاعمار غزة في اعقاب جولة قتالية اخرى، توفر لغزة المال لمرة واحدة -المصدر).

          الوضع في غزة بائس. اسوأ من ذلك. بعد أن اخذت الكهرباء، المياه، العمل، الرواتب، الكرامة الذاتية والصلاحية الابوية، أُخذ الامل ايضا. الازمة الانسانية باتت هنا منذ الان. مليونا نسمة غارقون في يأس وجودي، يقفون على شفا الانفجار.

          رغم الصورة اللطيفة، غزة ليست وعاء ضغط يمكن تنفيسه من خلال رفع لحظي للغطاء. فالانفجار في غزة لا يمكن منعه على مدى الزمن من مجرد فتح دوري لمعبر ايرز وزيادة دورية لمجال الصيد لتسعة أميال بحرية. لعل الكثيرين كانوا يرغبون في ان يروا غزة تختفي. تغيب في هوة النسيان والنكران. يخيل أن احدا لا يحب غزة، احدا لا يريد غزة. نتنياهو نفسه قال مؤخرا انه لو كان هناك من يسلمه غزة، لعله كان يؤيد احتلالها من جديد. تقول الشائعة ان المواطنين في غزة يدعون انه حتى الله لا يحبهم.

          ولكن غزة هنا. هي لا تختفي. وكلما رغبوا في ذلك وحاولوا عزلها من خلف الاسيجة العالية والاسوار السميكة للابعاد، فان غزة تعود وتجد نفسها في لب لباب السياسة الاقليمية – غزة هي مسألة اقليمية – ولما كان كل حريق في غزة كفيل بان يحرق المنطقة باسرها، هكذا فان العديد من اللاعبين يجدون انفسهم مشاركين في ما يجري في غزة. كل واحد انطلاق من مصالحه واعتباراته، وليس انطلاقا من محبة مردخاي، بل حرصا على انفسهم.

          كما هو معروف، فان اللاعبين الرئيسيين في الدراما، هم حماس، السلطة الفلسطينية، اسرائيل ومصر. ولكن هؤلاء اللاعبين لهم مصالح مختلفة، بل واحيانا متضاربة، يضعون الكثير من المصاعب في وجه قدرة التصدي للازمة الانسانية القائمة في غزة ولتحقيق الاستقرار والامن.

          ظاهرا، ليس هناك الكثير مما يتوقعه المرء حتى من اللاعبين الاجانب الاخرين المشاركين في غزة. كل جهة اجنبية كهذه – تركيا، قطر، اتحاد الامارات، السعودية، الامم المتحدة، الاتحاد الاوروبي، الولايات المتحدة، يستخدمون غزة لتحقيق مصالحهم الداخلية والاقليمية. فاردوغان يستخدم الوضع في غزة كي يهاجم اسرائيل، ويحصل على نقاط استحقاق سياسية في الساحة الداخلية والتموضع كزعيم هام في العالم الاسلامي. اما قطر فتستخدم دعمها لغزة كي تنال نقاط استحقاق في اطار صراعها في الخليج واستقرار مكانتها الجماهيرية في المنطقة. وبالنسبة للاتحاد الاوروبي واطر الامم المتحدة قد يكون الوضع في غزة هاما حقا. ولكن ليس لهم القوة السياسية لتغيير الواقع. لحظنا نجحت الامم المتحدة مؤخرا في أن تكون وسيطا ناجعا مع مصر والمساعدة في منع الانزلاق الى جولات عنف اخرى.

          ولكن حتى لو كانوا لا يكترثون لغزة حقا فان حقيقة أن غزة اصبحت عملة سياسية – جماهيرية يمكن استخدامها قد تكون مصدر القوة السياسية الاكبر التي توجد لديها. الواقع الذي يكون فيه للاعبين الاجانب مصالح في غزة، اي يكون لهم اهتمام في غزة، يمكن أن يكون نقطة سند جيدة لتغيير الواقع.

          ان التحدي المركزي، بالتالي، هو حمل اللاعبين لان يكونوا مشاركين في غزة بحيث تكون مصالحهم هي لدفع الحياة الطيبة في غزة الى الامام، والا يبقوا الوضع كما هو. واحدى الخطوات المركزية التي يجب عملها في هذه الساحة هي الانتقال من آلية التبرعات الى آلية الاستثمارات. فآلية التبرعات مثل لجنة الدول المانحة التي تنعقد في كل سنة منذ 1993، او المؤتمرات لمرة واحدة التي تنعقد لاعمار غزة في اعقاب جولة قتالية اخرى، توفر لغزة المال لمرة واحدة. فليس للمتبرع تقريبا اي مسؤولية عن استخدام ماله، واستغلاله بشكل ناجع ومفيد. من جهة اخرى، فان بناء آلية استثمار تلزم بمشاركة اللاعبين في ادارة المال. فالاستثمار يجلب معه مشاركة متعاظمة ومصلحة متعاظمة في الاستقرار وفي خلق الظروف الداعمة للاستثمار. ليس حلا سحريا، بل مجرد اداة اخرى، ولكنها اداة هامة. كلما كان لاعبون اكثر مستثمرين في غزة، هكذا لا تغرف غزة.