خبر لا تنسوا دماء الأطفال والأبرياء في غزة ..علي عقلة عرسان

الساعة 08:43 ص|10 يناير 2009

 

في اليوم الرابع عشر للعدوان الصهيوني على غزة، الكيان الهمجي يتابع جريمته البشعة ومسلسل إبادته المنظمة ضد الشعب الفلسطيني بتأييد أميركي مطلق ومحاولات غربية لإطالة أمد العدوان، وتواطؤ قبيح من بعض العرب، وصمت يعني المباركة من دول أوربية كانت دائما سبباً أو طرفا أو شريكاً في مآسي الفلسطينيين خاصة والعرب عامة. لقد سقط في هذه المذبحة الهمجية الصهيونية أكثر من778 شهيداً و3200 جريحاً، واستمر الحصار والدمار والقتل والافتراء، ولم يتوقف بعد لموت المنظم.

لم تغب الجماهير العربية عن الساحة في هذه المرة ولكن صوتها وصوت أمثالها ممن حركتهم المأساة في كل أنحاء العالم، لم يفلح في تحريك الأنظمة العربية إلى ساحة المواجهة ولا باتجاه موقف يردع العدو ويوقف الإبادة، ولم تحرك وجدان أحد من الرسميين الأميركيين الذين لم يروا في الأطفال والمدنيين الفلسطينيين بشراً يستحقون موقفاً إنسانياً منصفاً وإدانة للعدوان عليهم، ولم يفلح صوت تلك الجماهير في العواصم الأوربية في جعل الأوربيين، ممثلين في اتحادهم أو في بلدانهم، يرون الأمور رؤية موضوعية فيتخذون خطوة باتجاه وقف المذابح.. تلك ديمقراطيات تراعي القانون وتحترم راي الشعوب؟! الكل بمن فيهم بعض العرب أعطوا الوقت الكافي للعدوان لينجز مهامه الفظيعة، وأرادوا بوضوح تام تدمير إرادة الشعب الفلسطيني المقام، والقضاء على مقاومته، وإبادة أكبر عدد ممكن من الناس، لا يستثنى من ذلك طفل أو شيخ أو امرأة.   

وبعد أربعة عشر يوماً من القتل والتدمير الصهيوني المنهجي اتخذ مجلس الأمن الدولي فجر الجمعة 9/1/2009 قراره رقم 1860 بوقف فوري لإطلاق النار، بموافقة أربعة عشر عضواً وامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت، وجاء ذلك بعد تهديد عربي بفضح التآمر والعودة إلى الوطن.. ولم يدن المجلس العدوان الصهيوني، ولم يفرق تفريقاً ملحوظاً ومطلوباً بين الضحية والجلاد، بل ذهبت وزيرة الخارجية الأميركية إلى حد اتهام حماس وحدها بالإرهاب وحملتها مسؤولية ما حدث، وتباكت بوقاحة على جندي صهيوني أسير هو جلعاط شاليط وطالبت بإطلاق سراحه متناسية معاناة شعب بأكمله من الاحتلال والحصار، ووجود أكثر من أحد عشر ألف معتقل فلسطيني في السجون والمعتقلات الصهيونية بينهم أطفال ونساء وشيوخ وأعضاء برلمان فلسطيني منتخبين، وبينهم أيضاً من قضى في المعتقل الصهيوني أكثر من ثلاثين سنة.! هؤلاء بنظر الإدارات الأميركية والمتطرفين الغربيين والصهاينة العنصريين المشبعين بالحقد والكراهية، هنود حمر تجب تصفيتهم بلا رحمة، ليس لهم أرواح البشر ولا حقوقهم، ولا قيمة لحياتهم ومعاناتهم، ويجب أن تدمر بيوتهم على رؤوسهم ورؤوس أطفالهم؟  وهذا ما حصل فعلاً فقد دمرت بيوت أهل غزة على رؤوس ساكنيها بلا رحمة. ومنذ انطلاق العدوان كان موقف رايس وكلامها عن تغيير في غزة واضحاً، وهما موقف وكلام يشبهان تماماً موقفها وكلامها عن شرق أوسط جديد تصنعه سيول الدماء في بداية العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 شرق أوسط جديد يتم صنعه بقوة الحديد والنار.

