من أجل اردوغان: خاشقجي الميت يجب أن يبقى حيا سياسيا حتى الانتخابات فقط

الساعة 11:43 ص|26 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

من أجل اردوغان: خاشقجي الميت يجب أن يبقى حيا سياسيا حتى الانتخابات فقط

بقلم: تسفي برئيل - هآريتس

(المضمون: الرئيس التركي اردوغان لم يتجرأ على الحلم بهدية مثل قضية الصحافي جمال الخاشقجي التي تساعده في كنس مشاكله تحت البساط -المصدر).

 

الرواية الاخيرة وغير النهائية لـ "التضليل الاكبر" كما وصف الرئيس الامريكي ترامب التفسيرات السعودية لقتل الخاشقجي، تم اطلاقها أمس من قبل النائب العام السعودي. "القتل تم التخطيط له مسبقا"، قال النائب العام الذي قال إن هذه النتيجة تستند الى المعلومات التي حصلت عليها لجنة التحقيق السعودية – التركية المشتركة. هذه هي الصيغة الرابعة التي تصدرها السعودية للعالم، حيث كل رواية تتناقض مع الاخرى. يجب أن نتأثر من الصيغة المحدثة للنائب الذي يعرف أن اللجنة المشتركة هي ليست مشتركة. بالتأكيد لا تتعاون وهي مثل يافطة على مكتب غير موجود.

 

السعودية سمحت للمحققين الاتراك بالدخول الى ساحة الجريمة فقط بعد أن ازيلت منها كل البينات، وقد نفت أي علاقة بالقتل، لهذا لم يكن من ناحيتها أي سبب للتحقيق المشترك. ولكن الآن حيث جزء من التوصيات التي تتلقاها من مكاتب العلاقات العامة الفاخرة التي تشغلها، تحاول العائلة المالكة تقليص الاضرار. الاعتراف بالمسؤولية مطلوب في هذا الوقت لأنه من شأنه أن يمنع اتهام امريكي مباشر والذي كان من شأنه أن ينشر مع انتهاء زيارة رئيسة الـ سي.آي.ايه جينا هسبيل في تركيا التي استمعت فيها الى تسجيلات جمعتها الاستخبارات التركية من داخل القنصلية في اسطنبول. طالما أن السعودية هي التي تعترف بالتهمة، فهي تستطيع حسب رأيها أن تصد رد امريكي بقيامها بمعاقبة المتورطين، وبالاساس تبرئة من يحظر طرحه كمتهم، ولي العهد محمد بن سلمان.

 

اردوغان لم يكن يستطيع أن يعرف – وأن يأمل – أنه ستسقط بين يديه هدية سياسية جميلة وثمينة جدا، بالتحديد من يدي عدوته السعودية. يمكن التخمين أنه كان يفضل تفجر هذه القضية في وقت اقرب للانتخابات المحلية وأن تغطي على الفشل والانتقاد الذي رافقها في السنة الاخيرة، لكن ما زال بامكانها لعب هذا الدور في الانتخابات المحلية القادمة. الانخفاض الدراماتيكي للعملة التركية وهروب رؤوس الاموال من تركيا والشرخ في العلاقة مع الولايات المتحدة والذي لم ينته بعد، وأجبر اردوغان على الخضوع لمطلب ترامب اطلاق سراح القس اندرو برونسون – وكذلك قراره تأييد قطر الذي أدى الى قطيعة مع السعودية – لكل ذلك انضمت الامراض الدائمة ومنها نسبة البطالة التي ارتفعت الى 10.2 في المئة والتضخم والدين الوطني التي كان يمكن استخدامها كذخيرة ناجعة جدا من قبل خصومه السياسيين في الانتخابات. هذه لم تختف حقا تماما من الساحة السياسية. ولكن قضية الخاشقجي احتلت معظم الخطاب العام عندما اضطر خصومه للاعتراف بأن اردوغان ادارها بحكمة.

