خبر سهرة في مجلس العزاء الدولي .. خيري منصور

الساعة 01:47 م|10 يناير 2009

صحيفة الدستور الأردنية

لم يعد المثل الفرنسي القائل «ما ليس فرنسياً ليس واضحاً» يعني شيئاً بعد أن تولى ساركوزي مهمة بهلوانية، ونحن لسنا معنيين هنا بتقديم بورتريه لساركوزي فقد قال كثير من الفرنسيين آراءهم بمناسبات مختلفة، ومن الواضح أن ساركوزي غيّر مواقفه ثلاث مرات خلال أسبوع واحد، وبمعنى آخر لبس لكل عاصمة لبوسها، وكانت محاولة ساركوزي لتأجيل التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار لوقف إطلاق النار بمثابة إعطاء "إسرائيل" فرصة إضافية تقتل وتدمر خلالها المزيد من الفلسطينيين وأطفالهم وبيوتهم، ولا ندري ما الذي يعنيه الامتناع عن التصويت على قرار كان مرشحاً لان يكون بالإجماع، فالسيدة رايس لم تمتنع عن التصويت إلا بمعيار بروتوكولي يتعلق بتقاليد الأمم المتحدة وهيئاتها ومجلسها. إنها صوتت عملياً ضد القرار، لأنها تعرف أن امتناعها عن التصويت يفقد القرار الدولي الكثير من نفوذه وقابليته الفورية للترجمة الميدانية.

 

إن من تابعوا تلك المسرحية المثيرة في مجلس الأمن لا بد أنهم شعروا بالإشفاق على من يسوقه سوء طالعه إلى أن يكون ضحية العنف، إنه مجلس عزاء بامتياز مصطلحاته فضفاضة، وقابلة لتأويلات لا حصر لها، أما العرب فهم كمن يحلم بدور البطولة ثم يجد نفسه كومبارس، إذ سرعان ما تحول مشروع القرار إلى مبادرة بريطانية، أدخل عليها العرب إضافات لا يمكن وصفها بأنها جوهرية، أما متى يتوقف إطلاق النار؟ ومتى تنسحب "إسرائيل" من غزة؟ فذلك أمر متروك ل"إسرائيل" وحدها، فهي التي يحق لها ما لا يحق لسواها، لأنها مرعية من البيت الأبيض وتمتلك الحق في استخدام الفوسفور الأبيض، وتتلمذت على فلسفة الرجل الأبيض في الإبادة العرقية والاستيطان. حتى لو وقف إطلاق النار هذه اللحظة فإن "إسرائيل" قتلت أكثر من سبعمائة فلسطيني وجرحت أكثر من ثلاثة آلاف معظمهم من الأطفال والمدنيين.

 

الشيء الوحيد الذي قد يعزي العرب العائدين من أمريكا كي لا يعودوا بخفي حُنين هو الموقف الكوني من "إسرائيل"، وإحساس معظم شعوب العالم وبالتالي حكوماتها بالغثيان والتقزز من جرائم عنصرية توهم العالم بأنه ودّعها إلى الأبد.

 

إن ما جرى في غزة ليس مجزرة بالمعنى العضوي فقط، إنه مجزرة سياسية وأخلاقية وثقافية فهي لم تستخف بالفلسطينيين فقط بل بكل السياق القومي والعقائدي الذي ينتسبون إليه، هذا بالرغم من أن هذا السياق في بعده غير الرسمي قال ل"إسرائيل" بأنها لم تفلح في كل محاولاتها لوأد الوعي والمناعة، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، بحيث لا تقوى على أكثر من حرق علم أو الهتاف والإدانة والشجب بوسائل رمزية.

 

إن عاشوراء فلسطين المرشحة لأن تمتد عشرات الأيام الأخرى ليست مجرد حلقة في المسلسل الدرامي الطويل، فهي قد تبدأ لحظة الإعلان عن نهايتها، لأن "إسرائيل" عمقت الشعور بالكراهية وشحذت الوعي الذي أوشك أن يصاب بالخمول والتبلّد، بحيث أعادت إلى الذاكرة العربية كل ما اقترفته من جرائم ومجازر ومحارق طيلة ستين عاماً، لقد شاهد ملايين الأطفال العرب ما جرى، وفهم من أصابه الهلع بحيث أصبح هذا الذبح في الصغر هو النقش على الحجر، سواء كان شاهدة قبر أو سلاحاً رمزياً في القبضة الصغيرة التي طالما نابت عن البالغين ممن أدركتهم مهنة المهانة لا مهنة الأدب كما يقال.

 

إن قصار النظر فقط ومن يعيشون حياتهم من وجبة إلى وجبة هم الذين يتصورون أن مثل هذه تخضع لمعادلات السياسة وحدها فالتاريخ الآن يعاد مرة أخرى تحت المطرقة!