لا جدوى من الحديث عن إنصاف يحققه مجلس أمن فيه تمييز بين الدول، ولم تضع أسسه وقواعده الشعوب وإنما السياسات المخاتلة ومنطق القوة المفروض على الآخرين، وهو نتيجة من نتائج انتصار القوة في الحرب العالمية الثانية، ويقع كلياً تحت سيطرة قوة عمياء بلا مسؤولية قانونية أو خلقية أو إنسانية هي قوة الولايات المتحدة الأميركية التي تضع إسرائيل فوق المساءلة والقانون، وتدعمها في احتلالها واستيطانها ومذابحها الوحشية. لقد امتنعت الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت على القرار 1860 وهي بذلك تعطي الصهاينة الضوء الأخضر لمتابعة المذبحة في غزة، وهذا بالفعل ما أعلنته وأشارت إليه ليفني بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي، حيث قالت: " إسرائيل تصرفت وسوف تتصرف وفق حساباتها " وحسابات " إسرائيل" العنصرية معروفة ومؤيَّد أميركياً بصورة مطلقة.  

قرار مجلس الأمن الدولي سينفّذ بعد سيل دماء غزاوية جديد يزيد من عدد الضحايا ومن حجم التدمير والمعاناة، وصدوره على الرغم من محاولات التأخير الفرنسية جاء نتيجة "نخوة"عربية أتت متأخرة عن موعدها كثيراً، وحققت شيئاً هو أقل من الحد الأدنى المطلوب نتيجة اتفاق عربي في نيويورك جاء هو الآخر متأخراً عن موعده كثيراً.. وربما يقدم للعرب درساً في وقت متأخر أيضاً

لقد أعطى حلفاء " إسرائيل" وشركاؤها في العدوان وقتاً طويلاً لمهمة الإبادة، مستهدفين المقاومة الفلسطينية بالدرجة الأولى، ولكن المقاومة التي صمدت ولم ترفع الراية البيضاء، وقصفت بصواريخها البدائية مواقع متقدمة للعدو أثبتت أنها موجودة، وأنها محتَضَنَة من الشعب العربي، وأنها لن تموت.. وأنها قوة دفاع نلحق والنفس والأرض وليست قوة إرهاب كما يريد العدو تصويرها. 

وبعد صدور القرار الذي يرى فيه كثيرون فشلاً للعدو في تحقيق أهدافه المعلنة: القضاء على حماس، ووقف صواريخها، وإنهاء سيطرتها على غزة..إلخ ندقق في بعض النتائج محاولين تحديد: ما حققه الصهاينة وحلفاؤهم وشركاؤهم من أهداف حتى الآن، وما الذي حققته المقاومة الفلسطينية عامة وحماس خاصة؟

لقد تحقق لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته الآتي:

1 ـ وعي في الشارع العربي والإسلامي بحقيقة أن الصراع العربي الصهيوني صراع وجود وليس نزاعاً على حدود، وأن قضية فلسطين قضية أمة وأجيال وليست قضية هذا النظام العربي أو ذاك يحلها وفق رؤيته ومصالحه وارتباطاته. وأن المقاومة هي المدخل للدفاع عن النفس والحق، وطريق التحرير وإبقاء قضية فلسطين حية، وأنها الخيار الذي ينبغي أن يختاره الشعب العربي لموجهة عدو يستهدف الحياة والعقيدة والهوية الوجود، بعد أن سيطر على الأرض والمقدسات وتغلغل في جسم أنظمة عربية وخيارات حكام عرب.

2 ـ انتشار صحوة وطنية وقومية ودينية في مساحات بشرية عربية وإسلامية وعالمية واسعة، فقد حركت المظاهرات الشعبية الوجدان، وجعلت الناس يرون بوضوح تام أنظمة عربية تتواطأ على الدم والرحم والصلات القومية والوطنية، ويلمسون أن العروبة والإسلام مستهدفان بالدرجة الأولى من جانب الغرب وإسرائيل. وتأكد لكثيرين أن التيار الإسلامي قادر على تحريك الشارع وأن ما كان كامناً من دوافع دينية تحرك وأصبح في العلن يواجه أو يدعو إلى المواجهة. وهذا يشير إلى متغيرات وإلى تغير معادلات في مساحات المواجهة.