 

وهو يمسك بيديه المعلومات الحاسمة التي يمكن أن تخرب العلاقات بين ترامب والسعودية، قام اردوغان بتقطير الحقائق لقناة "الجزيرة" ووسائل الاعلام الغربية، دون أن يتطاول ويشتم ملك السعودية وإبنه الذي يدير الدولة. بهذا نجح اردوغان في تحويل القضية ليس فقط الى موضوع دولي الذي ابعده عن الانتقاد بسبب قمع حقوق المواطن ووسائل الاعلام في بلاده، بل حوله الى بؤرة للملاحقة لكسب وده. المكالمات المتواصلة من ترامب، زيارة وزير الخارجية مايك بومبايو، ارسال هسبيل الى انقرة وتصريح انغيلا ميركل الذي قال إن تركيا هي حليفة هامة، لم تحل حقا الازمة الاقتصادية، لكنها حولت اردوغان الى محور رئيسي في الساحة الدولية. الآن هو ايضا يريد من واشنطن انهاء العقوبات المفروضة على تركيا، وبذلك مساعدة علاقات تركيا الاقتصادية المتشعبة مع ايران، وأن يحظى بنقاط من موسكو التي تستفيد من الورطة التي وجد ترامب نفسه فيها في علاقته مع السعودية. وهو يستطيع أن يبشر بأن انظمة صواريخ الـ اس400 التي اشتراها من روسيا وأثارت هزة في الناتو سيتم نصبها في تشرين الاول 2019.

 

استغلال الموقف

 

مشكلة اردوغان هي كيف يمكنه الحفاظ على بقاء القضية حية لفترة طويلة كافية من اجل أن لا تسمح لأمور اخرى تشويش حملته الانتخابية. احدى الطرق هي الدفع من اجل اقامة لجنة تحقيق دولية، تواصل اشغال وسائل الاعلام، وفيها تكون تركيا اللاعبة الرئيسية. هنا هو من شأنه حقا أن يصطدم بجدار امريكي اذا قرر ترامب دفن القضية والاكتفاء بمعاقبة المتورطين المباشرين في عملية القتل. ولكن في حينه يستطيع أن يركب على موجة الانتقاد ضد ترامب.

 

هذا الموقف الدولي ينوي اردوغان استغلاله جيدا في الحملة الانتخابية التي ستجرى في آذار القادم، وهذه لن تكون عملية سهلة، خاصة عندما قرر شريكه في الائتلاف حل وحدة الصف بينهما، وهو ينوي التنافس بصورة مستقلة. الدلائل الاولية تشير الى شرخ ظهر في خلاف، كما يبدو هامشي، على اعادة "قسم الطالب" الى النقاش العام:

 

"أنا تركي، مستقيم وأعمل بجدية، مبدئي هو الدفاع عن الشباب، وأنا أحترم الكبار، وأحب الوطن والأمة أكثر من نفسي. مبدئي هو أن ارتفع وأتقدم. يا أتاتورك العظيم. الطريق الذي مهدته أنا أقسم بأن أسير فيه باخلاص من اجل تحقيق الهدف الذي وضعته. وجودي سيكرس لوجود تركيا. كم هو سعيد الشخص الذي يقول أنا تركي". هذه هي صيغة القسم الذي يطلب من طلاب المدارس الاساسية قوله كل صباح في طابور الصباح. لقد صاغه وزير التعليم رشيت غاليف في العام 1933، ومنذ ذلك الحين حظي بصيغتين اخريين الى أن أمر في العام 2013 اردوغان الغاء القسم كجزء مما اعتبره "الرزمة الديمقراطية" التي تضمنت اصلاحات في التعليم وسمحت للنساء في البرلمان بارتداء غطاء الرأس.

 

لمدة خمس سنوات كان طلاب المدارس معفيين من القسم الذي ذكرهم وذكر اردوغان من هو مؤسس الجمهورية ولمن تدين تركيا باستقلالها وقوميتها. غضب الجهات القومية والعلمانية على الغاء القسم غذى فقط تمسك اردوغان الذي يريد التعتيم على الذاكرة الجماعية للاتراك بخصوص اتاتورك. في الشهر الماضي قدمت الحركات القومية وعدد من منظمات العمال التماس لمجلس الدولة الذي يشكل هيئة قانونية ادارية، طلب تجديد القسم. مجلس الدولة قبل الالتماس رغم التبريرات التي طرحتها الدولة والتي تقول إن القسم يتضمن اشارات عنصرية حيث أنه يضع الروح التركية فوق الجميع، وبالاساس فوق الاكراد. قرار مجلس الدولة هو "جائزة للطلاب الوطنيين"، قال المتحدثون باسم الحركة القومية "ام.اتش.بي"، الذي يترأسه دولت بهتشيلي، الذي دفع من اجل اعادة القسم. بهتشيلي الذي انضم الى كتلة سياسية مع حزب العدالة والتنمية لاردوغان قبيل الانتخابات للبرلمان والرئاسة التي جرت في حزيران الماضي، اكتشف خلال اسابيع معدودة أن الحلف السياسي هذا الذي ضمن فوز اردوغان وحزبه وفي نفس الوقت انقذ "ام.اتش.بي" من امكانية ألا يجتاز نسبة الحسم المرعبة التي تصل الى 10 في المئة، لا تساوي الكثير من وجهة نظره.

