نتنياهو وحسابات الانتخابات

الساعة 09:45 ص|11 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات

 

حتى الآن نجح نتنياهو - وعكس كل التوقعات التي جاءت في أعقاب نتائج انتخابات الكنيست في مارس 2015 - في أن يقود حكومة مستقرة لفترة تقترب من الأربع سنوات، وتعتبر الأطول مقارنة بمتوسط أعمار الحكومات الإسرائيلية على مدار أكثر من عقديْن سابقيْن، وذلك برغم التحقيقات الكثيرة ضده، وبرغم ضيق قاعدتها البرلمانية والتطورات السياسية والإقليمية الكبيرة، وهذا مؤشر على احترافيته للعمل السياسي وعلى الانسجام داخل الحكومة التي تمثل المعسكر اليميني ومصالح أطرافها في استمرار الحكم، ويبدو أن سببًا آخر لنجاحها هو ارتفاع نسبة الحسم للانتخابات، حيث غاب عن المشهد الحزبي الأحزاب الصغيرة. نسبة الحسم الكبيرة تثير الخوف من الانتخابات القادمة، لأن بعض الأحزاب المُشكّلة للحكومة والكثير من أعضاء الكنيست لا يضمنون عودتهم للكنيست مرة أخرى، هذا فضلًا عن أن أحزاب الائتلاف حققت ما ترغب به على المستوى الحزبي، أي أنهم استطاعوا تقاسم كعكة السلطة دون نزاعات كبرى، وكلٌ منهم سعيد بما حقق وبما لديه.

 

بينت مع شاكيد وأريئيل وسموتريتش من حزب "البيت اليهودي" نجحوا في عمل ما يشبه الانقلاب داخل دوائر القضاء وفي المحكمة العليا وفي القوانين، فأدخلوا فيها ما يسمّونه بالروح اليهودية التوراتية واليمينية العنصرية، ونجحوا في توسعة الاستيطان وجعله يحظى بالأفضلية المالية والتشريعية، وفي وزارة التعليم التي يقودها بينت عمل أيضًا ما يشبه الثورة في التعليم ثقافة ومنهاجًا وفي الهيكل التنظيمي، والمتدينون حظوا بنصيبهم؛ الفيتو على التهويد والفيتو على تغيير الوضع القائم والكثير من الموازنات لمؤسساتهم، أما ليبرمان فقد أصبح وزيرًا للأمن رغم أن خبرته الأمنية لا تتجاوز موظف مخازن في الجيش، وكحلون - الذي دخل الكنيست لأول مرة زعيمًا لحزب جديد (كلنا) - حقق نجاحات كبيرة في وزارة المالية، ويرغب في استكمال نجاحاته وخططه ومشاريعه، أما "الليكود" فهو الذي قاد كل هذه النجاحات، ونتنياهو يعتبر هو النجم الأهم الذي قاد فريق نجوم اليمين، فلا عجب أن ينال في استطلاعات الرأي مؤشرات الرضى الشعبي ويحظى بأعلى نسبة تأييد، تؤكد أنه لو جرت الانتخابات اليوم فإنه هو وليس أحدًا غيره من سيشكل الحكومة، وربما سيشكل ذات الحكومة مع اختلافات قليلة، شكلًا وليست مضمونًا.

 

لكن وبطبيعة الحال، فإن كل حكومة تصل إلى نهاية طريقها، سواء بانتهاء ولايتها أو نتيجة لأزمة أو نتيجة حسابات حزبية لدي رئيسها، وفي هذه الفترة يسود شعور كبير لدي أحزاب الائتلاف أن قرارًا بحل الحكومة بات أمرًا محتملًا بشكل كبير في غضون الأسابيع القادمة، وهم يتصرفون وفقًا لذلك، والشعور بالانتخابات يخلق خطابًا وتوجهًا إعلاميًا انتخابيًا، وهذا بدوره يخلق ديناميكية انتخابية لا يمكن وقفها أحيانًا، فينضج قرار بالذهاب إلى الانتخابات حتى لو لم يكن ثمة سبب جدي، لا سيما عندما يكون مرّ من عمر الحكومة فترة طويلة وتبقى لولايتها القانونية أقل من سنة.