3 ـ غرس ونمو جديدين في نفوس أجيال عربية من الشباب والفتيان والأطفال لموقف ضد الصهاينة وجرائمهم لا يمكن أن ينسى، وكتابة بالدم في أعماق النفوس والذاكرة لصفحات مؤلمة لا تُزال إلا بإلحاق هزيمة شاملة بالعدو المحتل الذي يستهدف الجميع كلٌ بدوره، ووضع الأجيال أمام حقائق أن القوة المحتلة لا تزيلها إلا قوة تحرير مضادة، وأن ذلك يتطلب امتلاك قدرة ومعرفة وقوة ووحدة رؤية وموقف وهدف وإيمان عميق بالله والنصر. وأنه لا مجال أبداً للتعايش بين الضحية والجلاد، بين العرب والصهاينة.. لا يوجد إمكانية لسلام مع "إسرائيل" التي تقتل الأطفال وتحتل الوطن وتستهدف الأمة.. هذا نوع من الوهم ونوع من التخدير صحت عليهما الأمة ويمكن أن تتعافى منهما.. وأن " إسرائيل" قوة احتلال ينبغي التخلص منها بقوة تحرير، وهذا أمر يمكن تحقيقه، وما ودرسا حزب الله 2006 وحماس 2008 ـ 2009 إلا مقدمة تقرأ وتُستخلص منها العبر في هذا المجال.. وأنه  ما كان للعدو الصهيوني أن يرتكب مذبحة غزة لو كان للعرب خيار جدي واحد في الدفاع عن النفس وتبني قضية الأمة، والشعور بالانتماء إليها والمسؤولية عنها.. بدلاً من الارتماء في أحضان مجلس أمن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

4 ـ أكد حقيقة أن الصراع العربي ـ العربي يفتك بكل الأطراف العربية وبقضايا الأمة، وأن المتنافسين من العرب على سلطة وهيمنة ونفوذ وكسب ثقة المحتل الأميركي والإسرائيلي والغرب المتعاون معهما، والاستقواء بأولئك على الشعب والخصوم السياسيين لن يحل للحكام مشكلة، ولن يوفر لأطفال الأمة حماية، ولن يعيد لها حقوقها، وأن وجهاً من وجوه المواجهة هو داخلي أيضاً.

5 ـ حقق فرزاً سياسياً داخلياً في الوطن العربي سوف تكون له نتائجه اللاحقة، ووضع الوطن العربي على طريق المواجهة التي أرادتها وفرضتها الولايات المتحدة لأميركية وإسرائيل بين معتدلين ومن  يسمون بالمتطرفين من العرب، أي بين نهج  المقاومة والممانعة من جهة ونهج الاعتراف والتطبيع والتنازل من جهة أخرى. فقد أصبح من الواضح الآن اعتماد الغرب وإسرائيل طرفاً عربياً ضد طرف عربي آخر، وتواطؤ أنظمة عربية مع العدو الصهيوني أو في أحسن الأحوال سقوطها في الفخ الأميركي  الصهيوني. إنهم يعرفون هذا الآن، ويفرح فريق منهم به ولكنه سوف يكون وبالاً على الجميع. وحتى لو اجتمع العرب في قمة فسوف يحصدون الريح وينمون الخلافات الداخلية ويخرجون منها أضعف مما دخلوا إليها، لأنهم لا ينظرون إلى الهدف الأعلى ولا يختارون الاختيار الأجدى.. إنهم لن يختاروا الدفاع عن الأمة باستخدام القوة فقرار الأنظمة لا يتجه نحو خيارات قومية، أي خيارات الأمة.. فهل  سيعطي القادة  في أية قمة إلا المزيد من الاختلاف والإفلاس ومن ثم العري أمام العالم والتهافت أمام العدو، الأمر الذي يجعله يتمادى في عدوانه ومطالبه غير المعقولة.؟

6 ـ طرح سؤالاً كبيراً حول جدوى ثلاث: المبادرة العربية أو ما أصبح يعرف بقرار قمة بيروت، أنابوليس والمشاركة فيه ونتائجه وجدواه، وحول التحالف من أجل الموسط، أي التحالف من جل إسرائيل.. وموقف الذين يسكنون حماه؟ هل يمكن أن يبقى لكل هذا جدوى من أي نوع الآن؟ 

أما النتائج أو الأهداف التي يريد العدو الصهيوني وحلفاؤه تحقيقها من العدوان على غزة، وهو لم يحصل عليها بمجملها على الرغم من أنه ألحق كارثة إنسانية بغزة وألحق خسائر بالمقاومة.. فهي:

أ ـ تدمير المقاومة الفلسطينية كلياً ابتداء من غزة، فالضفة الغربية لديه من تحصيل الحاصل بعد الانتهاء من غزة. وجعل الناس في غزة يثورون على المقاومة ويسلمونها لهم. وجعل حماس تستسلم كلياً.. وهذا لم يحصل.

ب ـ فرض حل على الفلسطينيين كلهم هو حل التفاوض الفاشل المعروفة نتائجه الكارثية على حق العودة والقدس وفي مجالات الاستيطان والتهويد.. إلخ، وفرض سلطة تمشي في تلك الطريق وتحتمي بهم وتنفذ ما يريدون.