 

بين اردوغان ونتنياهو

 

ليس فقط معارضة اردوغان لاحياء قسم الطالب اغضب بهتشيلي. مؤخرا عرض مبادرة جديدة بحسبها يجب العفو واطلاق سراح عشرات آلاف السجناء غير السياسيين من السجون من اجل تخفيف الاكتظاظ غير المحتمل في هذه المؤسسات. اردوغان، مثل نتنياهو، الذي لا يستطيع احتمال مبادرات شعبوية حتى من حلفائه السياسيين، غضب. مبادرة كهذه يمكن أن تعطي صاحبها نقاط في الانتخابات في الاوساط القومية وتقليص حجم فوز حزبه. كما أن اطلاق سراح اسرى سياسيين ليس موضوعا شعبويا في تركيا، خاصة عندما يكون من الواضح أن من بين المرشحين لاطلاق السراح سيكون حوالي 50 ألف شخص من تجار المخدرات، اعضاء في عصابات ورؤساء مافيا مثل قريب بهتشيلي، الاتين جاكيجي، الذي يقضي عقوبة 19 سنة سجن على اعمال قتل. "الدولة يمكنها الاعفاء فقط عن جرائم ضدها (وليس على جرائم ضد مواطنين آخرين)"، رد اردوغان على المبادرة، في حين أنه بالنسبة لقسم الطالب قرر اردوغان أنه فقط النشيد الوطني التركي معترف به من قبل الدولة وليس أي قسم أو تصريح آخر.

 

هذا ليس فقط بيان ايديولوجي، هو يتعلق بنية اردوغان ارضاء جمهور اكثر في الانتخابات للسلطات، وبالاساس الاكراد الذين يرون في قسم الطالب اقصاء وتمييز على خلفية عرقية. عداوة اردوغان للاقلية الكردية لا تحتاج الى اثبات ولكن عندما يخاف من الحزب الكردي يحاول أن يسحب الى جانبه وعلى الاقل الحفاظ على الناخبين الاكراد الذين صورتوا لحزبه في الانتخابات. ومثل هؤلاء لم يكونوا قليلين.

 

بهتشيلي الذي يعرف جيدا خطوات اردوغان قرر شد الحدود حتى النهاية واعلن أنه لن يتعاون مع حزب العدالة والتنمية في انتخابات السلطات المحلية وحتى أنه سيعرض مرشحين خاصين به في المدن الاهم، اسطنبول وانقرة. "شراكة لا يمكن ان تجري عن طريق الاكراه من طرف واحد"، فسر بهتشيلي قراره، "التحالف انتهى". بهتشيلي محق في ادعائه أن اردوغان لم يحسب له حساب بعد الانتخابات الاخيرة: لا أحد من حزبه تم تعيينه في وزارة، وكل مبادرة منه تم الرد عليها بالرفض من اردوغان. اردوغان الرئيس القادر على كل شيء لم يعمل في اطار ائتلافي منذ فوز حزبه في الانتخابات في 2002، وليس في نيته تغيير سلوكه ايضا الآن. الانتخابات المحلية هو ينوي طرحها كانتخابات للثقة به وبسياسته. اذا كان شريكه في الائتلاف يريد أن يظهر عضلاته فلن يتردد في سحقه هو ايضا. لهذا السبب فان الخاشقجي الميت سيطلب منه البقاء حيا سياسيا كي يلعب الدور الذي خصصه له اردوغان.

كلمات دلالية