 

بعد أيام، في 14 أكتوبر، ستعود الكنيست من إجازتها لتبدأ دورتها الشتوية، وعلى أجندتها مجموعة من القوانين، وستسارع جميع أحزاب الائتلاف إلى محاولة سن أو تعطيل بعض القوانين في صراع مع الزمن، لكن أهم قانون على أجندتها سيكون قانون التجنيد، الذي يدور خلاف كبير سياسي وأيديولوجي وديني حوله بين الأحزاب الدينية وبين بقية الأحزاب، لا سيما مع ليبرمان، وقد قدمت وزارة الأمن صيغة تسوية لقانون التجنيد ورفضها المتدينون، وكان إنذارهم إما الاتفاق على صيغتهم للتجنيد حتى نهاية شهر أكتوبر وإما الانسحاب من الحكومة، ولا يبدو ان ليبرمان سيخضع لمطالب المتدينين عشية الانتخابات، ولا المتدينين سيمنحون إنجازًا لليبرمان وبقية شركائه، الأمر الذي يجعل من القانون أزمة انتخابية، وهو يشكل قضية قوية لبعض الأحزاب للذهاب عليها للانتخابات وحلّ الحكومة، تحت شعار رفض الابتزاز الديني والنضال من أجل المساواة في تحمل الأعباء الأمنية؛ الأمر الذي يرمي الكرة في ملعب نتنياهو، فإن أراد فعلًا حلّ الحكومة والذهاب للانتخابات فسيكون لديه سبب مقنع، لكن ما يشغل بال نتنياهو ليس سؤال "هل يذهب إلى الانتخابات؟"، بل "متى؟ وما هو التوقيت المثالي بالنسبة له؟"، توقيت يتغلب على تأثيرات ملفات التحقيقات، وتوقيت قرار المستشار القضائي للحكومة مندلبليت، بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في الملفات التي تحمل أرقام 1000 و2000 و4000 أو إغلاق الملفات.

 

في آب الماضي، قررت النيابة توحيد الملفات جميعها - باستثناء ملف 3000 الخاص بالغواصات - في ملف واحد، وسيسبق التوصية بتقديم لائحة اتهام جلسة استماع وربما أكثر من جلسة، وربما هذا الأمر سيستغرق وقتًا أكثر، وهو أمر بات اليوم يتعارض مع مصلحة نتنياهو على عكس مصلحته السابقة بإطالة أمد التحقيقات، فمن ناحية نتنياهو نقدّر بأنه يرغب أن تجري الانتخابات بعد قرار المستشار القضائي لأنه يعتقد بأنه سيحظى بالتأييد الجماهيري رغم أي قرار للمستشار، سواء كان بتقديم لائحة اتهام أو بإغلاق الملفات، ففي هذه الحالة فإن الحكم هو صندوق الانتخاب والجمهور الذي برغم قرار المستشار منح ثقته لنتنياهو، الأمر الذي يجعل أي احتجاج من قبل أي حزب على تشكيل نتنياهو للحكومة بسبب لائحة اتهام احتجاج ضعيف ولا يعتدّ به، لكن إذا ما أصدر المستشار قراره بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو بعد إجراء الانتخابات فإن قرار الأحزاب سيكون هو المرجع الوحيد وسيمتلك قوة تأثير كبيرة، ومن الواضح أنه في هذه الحالة سيضطر نتنياهو للاستقالة أو تعليق نشاطه السياسي، وهذا بات أمرًا واضحًا بعد ان أعلن كحلون، أمس، أنه لن يعمل تحت زعامة نتنياهو في حال قدمت ضده لائحة اتهام.

 

في النهاية على نتنياهو أن يقرر توجهه الأسبوعين القادمين، وعلى خلفية رياح الانتخابات يتصارع ليبرمان مع بينت ويصعّدان الخطاب ضد غزة، رغم ان استمرار الهدوء في القطاع يخدم ليبرمان ونتنياهو ولا يخدم بينت ولا بقية أحزاب المعارضة، وحجم اللهب على الحدود مع القطاع وحجم التركيز الإعلامي عليه سيكون لاعبًا رئيسيًا في التأثير على المشهد الحزبي الإسرائيلي.