خبر قرار دولي بائس ومبادرة أكثر بؤساً ..ياسر الزعاترة

الساعة 01:47 م|10 يناير 2009

صحيفة الدستور الأردنية

العرب الذين لا يريدون لحماس الانتصار في هذه الحرب، هم أنفسهم الذين وقفوا خلف المبادرة المصرية الفرنسية، وهم أنفسهم الذين سرّعوا التوصل إلى قرار مجلس الأمن 1860، بعد أن أدركوا أن ترك الوضع على ما هو عليه في ظل الجرائم الصهيونية البشعة ضد المدنيين العزل، وتصاعد الحراك الشعبي العربي والإسلامي والدولي، لن يصب بحال في صالح برنامجهم، لا سيما إثر تلويح سوريا بقمة عربية طارئة بمن حضر، ولن يصب تبعاً لذلك في صالح الاحتلال. ومن هنا جاء تمرير الأمريكان للقرار على مضض، رغم نص البند الأول فيه على الوقف الفوري للعدوان تمهيداً لانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها في القطاع، الأمر الذي يعود إلى ما سلف من معطيات، معطوفة على الفشل الإسرائيلي العسكري في مواجهة مقاومة صلبة وباسلة.

 

لا يعني ذلك بالطبع أن القرار كان إيجابياً لصالح حماس والمقاومة، فقد اشتمل على الكثير من المصائب، كما انطوى على الكثير من الغموض الذي سيفسر غالباً لصالح الطرف الإسرائيلي، لاسيما أن الوسيط الوحيد الموجود هو الوسيط المصري المنحاز ضد حماس.

 

إلى جانب نصوصه المكتوبة، بالإمكان قراءة القرار الدولي من أكثر من جانب، لعل أولها ترحيبه بالمبادرة المصرية، وإشادة وزيرة الخارجية الأمريكية بالمبادرة والمطالبة بمنحها فرصة التطبيق، وذلك في سياق تبريرها الموقف الأمريكي بالامتناع عن التصويت لصالحه. يضاف إلى ذلك حديثها (أعني رايس)، عن ضرورة أن يقود القرار إلى جهود سياسية تعيد السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، الأمر الذي يلمسه المحلل في نصوص المبادرة المصرية، وكذلك في سياق حديث عن العودة إلى اتفاقية المعابر الموقعة عام 2005.

 

عودة إلى بنود القرار الدولي، ومعها بنود المبادرة التي ستكون موجودة في سياق التطبيق العملي للقرار، وهنا يبرز الجانب الإيجابي المتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار، الأمر الذي أعلنت الدولة العبرية عدم التزامها به على لسان إيهود أولمرت، إلى جانب الانسحاب من المناطق المحتلة فيه، وهو انسحاب لم يحدد له أي جدول زمني، ما يعني ربطه بمجمل الترتيبات التالية التي يريد الإسرائيليون أن تخدم رؤيتهم النهائية للحرب ممثلة في كسر خيار المقاومة بالكامل، وإتاحة المجال أمام خيار التسوية في أسوأ طبعاتها بؤساً، والطبع في ظل قيادة فلسطينية تبدي قابلية عالية لتقديم التنازلات.

 

هناك بالطبع حديث عن إنهاء الحصار وفتح المعابر، وهي قضايا إيجابية رغم إمكانية التلاعب بتفسيرها، لكنها تغدو بائسة حين ترتبط بالتهدئة الدائمة وترتيبات منع تهريب السلاح، أي الإقرار العملي بنبذ المقاومة، مع العلم أن الصراع مع الاحتلال والحق في مقاومته لا يتعلق بالقطاع فحسب، وإنما بسائر الأراضي المحتلة.

 

في سياق الترتيبات المتعلقة بالتهدئة الدائمة ومنع تهريب السلاح، يبدو القرار الدولي غامضاً إلى حد كبير، لكن بنود المبادرة المصرية تفسر الغموض، إذ تتحدث عن آليات دولية تعني بكل بساطة قوات دولية تضبط الحدود، وتؤدي عملياً إلى وضع مختل بالكامل ضد حركة حماس، وبالطبع انتظاراً لمصالحة تعيد السلطة إلى القطاع، وبالطبع بعد عودتها قبل ذلك من خلال الإشراف على المعبر، لا سيما أن الفقرة الثالثة من المبادرة المصرية تتحدث عن العودة إلى الحوار وإنهاء الانقسام، وهي عودة خلاصتها انتخابات جديدة ينبغي أن تعيد السلطة إلى حركة فتح كما يخطط فريق السلطة ومن ورائه مصر ودول الاعتدال والأمريكان والإسرائيليون.

 

في مواجهة هذا البؤس، وفي ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، ليس أمام حماس سوى استمرار الصمود من جهة، مع رفض أية آليات أو بنود تلغي حقها في المقاومة، وبالطبع من خلال الاعتصام بالجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية بعد الله عز وجل، إلى جانب التنسيق مع الدول التي تدرك المعنى الواقعي للقرار الدولي والمبادرة المصرية، كما تدرك تبعاتها على القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها.

 

لقد فشل الاجتياح العسكري الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، بدليل تراجعه عنها هدفاً إثر آخر، في حين صاغت المقاومة ملحمة بطولية رائعة، ولا يمكن لحماس والقوى المتحالفة معها قبول شروط لا تفرض إلا على مهزوم، لا سيما أنها شروط تتجاوز وضع القطاع إلى ترتيبات تمس القضية برمتها. والخلاصة أن لسانها حالها ينبغي أن يكون: إنهم لن يأخذوا بالسياسة ما عجزوا عن أخذه بالقوة العسكرية الهمجية.