امتشاق واحد أكثر من اللازم أورثت وقتلت أيضا - يديعوت
بقلم: ناحوم برنياع
(المضمون: قضية خاشقجي قوضت حلم وأمل أمريكا في أن يكون الامير محمد بن سلمان هو الذي ينقل السعودية الى التقدم والازدهار - المصدر).
أحد ما في اسرائيل يتابع بحكم عمله ما يجري في السعودية، حاول ان يشرح لنا هذا الاسبوع من هو محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ما هو سحره، اين سقط وأين اسقط آخرين. فقد قال "تصوروا ان يقع رئيس وزراء اسرائيل في كبوة فيعين ابنه يئير رئيس وزراء بالفعل". تصورنا. محمد بن سلمان ابن عبدالعزيز آل سعود – MBS على لسان محلليه في الغرب – ولد في آب 1985 في مدينة جدة. وهو الابن البكر لزوجة سليمان الملك الحالي الثالثة. في السنة والربع الأخيرة فانه هو عمليا الحاكم الفرد في المملكة. الملك ابن 83 وهو رجل مريض ولهذا يمكن لاردوغان وترامب ان يعفياه بأمان من مسؤولية اعدام الصحافي السعودي جمال خاشقجي. هو لم يعرف. محمد بن نايف، ابن عم بن سلمان كان يحمل لقب ولي العهد وجملة أخرى من المناصب. هو ابن 59. في حزيران 2017 أطاح به بن سلمان وجلس على كرسيه. وهو يوجد اليوم في اعتقال منزلي، مثل كثيرين من أقرباء ولي العهد. امريكي التقاه بضع مرات في الماضي، مقتنع بان أيامه في الحكم انقضت دون عودة: فاصابته، في محاولة الاغتيال في 2009 عادت لتقلقه. وصحته هزيلة.
ليس في هذه اللحظة احد ما في آل السعود يهدد مكانة بن سلمان. هذا لا يعني انه لن يقوم رجل ما غدا او بعد غد: فلا يوجد اليوم حاكم واحد في العالم العربي مضمون الكرسي، لا من أبناء عائلته ولا من الجماهير.
كي نفهم كيف تحول بن سلمان الى الامل السعودي الكبير للحكومات في الغرب، بما فيها حكومة إسرائيل، وكيف تلقى هذا الامل ضربة شديدة، وربما قاضية، في بضع ساعات من سكرة الإحساس في القنصلية السعودية في إسطنبول، ينبغي ان نعود 40 سنة الى الوراء، الى نهاية السبعينيات من القرن الماضي.
في تشرين الثاني 1979 سيطرت قوة من بضع مئات المتدينين المسلحين المتحمسين على الكعبة في مكة. وطالبوا بالاطاحة بالعائلة المالكة، بتصفية القواعد العسكرية الامريكية، ووقف بيع النفط لامريكا والانقطاع عن الثقافة الغربية. واضطرت الاسرة المالكة الى اكثر من أسبوعين والى الاستعانة بكوماندو باكستانيين وضباط فرنسيين لاعادة احتلال المسجد.
الدرس الذي استخلصته الاسرة المالكة كان بعيد الأثر: من اجل الحفاظ على حكمها، فانها ملزمة بان تقبل على نفسها كل املاءات المتطرفين المتدينين. فقد اخضعت الحياة للشريعة الإسلامية في تفسيرها الأكثر تشددا، وبالاساس، مول المال السعودي الدعاة الأصوليين في المساجد، في السعودية وفي خارجها. ومول السعوديون منظمات الإرهاب الجهادية وزودوهم بالانتحاريين. فعمليات 11 أيلول 2001 كانت أولا وقبل كل شيء عملية للسعوديين، ممولة بمال سعودي، طوعا او غصبا. لو كانت السياسة السعودية مختلفة، لما كانت القاعدة وما كان بن لادن. القاعدة، وبعد ذلك داعش، هما الابنان غير الشرعيين اللذين ولدا للام السعودية. ورغم المساعدة التي قدمتها الاسرة المالكة للجهود الدولية ضد منظمات الإرهاب الا انها امتنعت عن المس بالبنية التحتية الدينية التي انبتته من الداخل.
