خبر القتال في غزة - تطورات مممكنة ومخططات نهاية

الساعة 11:27 ص|11 يناير 2009

بقلم: شلومو باروم

        (المضمون: على اسرائيل ان تسعى بوساطة من جهات معنية الى التوصل الى هدنة جديدة مع حماس او تفاهم على الاقل حتى لو كان من طرف واحد على ان يكون التفاهم او الهدنة بشروط جديدة تحقق امن اسرائيل وتحقق قدرا مناسبا من العيش الكريم لسكان قطاع غزة  - المصدر).

        بدأت اسرائيل في 27 كانون الثاني 2008 هجوما واسعا على ممتلكات حماس العسكرية والسلطوية في قطاع غزة ردا على قرار حماس على عدم الاستمرار على الهدنة وتوسيع نطاق الهجمات على بلدات مدنية اسرائيلية. برغم تقديرات كثيرة ايضا في وسائل الاعلام لامكان عمل عسكري، فوجئت حماس بتوقيت العملية الاسرائيلية ونطاقها الواسع. في المرحلة الاولى للقتال اصابت الجانب الفلسطيني خسائر كثيرة- نحو من 300 قتيل و 600 جريح – الى جانب اضرار واسع بالمنشأت والقيادات ومخازن السلاح. وردت حماس باطلاق الصواريخ والقذائف على بلدات اسرائيلية. كانت نطاق اطلاق الصواريخ في المرحلة الاولى على الاقل اقل من المتوقع، بسبب الصدمة التي حدثت للمنظمة كما يبدو، وبسبب اضرار حقيقة بقدرات الاطلاق وكذلك بسبب عمليات ناجحة لاحباط عمل خلايا اطلاق.

        تبين تصريحات القيادة الاسرائيلية ان اهداف العملية هي: "تحسين الواقع الامني لسكان جنوبي البلاد" كما قال رئيس الحكومة اولمرت و"تغيير الوضع من اساسه والعمل على الا يوجد اطلاق وعمليات اخرى من القطاع" كما قال وزير الدفاع باراك. لم تعرض اهداف اوسع مثل اسقاط حكم حماس او احتلال قطاع غزة. ينبع من ذلك ان طريقة العمل التي اختيرت هي جباية ثمن من حماس واضعاف قوتها لاحداث ميزان ردع جديد بين اسرائيل وحماس بفرض ان حماس ستكون اكثر حذرا من المبادرة الى اعمال على اسرائيل عندما تدرك ان الثمن الذي ستدفعه باهظ جدا وان قدرتها على مواجهة الردود الاسرائيلية محدودة جدا. ومعنى ذلك ان اسرائيل تسعى اخر الامر الى هدنة جديدة، ومستقرة ومتصلة مع حماس ضعيفة وبشروط تعبر عن تغير ميزان القوى. من بين هذه الشروط منع عمليات حماس قرب الحدود مع اسرائيل وتقييد تهريب السلاح الى قطاع غزة قدر المستطاع.

        ستعمل منظمة حماس جهدها لمنع هذه النتيجة. يبدو ان هدفها الاساسي هو ايضا هدنة جديدة لكن بشروط مريحة للمنظمة، معناها عدم القيود على قدرتها على العمل داخل قطاع غزة وعلى الحدود مع مصر، وان تكون المعابر الى مصر واسرائيل مفتوحة على نحو دائم. الاداة الرئيسة التي تملكها حماس هي قدرتها على الاستمرار على مضايقة اسرائيل. ينبغي ان نضيف الى ذلك ايضا الوزن الكبير جدا لتصور حماس الاساسي عن جباية ثمن باهظ من اسرائيل عن كل مس بها، ومشاعر الانتقام التي تنبع من العدد الكبير جدا من الخسائر الفلسطينية ومنها نسبة عالية من المصابين من حماس.

        العنصر الرئيس في رد حماس هو قدرتها على الاستمرار على اطلاق قذائف صاروخية وقذائف هاون على بلدات اسرائيلية والى اكبر مدى ممكن من اجل التشويش على الحياة العادية لجزء كبير قدر المستطاع من مواطني اسرائيل. لكن مشكلة حماس الرئيسة هي ان الجيش الاسرائيلي استطاع بعملياته المس بجزء كبير من قدرتها وان يقمع بقدر لا يستهان به كذلك قدرتها على استعمال القوة التي بقيت في حوزتها. لهذا من المنطقي ان تحاول حماس اعادة بناء قدرتها على استعمال قواتها ولا سيما بأن تجد حلولا تجعلها اقل تعرضا لقدرات الجيش الاسرائيلي الردعية (حالة الجو تستطيع مساعدتها على ذلك اذا ساءت ظروف الرؤية)، وان تحاول في مقابلة ذلك استعمال وسائل اخرى لاصابة اسرائيل. اول وسيلة ستحاول المنظمة استعمالها بحسب تصريحاتها ايضا المخربون المنتحرون الذين يدخلون اسرائيل من يهودا والسامرة. السؤال الرئيس هو ما مبلغ قدرة البنى الارهابية التحتية لحماس في يهودا والسامرة، التي تضررت كثيرا بعمليات احباط الجهات الامنية التي انضمت اليها ايضا عمليات مضادة من السلطة الفلسطينية، على المبادرة الى عمليات انتحارية في نطاق واسع والتغلب على العمليات الرادعة لها. لكن من الواضح ان الدافع الى تنفيذ عمليات كهذه قوي جدا. وتستطيع المنظمة ايضا ان تحاول مباغتة الجيش الاسرائيلي بعمليات انتحارية وعمليات اختطاف تجتاز الجدار وتخرج من داخل قطاع غزة. لا ينبغي ان نخرج من نطاق الامكان ايضا تعدي المنظمة الى مجالات لم تعالجها الى الان مثل تنفيذ عملية شديدة الوقع في الخارج، وان تجد جهات تساعدها على ذلك مثل حزب الله وايران.

