خبر التّهدئة المُضادة ..خيري منصور

الساعة 11:08 ص|12 يناير 2009

كم من الفلسطينيين يجب أن يُذبح كي تكف حماس وفتح عن هذا السجال الذي تفاءل الناس قليلاً قبل يومين فقط بانتهائه؟

لقد عاد تبادل الإدانات إلى ما كان عليه قبل الهجوم الصهيوني الشامل على غزة، بحيث بدت كلمة التهدئة غامضة، ولا بد من أن تلحقها إيضاحات كي نتعرف إلى الأطراف المقصودة بها هل هي الفلسطينيون والدولة الصهيونية؟ أم فتح وحماس؟ أم أي شيء آخر يضاعف من التباس المشهد؟

لقد أوشك هذا السّجال أن يتمدد إلى ما وراء الخط الأخضر قبل أيام عندما طلب الناطق باسم حماس من بيروت من فلسطينيي ما يسمى مناطق 1948 التحرك السّريع وإعلان العصيان لإرباك الحكومة الصهيونية، إذ سرعان ما رد عليه من يمثلون السلطة الفلسطينية في رام الله وعرب 1948 في الكنيست، لأن مثل هذه المطالبة تقدم للدولة العبرية مبرراً لتهجير الفلسطينيين.

إن الخشية من أي انقسام ثنائي في مثل هذه الأوضاع هي التحول إلى حالة من التشظي ومن ثم التذرر الوطني الشامل الذي لا ينجو منه أي طرف.

 

 

 

وهل من المعقول أن تعود حليمة الفسطينية وضرّتها إلى عاداتهما القديمة بعد كل ما جرى؟ وكيف سيرى العالم هذا المشهد بعد أن امتلأت شوارع غزة ومساجدها ومدارسها بالدماء؟

 

ومن قالوا على اختلاف النوايا إن الهجوم الوحشي على غزة سيكون الضارة النافعة بالنسبة لالتئام الفلسطينيين والعودة إلى رشدهم الوطني، عليهم الآن أن يراجعوا أنفسهم، لأن ما رأوه طافياً على سطح الماء من خلافات ما قبل الهجوم على غزة أصبح الآن يطفو على الدم، وكأن ما كان يختفي وراء الكواليس والأكمات أضعاف ما كان يبدو.

 

ولا ندري  ما الذي ستقوله الأمهات الثواكل ومئات بل ألوف الأيتام في غزة عن هذا السّجال الآثم بكل المقاييس، فهم ينتظرون من ذويهم على اختلاف الآراء والشعارات أن يتحولوا إلى قبضة متماسكة، كي يدافعوا عن الجدار الأخير، ولا يمكن لمجنون أن يستل خنجره من خلف ظهره ليطعن به أخاه الذي سقط للتو مضرجاً بدمه، حماس وغزة معاً يتعرضان لاختبار عسير، ولن يظفر حتى بحصته من هذه التراجيديا من لا يغلّب الوطني العام على الشخصي الضيق، فالدم الفلسطيني على أرض غزة وفي كل زاوية منها لا يعرف ولا يعترف بأية خطوط طول أو عرض لهذا السّجال.

 

إننا في غنى عن التذكير بحكايات الخوازيق المأساوية التي حولها المؤرخون إلى طرائف وتندرت بها الأجيال، فاللحظة لا تسمح بما هو أبعد من الموت وقوفاً كأشجار الزيتون والسنديان، أو البكاء بكبرياء يليق بمن خذلوا لكنهم صمدوا. إن ما لا نعرفه ونرجو أن نبقى جاهلين به هو عدد الضحايا بين شهداء وجرحى من الفلسطينيين الذي يجب أن يصل إليه كي يضع حداً لهذا السّجال! ومن يدري؟ لعلّ الفلسطينيين يخرجون من حمام الدم هذا بما لا يسر هابيلهم وقابيلهم.