دعي زائر أمريكي قبل بضع سنوات الى وليمة في الرياض شارك فيها اميران. بن نايف الراشد وبن سلمان الشاب. في تلك الفترة فرض على شاعر فلسطيني كان يسكن في السعودية عقوبة 50 جلدة على مخالفة تافهة. فتساءل الأمريكي، لماذا تتصرفون هكذا. فكان جواب بن نايف، الذي تعلم في الولايات المتحدة مفاجئا له، إذ قال: "3 في المئة من سكاننا مجانين. اذا رفعنا عنهم الضغط ففي غضون يوم سيرتفع العدد الى 10 في المئة".
بعد عمليات البرجين فهم الامراء بان الأرض تشتعل تحتهم. فاستأجروا افضل وأغلى مكاتب العلاقات العامة في واشنطن. هكذا ولدت خطة السلام السعودية. ليس التطلع الى السلام هو ما ولدها، بل الخوف من الهجران الأمريكي. في بداية 2002، بعد وقت قصير من العمليات، دعي توماس فريدمان، الصحافي عظيم النفوذ من "نيويورك تايمز" الى الرياض للتشرف بأول نشر للخطة. حقيقة انه يهودي ومؤيد لإسرائيل لم تضر.
لقد درج الحكام الشرق اوسطيون على احترام الأجانب بالهدايا الغالية. هذا أيضا كان وسيلة لتخفيف حدة العداء. فقد روت مورين داوود، كاتبة الرأي في "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع عن لقاء عقدته قبل سنين مع شخصية سعودية رفيعة المستوى. في بداية اللقاء وضع على الطاولة صندوق كبير، مليء بالمجوهرات. فاوضحت داوود: "انا صحافية. لا يمكنني أن آخذ هدايا".
"فهمت"، قال محادثها. وعندها شعرت بان شيء ما يحتك لها بركبتها، من تحت الطاولة. لا، هذه لم تكن يد محادثها: هذا كان طرف الصندوق. فقد افترض السعودي بان ما رفضت قبوله على الطاولة، ستقبله من تحتها. هكذا اشتروا سناتورات وأعضاء كونغرس، موظفين كبار وصحافيين.
الإدارة الامريكية تركتهم. هذه كانت الصفقة، كتب فريدمان في احد مقالاته: انتم لا ترفعون سعر النفط، ونحن نتجاهل الخرق الفظ لحقوق الانسان عندكم ومساهمتكم الهائلة لشبكة منظمات الإرهاب.
لقد كان أوباما هو الرئيس الأمريكي الأول الذي تنكر للاسرة المالكة. فقد مقت السعوديين لدرجة أنه فضل عليهم الإيرانيين. أما انتصار ترامب في الانتخابات فقلب الجرة رأسا على عقب: الإيرانيون عادوا ليكونوا العدو الأكبر، والسعوديون الحلفاء. رئاسة ترامب كانت لخمسة اشهر عندما أصبح بن سلمان الحاكم الحصري للسعودية. وكان صهر ترامب جارد كوشنير عين لتوه المبعوث الأعلى للرئيس الى الشرق الأوسط. أربع سنوات فقط تفصل بين الاثنين: أميرا التقى أمير. طموح بطموح، صعود نيزكي في سلم القوة بصعود نيزكي. وكان اللقاء مصيريا.
رصاصتان في مغلف
قبل ثلاث سنوات اتصل صديق سعودي بتوماس فريدمان. هل انت مستعد للسفر الى السعودية ومقابلة محمد بن سلمان، سأل. كان الأمير في حينه الثاني في الطابور الى التاج: محمد بن نايف قبله. بسرور، قال فريدمان. ولكن كن لطيفا، حذره الصديق. أنا لطيف دوما، قال فريدمان.