        مشكلة اسرائيل الرئيسة هي، كما هي العادة في هذه الاوضاع، ان تجد استراتيجية خروج، اي كيف نحدث وضعا تترجم فيه انجازات المعركة العسكرية الى النتائج المطلوبة. لهذه الاستراتيجية اثار على مدة المعركة والخطوات الاخرى التي ستتخذ في اطارها، وفي ضمنها سؤال رئيس هو هل ستوجد حاجة الى اجراءات عسكرية برية ايضا. الخطر الرئيس هو ان اسرائيل ستنجر، بعقب نجاح الاجراءات العسكرية الاولى ايضا، الى تصور انه توجد حاجة الى القضاء المادي على قدرة حماس والمنظمات الاخرى على ان تضايق البلدات الاسرائيلية بالنار من داخل القطاع. لا سبيل الى فعل ذلك باطلاق النار من بعيد ولن يحرز الاحتلال الجزئي لقطاع غزة هذا الهدف ايضا. سبب ذلك هو ان مدى الصواريخ، والمسافة القصيرة للبلدات من القطاع وابعاد القطاع الجغرافية الضيقة تحدث وضعا ينبغي معه لمنع اطلاق النار تماما على البلدات احتلال جميع منطقة القطاع وتطهيرها من العناصر المسلحة. تكاليف عملية كهذه وفي ضمنها التكلفة السياسية والاقتصادية لاحتلال غزة من جديد وتحمل المسؤولية عنها، وكذلك التكاليف المباشرة لمثل هذا القتال، باهظة ولهذا فان مصلحة اسرائيل الامتناع عن ذلك.       

        ستمتنع اسرائيل ايضا عن تحديد غاية كهذه، فما يزال يوجد خطر ان يطول الاجراء العسكري بلا ضرورة صدورا عن اعتقاد ان اطلاق النار من بعيد والاجراءات البرية المحدودة ستكون حلا ناجعا يحبط النار الفلسطينية تماما تقريبا. لا يعني ذلك انه لن تكون حاجة الى اجراءات برية ما لكي نثبت لحماس بقوة اكبر ان التكاليف التي ستدفعها والاضرار بعناصرها التي تضررت بقدر اقل بالاجراءات الى الان، والقصد من ذلك في الاساس جهات تنفيذ العمليات مثل قوات عز الدين القسام.

        اعتمادا على تصريحات القيادة الاسرائيلية، يثور انطباع انها تدرك هذا التحليل. في الحقيقة انها تعد الجمهور لمعركة طويلة كدرس من حرب لبنان التي نشأت فيها توقعات مبالغ فيها عند الجمهور لكن من الواضح جدا ازاء الاهداف المحدودة التي نصبتها انها تفضل انهاء القتال في اقرب وقت ممكن تحقق فيه هذه الاهداف المحدودة.

        يوجد نظامات ممكنان لتحقيق الاهداف. الاول هو السعي الى اتفاق او تفاهم مع حماس على هدنة جديدة بشروط جديدة بتوسط وسطاء من العالم العربي ومن خارجه يستطيعون التحدث الى الطرفين. لهذا النظام عدد من النقائص. احداها صعوبة ان تثبت حماس رسميا الهدنة بشروط اسوء من الهدنة السابقة؛ والثانية خوف اسرائيل من ان تعطي اتفاقات كهذه حماس الشرعية. يمكن التغلب على النقيصة الاولى بأن يثبت الاتفاق ايضا فتح المعابر ربما لا على نحو تام كما تطلب حماس بل على نحو يلبي احتياجات السكان بقدر اكبر. المشكلة هي ان اضافة هذا العنصر ستقوي شرعية حماس اكثر. في مقابلة ذلك ميزة الاتفاق او التفاهم هو القدرة على احداث هدنة اكثر استقرارا يتضح بها ما هو الجائز وما هو غير الجائز وربما ايضا القدرة على اقامة جهاز للرقابة وعلاج المشكلات المتصلة بالهدنة مثل جماعة الرقابة التي عملت في جنوب لبنان بعد عملية "عناقيد الغضب" في سنة 1996.

        والنظام الثاني هو هدنة من طرف واحد من الجانبين مثلا بعقب قرار مجلس الامن، بشروط يتبين بها لحماس ما هو ثمن تعدي شروط الهدنة، وذلك بغير اي اتفاق او تفاهمات رسمية. ان هدنة كهذه هي اقل استقرارا بسبب امكان تفسير مختلف للطرفين لما يجوز ولا يجوز وعدم وجود اي جهاز لعلاج المشكلات.

        مهما تكن الطريقة التي يتم اختيارها، توجد حاجة الى تحديد جهات الوساطة التي تمكن من امتحان الخيارات المختلفة وانهاء القتال على نحو يحقق اهداف اسرائيل الاستراتيجية في هذه المعركة مع الاجراءات العسكرية التي تخدم هذه الاهداف.