خبر ريحانة و « بقايا يوسف »...ما تبقى في منزل عوني الجرو بعد قصفه

الساعة 11:46 ص|12 يناير 2009

غزة: فلسطين اليوم

في السابع من هذا الشهر خرج الدكتور "عوني الجرو" من منزله للمرة الأخيرة بعد أن اطمئن على آخر ما يعنيه:" بحثت عن ما تبقى من نصف زوجتي العلوي ووضعته بجانب نصفها الأخر...إلى جانبها وضعت رجل طفلي يوسف و ما تبقى من عظم فكه و خرجت".

الدكتور عوني فكر انه بذلك يمكن أن يؤمن موتا هادئا لهم إلا انه أدرك و بعد ستة أيام متواصلة من القصف على منطقة بيته، أن هذه الرغبة البسيطة له "بموت هادئ لهم" أصبح أمرا مستحيلا أيضا، فلا زال حتى اليوم البيت هدفا لصواريخ الاحتلال و قذاقفه.

و حول ما جرى يقول الدكتور عوني:" نحن نسكن في شرق غزة في شارع الجرو في حي التفاح بالتحديد، وهي منطقة تقع إلى الجنوب من جبل الريس، منطقة آمنة إلى حد كبير فخلال اقتحامات الجيش المختلفة على القطاع منذ سنوات لم تتعرض المنطقة إلى إيه قصف، لذا كنا نشعر أننا بخير وان القصف بعيد عنا..."

و لكن ذلك لم يستمر طويلا فبعد أسبوع فقط طوقت الدبابات المكان و بدأت المواجهات في كل يوم تقريبا، كانت الدبابات التي تحاصر المنطقة تقصف البيوت بشكل عشوائي.

وبعد خمس أيام من العيش على "هدير" القذائف وسط مشاورات متواصلة عن جدوى الخروج من البيت بين الدكتور عوني و زوجته "ألبينا" التي كانت تسمع في إذاعة العدو باللغة الروسية" لغتها الأم" عن أوامر إخلاء يقوم بها الجيش الإسرائيلي للبيوت المراد قصفها مما كان يطمئنها من قذائف مفاجئة، كانت الفجيعة.

و زوجة الدكتور عوني "ألبينا" 36 عاما، أوكرانية تعيش في غزة منذ 1997 ولم تكن تملك الهوية الفلسطينية الأمر الذي كان يمنعها من زيارة أهلها، حيث حصلت على لم الشمل في الفترة الأخيرة ولم تتمكن من السفر بسبب الحصار المفروض على القطاع.

يقول:" يوم الخميس كان كل شئ طبيعي جدا لا أصوات لإطلاق نار ولا مواجهات، ذهبنا إلى بيتنا المجاور "قيد الإنشاء" تفقدناه أنا و زوجتي و أحضرت منه ريحان للطبيخ، وعدنا إلى منزلنا وبدأت بإعداد الطعام لنا، كنا نتحرك بحرية، متوكلين على الله، دون خوف ولا توجس.

 وفي حوالي الساعة الثانية ظهرا بدأ القصف:"شعرت بشئ يسقط علي فقدت الوعي و عندما صحوت وجدت البيت قد تحول إلى دمار".

جال نظره في المكان بسرعة وجد ابنته ياسمينه تقطر دما...حجر كبير من سقف البيت انهال عليها، وبنظره أخرى اطمئن على ابنه " عبد الرحيم"،و يوسف ...؟ أين يوسف كان السؤال:"بدأت ابحث عن طفلي يوسف ذهبت إلى سريره لم أجده قال لي عبد الرحيم أن شقيقته أعطته لوالدتها بحثت عنهم فلم أجد سوى نصف جسمها السفلي".

وعي الدكتور عوني توقف في تلك اللحظة في طفلته و ابنه الكبير " ما تبقى له من العائلة": دون وعي خرجت من البيت و ذهبت إلى منزل عمي القريب لتأمين ابنتي في مكان آمن، و بعد 10 دقائق و رغم زخات الرصاص فوق رأسي عدت إلى المنزل وجدت النار في كل المنزل، بحثت مرة أخرى عن بقايا زوجتي و ابني وجدت نصفها العلوي و بعد بحث طويل عن يوسف وجدت رجله و عظمه فكه السفلي".

هم الدكتور عوني بالخروج من منزله إلا انه عاد من جديد إلى زوجته و جمع أشلائها و ما تبقى من "يوسف" ووضع ورقة الريحان التي لم تحرق بعد وخرج:" لا ادري ما الذي دار في ذهني كل ما أردته أن يبقوا معا".

غادر عوني البيت مرة أخرى باتجاه بيت عمه، و هو لا يملك سوى الدعاء:" طوال الوقت و أنا أدعو على اليهود بصوت عال و أقرأ صورة ياسين و أسال لماذا.و لا أجد جوابا...لم أكن أتصور أن تصل القسوة إلى هذا الحد، حتى أن زوجتي كانت تقول لي لا يمكن أن يقصفوا البيت قبل أن يبلغونا، فهم يعرفون إننا مدنيين، وكانت تحضر ملابسنا بانتظار أوامر الإخلاء "التي لم تأتي".

ترك عوني جثمان زوجته وابنه يوسف" سنة و نصف" و عاد من جديد لابنته وابنه، توجه الى وسط المدينة محاولا أن يصل إلى اقرب مستشفى يستقبلهم:" توجهنا غربا  كنا مصابين الثلاثة ابنتي ياسمينة كان فكها السفلي مكسور و عبد الرحيم كان يعاني من حروق في جسمه".

وان كانت ياسمينة الضحية الأكبر ممن تبقوا أحياء في المنزل ف"عبد الرحيم" أيضا كان له نصيب كبير في مسرح الدم الذي وجد نفسه فيه:" لم أصاب بشكل مباشر بقيت بوعيي و شاهدت كل شئ جرى حولي، خلال دقائق تحول بيتنا إلى كومة من الدمار"قال.

يتابع عبد الرحيم الذي تملكته الصدمة:" أول قذيفة سقطت في المطبخ وفتت يوسف الذي كانت أمي تحمله ثم قذيفة أخرى أصابت أبي و مرت من بين يدي فحرقت كل ملابسي و أصابت أمي و قطعتها نصفين، ثم ضربت قذيفتين على الصالون فنزل حجر كبيرا من السقف انهال على أختي، وبعدها لم أر سوى رجلين آمي".

و عما إذا كان يريد أن يقول شيئا لمن يسمع بقصة عائلتة اختار عبد الرحيم أن يسألهم:" بأي ذنب قتل أخي و أمي".

و رغم أن عوني طبيب كان يعمل في مستشفى الشفاء ويرى في كل يوم القتلى والجرحى، إلا انه حسبما قال لم يكن يتوقع أن تكون عائلته ضحية لهذا العدوان أبدا:" عملت خلال العشرة أيام الأولى من القصف في مستشفى الشفاء ورغم فظاعة ما رأيت إلا أنني لم أتوقع يوما ان يكون هذا مصير زوجتي و ابنائي".