صيغة استراتيجية للساحة الإسرائيلية الفلسطينية

الساعة 11:30 ص|11 أكتوبر 2018

معهد بحوث الامن القومي

صيغة استراتيجية للساحة الإسرائيلية الفلسطينية

بقلم: عاموس يدلين

(المضمون: موجز ومباديء الصيغة التي اعدها مركز بحوث الامن القومي للحراك السياسي الامني في الساحة الاسرائيلية الفلسطينية، تفتح كل الخيارات امام اسرائيل حتى في ظل غياب شريك فلسطيني باتجاه الوصول الى كيان فلسطيني منفصل يحمي اسرائيل من منحدر التدهور الى دولة واحدة غير يهودية وغير ديمقراطية - المصدر).

على أساس الفهم بأن اسرائيل تعيش اليوم طريقا سياسيا مسدودا وخطيرا، بلور معهد بحوث الامن القومي صيغة عمل سياسي – أمني في المسألة الفلسطينية لها هدفان: تحسين الوضع الاستراتيجي لاسرائيل ومنع التدهور في المنزلق نحو واقع الدولة الواحدة. أساس هذه الصيغة هو تصميم واقع محسن، يسمح بفتح خيارات في المستقبل لانهاء السيطرة الاسرائيلية على الفلسطينيين في يهودا والسامرة، وضمان اغلبية يهودية متماسكة في اسرائيل الديمقراطية. بتعبير آخر: هدف الصيغة هو تهيئة الظروف لواقع من دولتين لغرض الحفاظ على اسرائيل ديمقراطية، يهودية، آمنة وأخلاقية.

في اطار الخطة الاستراتيجية – التي تمت في اعقاب بحث طويل وعلى اساس المفاهيم التي نشأت عنها – فحصت البدائل الاساسية التي تطرح في الخطاب الجماهيري والمهني، وتبين أن البديل الاكثر استقرارا، الذي يسمح لاسرائيل بمواجهة تحديات المستقبل بالشكل الافضل، ويحافظ على طابعها ومصالحها الاساسية والامنية، هو البديل الذي يدفع الى الامام بانفصال سياسي واقليمي عن الفلسطينيين تمهيدا لواقع دولتين للشعبين.

 

في ضوء الموانع التي تقف اليوم امام اسرائيل لتحقيق تسوية كاملة مع الفلسطينيين وفقا للمقاييس الحيوية لها، تبلورت صيغة تتضمن خطوات تتطابق ومصالح اسرائيل وتسمح بجملة خيارات في المستقبل – حتى في غياب شريك فلسطيني لتسوية دائمة – من اجل التقدم الى وضع الانفصال السياسي، الاقليمي والديمغرافي عن الفلسطينيين، وخلق استقرار استراتيجي على مدى الزمن. من هناك تتمكن اسرائيل من السير – وفقا لما تراه، وبشكل متدرج وحذر – في الطريق الى مزيد من البدائل السياسية. تدار الصيغة المقترحة بتطلع للوصول على اساسها الى توافقات داخلية في الجمهور الاسرائيلي، تفاهمات مع الأسرة الدولية، مع الدول العربية البراغماتية ومع الفلسطينيين أنفسهم، وهي تعكس تصميم اسرائيل على أن تصمم مستقبلها بذاتها. لا تقترح الصيغة حلا سياسيا نهائيا، بل طريق لخلق واقع استراتيجي محسن لاسرائيل، يسمح لها بالحفاظ على أقصى الامكانيات في يديها.

المباديء المركزية للصيغة السياسية – الامنية

الميزة المركزية للصيغة المقترحة هنا هي المبدأ النموذجي الذي يخلق مرونة كبيرة: فهو يسمح لاسرائيل بأن تختار كل الوقت بين طرق عمل بديلة وفقا للظروف المتغيرة في محيطها الاستراتيجي. وها هي مبادئها:

1- تعزيز عناصر الامن في ظل تقليل الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، الحفاظ على حرية العمل العملياتية في كل مناطق يهودا والسامرة من خط الاردن غربا، التعاون مع اجهزة الامن في السلطة الفلسطينية – كلما كان اكثر، هكذا يقلل الجيش الاسرائيلي نشاطه العملياتي في الاراضي الفلسطينية.

