خبر غزة مشكلة أم قضية؟ ..سليم الحص

الساعة 09:59 ص|10 يناير 2009

تطالعنا كل يوم مشاريع لوضع حد للحرب على غزة. كل هذه المشاريع توحي وكأنما غزة هي مشكلة أمنية. فتأتي المشاريع عموماً بالنص على وقف إطلاق النار والانسحاب إلى الخطوط التي انطلقت منها الحرب واستحداث آلية مراقبة لالتزام وقف إطلاق النار تتولاها قوة فصل دولية.

ما نريد أن نؤكده هو أن غزة ليست مجرد مشكلة أمنية. إنها قضية، قضية وطنية تعني الشعب الفلسطيني، وقضية قومية تعني الأمة العربية. قضية غزة هي قضية فلسطين، وشعب غزة إنما هو جزء من شعب فلسطين.

وقضية فلسطين هي قضية إنسان وقضية أرض، ولكنها قضية إنسان قبل أن تكون قضية أرض. إنها قضية إنسان مشرّد عن أرضه، مقتلع من دياره، يفتقد أدنى حقوق الإنسان في حياته: يبحث عن هوية، يفتقد أرضاً يقيم فوقها، ليس له صوت في تقرير مصيره، لا عهد له بشيء يسمى حرية وإرادته غير مسموعة، فرص العمل غير متاحة أمامه وعليه أن يعتاش على المعونات. إنها قضية إنسان، إذاً هي قضية حق.

مع كونها قضية إنسان، ففلسطين هي أيضاً قضية أرض: أرض سليبة. قاطنوها من اليهود بعيدون عن مسقط رأسهم، ومعظمهم وافد من أوروبا وأمريكا وسائر قارات العالم. وفلسطين مسقط رأس جموع عربية من شعب مهجّر، مقتلع من أرضه.

فلسطين بعبارة أخرى قضية وجود ومصير. والوجود ليس وجود شعب، بل هو وجود أمة، والمصير ليس مجرد مصير شعب بل هو مصير أمة. الشعب فلسطيني، أما الأمة فعربية. يجمع بين الشعوب العربية فيجعل منها أمة جملة عوامل على رأسها فلسطين. من العوامل لغة واحدة وتراث مشترك وثقافة عريقة وتقاسم لأرض مترامية وإنما واحدة، وهموم وكذلك تطلعات مشتركة. وفلسطين فرضت لنفسها موقعاً متقدماً في هذه الباقة من الجوامع. منذ وعد بلفور ومن ثم قرار تقسيم فلسطين الذي أعقبه وقوع النكبة في عام ،1948 والعرب من المحيط إلى الخليج تشدهم قضية مشتركة هي قضية فلسطين. ولا تزال.

وغزة التي تتعرض اليوم لحرب “إسرائيلية” ضارية، حرب إبادة، إنما تختصر فلسطين، فلسطين القضية. على مصير غزة يتوقف مصير فلسطين. وعلى مصير فلسطين يتوقف مصير العرب كونهم أمة. تنتصر غزة بمجرد صمودها في وجه العدوان الوحشي الغاشم، وإن سقطت، لا قدر الله، فإن قضية فلسطين تصاب بانتكاسة رهيبة ومعها تتعرض الأمة العربية لخلخلة  كبرى في مفاصل وحدتها، فيغدو السؤال مشروعاً: هل تبقى الأمة عند ذاك أمة؟ هذا مع العلم أن تجارب الماضي دلّت على أن الزمن لا يصب في مجرى مزيد من التماسك بين الشعوب العربية بل في مجرى ترسيخ أسباب الفرقة بينها. فأواصر الترابط بين الدول العربية هي اليوم أكثر وهناً مما كانت يوم قامت جامعة الدول العربية قبل عقود من الزمن.

من هنا القول، الحرب الغاشمة على غزة تبلغ أوجها في همجيتها السافرة. إن غزة هي فلسطين، وفلسطين هي الأمة. لكم أطاحت فلسطين برؤوس وعهود في الوطن العربي، ولكم أطلقت من تظاهرات وفجّرت من أزمات في الشارع العربي. فكيف ستكون أصداء الحدث في الشارع العربي، وبالتالي على واقع أنظمة الحكم في الأقطار العربية عموماً فيما لو، لا قدّر الله، لم تسلم غزة في حرب العدوان الصهيوني عليها؟ فهل نغالي والحال هذه إن قلنا إن معركة غزة اليوم هي معركة المصير القومي العربي؟

يبدو واضحاً أن معظم الحكام العرب لا يدركون هذه الحقيقة الناصعة. هذا ما تنمّ عنه تصرفاتهم وسياساتهم ومواقفهم أمام ما تواجه غزة وفلسطين والأمة، من عنت وتحديات وأخطار. ولا نتحدث عن استراتيجيات هؤلاء، فهم من النظرة أو الوقفة الاستراتيجية براء.

غزة لها رب يرعاها وشعب يفتديها، وكذلك فلسطين ومعها الأمة العربية.

نصرك الله يا غزة المجاهدة. وليكفّ أصحاب المشاريع العقيمة عن التعاطي مع غزة وكأنها مجرّد مشكلة أمنية، تنتهي بوقف إطلاق النار ومراقبة تنفيذه. متى سيدرك هؤلاء أن غزة قضية، قضية مصير وطني وقومي. فلتكن مشاريع الحل على هذا المستوى من الفهم للحرب الدائرة.

ختاماً فلنعترف بأن بعض مظاهر القضية تغلب عليها خصوصيات المشكلة، ومنها التشريد والتشتت والبطالة وسواها. وقد أفلح مناصرو الصهيونية من قوى العالم في تغليب خصوصيات المشكلة على القضية، عبر حقبة طويلة من الماضي واستخدام وجه المشكلة ليطغى على وجه القضية. فجاءت معظم مشاريع الحل للمشكلة وليست للقضية. ويريدوننا أن نصدق أنها مشكلة وليست قضية. لن يكون ذلك مهما سعوا وحاولوا. ولكن الواقع أن الصهيونية وحلفاءها استطاعوا أن يشغلوا الشعب الفلسطيني بمشكلته عن قضيته إلى حد ما، كما نجحوا في شغل الشعوب العربية بمشاكلها عن قضاياها.

 

* رئيس وزراء لبنان الأسبق