ج ـ تقديم تحالف المعتدلين العرب بوصفه الحصان الرابح الذي يُراهَن عليه، وإعلان أنه المقبول أميركياً وأوربياً صهيونياً.. في ترجيح لهذه الكفة والاستثمار في صراع عربي مستقبلي مكشوف.

د ـ إضعاف موقف سورية في التفاوض، وإنهاء المسار السوري ـ الإسرائيلي أو اللعب على تناقضات عربية في هذا المجال تؤدي إلى نتائج سلبية، وكشف إيران وتقديمها أعجز من أن تقدم أي شيء لحلفائها.. وهذا ما بدأ التصريح به منذ الساعات الأولى للعدوان على غزة. وجعل حماس وغيرها من فصائل المقاومة تدفع فاتورة عدم الاستجابة لوسطاء عرب يحملون مطالب صهيونية، لأنها لم تقبل مقترحاتهم ولم تستمع إليهم ولم تأخذ بتحذيراتهم.

هـ ـ جعل الصحوة الإسلامية والأحزاب الإسلامية تتراجع في الوطن العربي، لا سيما في مصر.. والكف عن القول بأن كامب ديفيد ساقط جماهيرياً وينبغي التخلص من تركته.. ومثله الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية وأوسلو وخريطة لطريق. 

من الواضح الآن أن الخلافات العربية ـ العربية، والفلسطينية ـ الفلسطينية، ساهمت في صنع مأساة غزة، وأنها تقف وراءها أو وراء استمرارها بشكل ما. إن العدو عدو ولا يمكن  أن تنتظر منه  رحمة أو خلقاً أو فهماً أو عوناً.. إنه الجريمة مجسدة.. فأين من يقومون بمسؤولياتهم لكي يحموا الأمة من المجرمين الذين يستهدفونها؟ وهل يمكن أن ننتظر مبادرات خلاقة على طريق تفاهم عربي ـ عربي صحيح، ينهي المواجهات العربية الداخلية لكي تتفرغ الأمة لمواجهة أعدائها؟ يبدو أن هذا هو الآن أبعد الأهداف العربية المنشودة.

إن أرواح الأطفال الفلسطينيين ودماءهم البريئة يجب  أن تسكن نفوس الأجيال العربية القادمة. فلنعلّم الأطفال والشباب العرب في المدارس والجامعات الرسمية والأهلية، الخاصة والعامة، درس غزة ومراميه وأبعاده ومعانيه وكيفية الرد عليه.. فلنعلمهم ونعلم الشباب معنى معاناة أطفال غزة وأبنائها وعمق المأساة التي عاشوها وفداحة الإجرام الصهيوني ـ الأميركي الذي حل بهم حتى لا ينسوا أبداً.

سيقول المتنطعون من المثقفين العرب، أشياع اليهود والأميركيين ودعاة الاعتراف والانهزام والتطبيع: هذه " كراهية" ونقول لهم نعم وألف ألف نعم.. فلم لا نكره من يكره البشر ويعادي الحياة والقانون والدين والقيم، ويلِغ في دم الأبرياء، ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها وهم نيام؟ لم لا نكره من يقتلنا  ويبيدنا بكل الأسلحة، ويشوه الوقائع والحقائق والتاريخ، ويكذب في كل لحظة ومع كل نفَس، ويذبحنا بدم بارد في كل وقت، ويستمر في برامج قتلنا حتى الإبادة الشاملة؟ أعطونا واحداً ينفذ مقولة المسيح: أحبوا قاتليكم؟ أعطونا منصفاً واحداً من المسؤولين في دولة الإرهاب الصهيونية وفي دولة حماية الإرهاب الأميركية، وفي الغرب المتواطئ معهما  يفعل ذلك أو يدعوا إليه بصدق؟

أيها الفلسطينيون.. أيها العرب.. أيها المسلمون.. أيها الشرفاء في كل أنحاء العالم.. لا تنسوا غزة ولا دم أطفالها وآلام أبنائها، علموا الناس والأجيال والأطفال معاني ومرامي الهلوكوست الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، حتى يتوقف ولا يتكرر.. علموا الناس ماهية الصهيوني المجرم وما هية  الصهيونية العنصرية، ومن هو الذي يناصر ذلك النهج المعادي للحياة والكرامة والحقوق والحريات والسلام على وجه الأرض.. تلك مسؤولية أخلاقية وإنسانية تنتظر من يقوم بها لكي تخف وطأة إرهاب الدولة وهيمنة دولة تمارس إرهاب الإمبراطور وتغذيه هي الولايات المتحدة الأميركية.