2- تثبيت المصالح السياسية، الامنية والاقليمية لاسرائيل في يهودا والسامرة قبيل التسويات المستقبلية، وكذا تحسين وضع اسرائيل الاستراتيجي في غياب التقدم السياسي، عبر ايضاح نواياها للتقدم نحو انفصال سياسي واقليمي عن الفلسطينيين وخلق الظروف لواقع الدولتين.

 

3- تعزيز شرعية ومكانة اسرائيل الدولية والاقليمية من خلال التعاون الاقليمي – الامني، السياسي والاقتصادي وفي البنى التحتية.

4- تعزيز البنية التحتية، قدرة الحكم والاقتصاد الفلسطيني. لهذا الغرض تجرى اعمال تدريجية – بمساعدة دولية – لتحسين أداء السلطة الفلسطينية وتوسيع صلاحياتها. وضمن امور اخرى تخصص اراض للتنمية الاقتصادية والبنى التحتية وبناء قاعدة لدولة فلسطينية قابلة للعيش في المستقبل تؤدي مهامها ومستقلة.

5- تبني سياسة بناء تفاوتي في يهودا والسامرة. يستمر البناء في الكتل الاستيطانية التي بالنسبة لبقائها في نطاق اسرائيل يوجد اجماع عام واسع، وبالمقابل، يجمد البناء في المستوطنات المنعزلة التي توجد في اعماق الاراضي، ويلغى الدعم الحكومي عن توسعها والاستيطان فيها. مسألة اخلاء المستوطنات لا تطرح إلا في سياق تسوية دائمة مع الفلسطينيين.

خطوات الصيغة

تعلن اسرائيل عن التزامها المبدئي بحل الدولتين وتكون مستعدة في كل وقت للدخول في مفاوضات مباشرة على اتفاق شامل. بالتوازي تبدأ اسرائيل بتطبيق مباديء الصيغة على الارض كي تدفع الى الامام الانفصال عن السلطة الفلسطينية وتنهي سيطرتها على اغلبية السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة. من اجل تحقيق تأييد دولي للصيغة – بما في ذلك التأييد العربي – لا يمكن لاسرائيل أن تكتفي بالاعراب عن الاستعداد لاجراء مفاوضات، بل ستكون مطالبة بأن تعرض مباديء للتسوية. اذا وصلت المفاوضات الى طريق مسدود أو فشلت، سيكون بوسع اسرائيل أن تواصل تحقيق الصيغة وتصميم واقع سياسي، امني واقليمي مستقر ومحسن بالنسبة لها على مدى الزمن.

تعمل اسرائيل على استكمال الجدار الامني، الذي سيرسم ايضا مسار الانفصال والمصالح الاقليمية لاسرائيل في المستقبل، وتعلن عن تجميد البناء في المستوطنات المنعزلة التي توجد في اعماق الاراضي الفلسطينية شرقي الجدار. اضافة الى ذلك تثبت اسرائيل بأنه حتى 20 في المئة من اراضي يهودا والسامرة هي منطقة مصلحة امنية (معظمها في غور الاردن، بما في ذلك مواقع ومحاور استراتيجية)، ستبقى تحت سيطرة اسرائيلية الى أن يتحقق توافق على تسوية امنية مرضية لاسرائيل، ويقوم كيان فلسطيني مسؤول وقادر على أداء مهامه.

لاسرائيل مصلحة في وجود سلطة فلسطينية تؤدي مهامها، مستقرة ومتعاونة في التقدم في أفق سياسي نحو حل. ولهذا فستتخذ اسرائيل الخطوات التالية كي تعزز السلطة الفلسطينية:

1- تنقل اسرائيل الى السلطة الفلسطينية صلاحيات امنية في المنطقة ب، تشبه تلك التي في يدها اليوم في المنطقة أ، بحيث ينشأ مجال فلسطيني موحد (أ و ب) يكون البنية التحتية للدولة الفلسطينية المستقبلية، بل وربما يصبح دولة فلسطينية في حدود مؤقتة. تقع هذه المنطقة على قرابة 40 في المئة من اراضي يهودا والسامرة، ويسكن فيها اكثر من 98 في المئة من السكان الفلسطينيين.