خصص محمد بن سلمان حديثه للوضع الاقتصادي. الدولة لا يمكنها أن تعتمد الى الابد على احتياطات النفط. وهي ملزمة بان تنوع مصادر دخلها. وتوفر العمل للشباب. 70 في المئة من السكان هم صغار أبناء 24 فأقل. والحل هو فتح الدولة أمام الاستثمارات الأجنبية. هذا يتطلب إصلاحات بعيد الأثر في الاقتصاد، في المجتمع، في الحياة اليومية. محمد بن سلمان كان أميرا سعوديا من نوع آخر، مصمم، نشيط، منفتح على التغيير، كل ما لم يكن في سلسلة الملوك العجائز، المنغلقين، الفزعين، التي تحكمت بالدولة في عشرات السنوات الأخيرة. تطلعاته تطابقت واحلام ملايين الشبان. فريدمان تأثر.
قبل بضع سنوات من ذلك، عندما كان سلمان، أبو محمد، حاكم الرياض، عين الأمير مساعدا شخصيا له. وعرف الأمير في حينه أساسا بتطلعاته العقارية. فقد سيطر على مزيد فمزيد من الأراضي، والممتلكات. وعندما كان يصطدم بالمعارضة، كان يبعث للرافض بغلاف وفيه رصاصتا بندقية. وقد منحته هذه القصة لقب "أبو رصاصة". او بالترجمة الحرة الممتضق. احد لم يتجرأ على تسميته هكذا في وجهه.
التطلع الى الإصلاحات، اليد الرشيقة على الزناد، النوازع الظلامية. هذا الخليط، الذي يميز مئات الحكام في التاريخ ينتهي بشكل عام بالمصيبة. لقد ورث محمد بن سلمان عن اسلافه الصراع مع ايران على الهيمنة الإقليمية. السنة مقابل الشيعة، القوة مقابل القوة. وكانت المواجهة الساخنة في اليمن. قوات الحوثيين بتكليف من ايران احتلوا في العام 2015 العاصمة صنعاء وطردوا الحكومة. ومحاولة التحالف العربي بقيادة السعودية صد القوات المؤيدة لإيران لم تنجح. واطلقت الصواريخ نحو اهداف في داخل السعودية. وقصف سلاح الجو السعود أهدافا مدنية بلا تمييز. محمد بن سلمان، الذي أخذ لنفسه أيضا منصب وزير الدفاع، ادار المعركة. وكشف القتل الجماعي، الزائد، السعودية امام الانتقاد في العالم. وكان الأداء فاشلا، والنتائج هزيمة. الحرب في الأيمن لا تزال تتواصل، بلا حسم.
رقصة السيوف
المهامة الثانية التي تولاها محمد بن سلمان هي تهيئة الأرضية لـ "صفقة القرن" التي ستنهي النزاع الإسرائيلي – العربي. فالدول السنية بقيادة السعودية ستفرض على الفلسطينيين الموافقة على شروط التسوية كما صيغت في خطة الإسلام الاملايكية. وسيحرص ترامب وكوشنير على ربط نتنياهو بالخطة. وإقامة السفارات الإسرائيلية في الرياض وفي دول الخليج ستكون الكرزة في القشدتة.
اما المهامة الثالثة فهي المال: السعودية توقع على اتفاق مشتريات جديد مع الولايات المتحدة بمبلغ يثير العالم كله.
ليس للولايات المتحدة سفير في الرياض: مرت سنتان منذ الانتخابات وإدارة ترامب لم يتعين سفيرا بعد. وكان كوشنير هو السفير بالفعل: علاقات الصداقة بينه وبين بن سلمان تعاظمت، وأصبحت حلف اخوة. ناشد كوشنير ترامب القيام بزيارة رسمية الى السعودية بعد ثلاثة اشهر فقط من بداية ولايته. وتتوجت الزيارة بنجاح: ترامب يرقص مع عصبة رجال سعوديين رقصة السيوف. والسعوديون يتعهدون بشراء سلاح امريكي بمبلغ 110 مليار دولار؛ المبلغ مبالغ فيه جدا، ولكن ماذا يهم – الناخبون سعداء وترامب سعيد.
بعد شهر من ذلك يجلس محمد بن سلمان على كرسي ولي العهد. بعد شهرين يسمح للنساء بقيادة السيارات. ويستقبل القرار في السعودية بحماسة: الشباب يرون فيه بشرى لحلول الربيع. فتفتح دورات لتعليم السياقة للنساء، وتعود السينما الى المملكة.