2- اسرائيل تخصص حتى 25 في المئة من اراضي يهودا والسامرة من داخل المنطقة ج لتنمية بنى تحتية ومشاريع اقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، ونقل اراضي مأهولة بالفلسطينيين تتجاوز حدود المنطقة ب الى المنطقة ج للسيطرة الفلسطينية. يكرس وجود متداخل مع الأسرة الدولية لاقامة مشاريع صناعية وطاقة خضراء، مشاريع سياحة وتكنولوجيا عليا، بناء للسكن وما شابه. في المرحلة الاولى لا تنقل اسرائيل صلاحيات امنية وتخطيطية للفلسطينيين في مناطق التنمية هذه، ولكن هذه تكون "على الرف" وتنقل بالتدريج الى السلطة الفلسطينية.

3- في المجال الفلسطيني يكون تواصل اقليمي، وتقام شبكة مواصلات متواصلة من شمال الضفة وحتى جنوبها، بحيث يقل الاحتكاك اليومي بين الجيش الاسرائيلي، المستوطنين اليهود والسكان الفلسطينيين، وترفع الموانع عن التنمية الاقتصادية الفلسطينية.

4- تطلق خطة اقتصادية هدفها في المدى القصير تحسين مستوى المعيشة للفلسطينيين، وغايتها للمدى البعيد تشجيع استقلال اقتصادي فلسطيني يسمح بانفصال اقتصادي عن اسرائيل. لأجل تحقيق هذا الهدف يوصى باقامة جهاز دولي متخصص.

هذه الخطوات ستسمح ببناء بنية تحتية لكيان فلسطيني مستقل على قسم هام من الضفة الغربية (حتى 65 في المئة من الاراضي). في ذات المرحلة تواصل اسرائيل السيطرة على باقي الاراضي، من ضمنها نحو 10 في المئة ستعرف كالكتل الاستيطانية الحيوية لاسرائيل في كل تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين.

تسعى اسرائيل الى اعتراف دولي بخطواتها وتطلب مقابل دولي، المركزي فيه هو تعهد بتأييد الصيغة حتى في حالة فشل في مسار المفاوضات الثنائية. اضافة الى ذلك، على اسرائيل أن تطلب استئناف الالتزامات الامريكية مثلما صيغت في كتاب بوش لشارون (2004)؛ اقامة جهاز دولي متخصص للتنمية الاقتصادية الفلسطينية، لضمان نجاعتها ومنع الفساد؛ التزام من السلطة الفلسطينية بمنع الارهاب والعنف؛ والاعتراف بالترتيبات الامنية المطلوبة لاسرائيل.

إن حل مشكلة غزة ليس جزء من الصيغة السياسية وليس شرطا لتقدمها. في كل سبيل، توجد اهمية لبذل جهد دولي لتحسين الوضع الانساني في القطاع واعمار بناه التحتية مقابل اقامة جهاز دولي يعمل على وقف تعاظم القوة العسكرية لحماس وباقي محافل الارهاب. يجب التقدم في هذا الموضوع بالتوازي مع تطبيق الصيغة في يهودا والسامرة وعلى نحو منقطع عنه ايضا.

إن الواقع الذي سيتشكل في المنطقة سيخلق لاسرائيل بنية تحتية سياسية، حزبية ودولية، اكثر راحة نحو التقدم مستقبلا في مسارات اخرى وفقا لاعتباراتها الامنية والسياسية: اقامة تسويات انتقالية مع الفلسطينيين تبعا لقاعدة "كل شيء يتفق عليه يطبق" وترك فكرة "إما كل شيء أو لا شيء"، اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة وتغيير طبيعة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني من صراع للتحرر الوطني الى صراع بين دولتين وادارة مفاوضات مباشرة لتحقيق التسوية السياسية للدولتين، وفي حالة غياب التعاون الفلسطيني المطلق – التقدم في خطوات الانفصال المستقلة وفقا لمصالح اسرائيل.

بحث معمق ومستمر لجملة الامكانيات التي تقف امامها اسرائيل يؤدي الى الاستنتاج بأن الصيغة المقترحة هي الممكنة اليوم؛ تحافظ على المصالح الاسرائيلية – الامنية والاستيطانية – وتسمح بتجنيد تأييد دولي واقليمي؛ لا تتضمن اخلاء مستوطنات في المستقبل القريب وتسمح بمجال مرونة سياسية لاسرائيل. وعلى الاقل، فان الصيغة المقترحة تحسن جدا الواقع الحالي: تصد الميول الخطيرة لاسرائيل، والتي تسمى بالخطأ "الوضع الراهن"، وعمليا هي منحدر يؤدي الى مخاطر قومية ذات مغزى وبالاساس الى واقع دولة واحدة دون قدرة على الانفصال عن الفلسطينيين.