في تشرين الثاني يأمر محمد بن سلمان باعتقال عشرات الامراء ورجال الاعمال الكبار في فندق ريتس كارلتون في الرياض ولا يفرج عنهم الا بعد جباية مئات ملايين الدولارات منهم. وبالتوازي يعتقل دعاة إسلاميين.
في اذار من هذا العام يسافر محمد بن سلمان لزيارة تستغرق شهرا الى الولايات المتحدة فيزور البيت الأبيض وهوليوود وسهل السلكون في نيويورك.
الاغراء المالي مكشوف. ولكن يوجد هنا اكثر من هذا بكثير. بعد 17 سنة من عملية البرجين، أمريكا مستعدة لاغلاق الدائرة.
الجانب المظلم
عشية زيارة الأمير في أمريكا يتلقى فريدمان معلومات من مصدر مصداق في السعودية: شيء ما سيء يحصل لمحمد بن سلمان. في كل ما يتعلق بالشؤون الداخلية، فانه يتصرف بانفلات عقال. فريدمان يقرر كتابة رسالة خيالية، وكأنها صادرة عن السفير في الرياض الذي لم يعينه ترامب. وهو يحذر في الرسالة بانه يجب ان يوضع الى جانب محمد بن سلمان راشد مسؤول، والا فان قصة الغرام مع السعودية ستتفجر لامريكا في الوجه.
محمد بن سلمان لا يتأثر. وهو يواصل إجراءات القمع. في العالم فوجئوا عندما أمر باعتقال امرأة قادت سيارتها. فريدمان قلق: فهو يعلق الامال على خطوات يتخذها الأمير ضد دعاة الدين ولكنه قلق من اثار خطوات القمع تجاه المنشقين. فيتصل بمحمد بن سلمان. اعتقال السائقة سيقتل لك الاستثمارات، يقول له. تحدث مع اخي، يرد الأمير. فهو السفير السعودي في واشنطن. وهو سيقنعك.
يتحدث فريدمان الى الأخ. يروي الأخ بان في لندن يجلس معارض للنظام تموله قطر. وهو يشغل من بعيد امرأة، تقود السيارة بنية مبيتة كي تمس بالنظام. فريدمان لا يقتنع. فيكتب مقالا يصف فيه محمد بن سلمان كدكتور جيكل ومستر هايد. فيه جانب مضاء وجانب مظلم. وعندها يعلن محمد بن سلمان تجميد العلاقات التجارية مع كندا كرد على احتجاج كندي ضد المس بحقوق الانسان في السعودية. "أجننتم؟" يسأل فريدمان في بريد الكتروني يبعث به الى الأمير. وردا على ذلك تلقى نظرية مؤامرة اكثر جنونا بكثير.
سعود القطاني، رجل سر محمد بن سلمان، يعتبر أبو نظرية المؤامرة. قطر وشبكة البث لديها، "الجزيرة" هما العدو الأكبر الان، أم كل المؤامرات. وتعاظم جنون الاضطهاد في البلاط الملكي من قصة الى قصة: كل واحد كان مشبوها. جمال خاشقجي التقى فريدمان في شارع في واشنطن قبل وقت قصير من سفره الى إسطنبول للقاء خطيبته التركية. فناشده قائلا اكتب عما يحصل في السعودية. فهم ينصتون لك.
في تلك المرحلة كان قرار بتصفية خاشقجي على ما يبدو حقيقة ناجزة. "كان هنا خليط من عدة أمور"، قال لنا امريكي يعرف البلاط السعودي. "كان هنا جنون اضطهاد، وكان حسد الموساد".
وعلى ذكر الموساد، فان قدرة الأمير الان على أن يعلن عن مصالحة مع إسرائيل، ان يساعد خطة سلام أمريكية ويساهم كثيرا في الصراع ضد ايران قد تلقت ضربة ما. السؤال اذا كان هذا جيد لإسرائيل أن سيء لها، منوط بمسالة ما يراه نتنياهو في خطة ترامب، هل يراه عائق ام فرصة.
إسرائيل هي الامر الأخير الذي يشغل بال الأمير هذه الأيام.