خبر دلالات مشاهد الأسبوع الأول للمحرقة ..عوني فرسخ

الساعة 11:52 ص|09 يناير 2009

أكتب صبيحة ثامن أيام المحرقة بعد أسبوع حافل ليس فقط بالقصف الجوي والبحري الصهيوني والإعلامي متعدد المصادر، وإنما أيضاً بمشاهد الصمود والحراك الشعبي والتحرك السياسي، وإذا كانت المحرقة ما زالت مفتوحة على احتمالات يختلف في تحديدها المحللون العسكريون، إلا أن مشاهد أسبوعها الأول غنية بالدلالات السياسية الجديرة بالتنويه بها، لعل ذلك يسهم في تمكين المواطن العربي من الوصول الى تقويم موضوعي للأحداث واستشراف علمي لما يتوجب فعله وطنياً وقومياً، كي لا تحقق المحرقة أهداف التحالف الأمريكي الصهيوني الذي خطط وأعد لها خلال شهور “التهدئة” الستة، كما ذكرت الصحافة “الإسرائيلية” مؤخراً.

وفي مقدمة الدلالات وأجدرها بالاعتبار صمود المقاومة وقيادتها السياسية وحاضنتها الشعبية. فالمقاومة امتصت صدمة المفاجأة ونهضت من تحت الركام، كما اعترف بذلك الإعلام الصهيوني، لتوالي قذف صواريخ القسام وغراد على مدن ومستوطنات النقب، فارضة على نحو مليون مستوطن رعباً وشللاً في سائر الأنشطة المدنية، مؤكدة قدرة المقاومة على إفشال العدوان والتآمر البادية معالمه. وكثيرة هي مؤشرات صمود وتماسك الحاضنة الشعبية في قطاع الممانعة التاريخية والمقاومة الأسطورية. وحين يقارن واقع الحال بعد سبعة أيام من حرب الأرض المحروقة في القطاع المحاصر، بما جرى في “حرب الأيام الستة” عام ،1967 يتضح حجم التطور الكيفي في أداء المقاومة العربية. الأمر الذي يدل على عدم واقعية ثقافة الهزيمة، المسكون بها حتى النخاع مدمنو تجارة “هزيمة حزيران” من إعلاميين وحملة أقلام وأدعياء واقعية وعقلانية.

وثانية الدلالات، والتي لا تقل جدارة بالاعتبار مشاهد التحركات الشعبية، التي لم يخل منها قطر عربي. فضلاً عن أنه ليس من تحرك شعبي في مشرق الوطن العربي ومغربه إلا وضم شخصيات ورموزاً وطنية من مختلف ألوان النسيج الوطني القطري. الأمر الذي يدل دلالة لا لبس فيها على أن الأمة العربية، ذات الطبيعة التركيبية التي تضم التنوع ضمن إطار الوحدة، قد تمثلت أصدق تمثيل في حراك الشارع العربي. ولقد تشابه الخطاب في كل المظاهرات والاعتصامات الشعبية بما يقارب التطابق التام، إذ كانت جميعها ليس فقط مدينة المحرقة ورافضة العدوان، وإنما أيضاً مؤيدة المقاومة خياراً استراتيجياً، وغير قابلة بالمطلق أي تشكيك في صدق انتمائها الوطني والتزامها القومي. ما يعني في التحليل الأخير أنه في مطلع العام 2009 تحققت على الصعيد الشعبي ما بين المحيط والخليج “وحدة الصف” و”وحدة الهدف”، وعلى نحو يستدعي الى الذاكرة المد القومي العربي الذي استدعاه صمود مصر الشعب والنظام في مواجهة العدوان الثلاثي: الانجليزي والفرنسي و”الاسرائيلي” عام 1956.

وكما في أيام السويس المجيدة، كذلك هو حال الصمود والمقاومة اليوم، كرافعة للحراك الشعبي، ومؤسسة للمد القومي التحرري، ومبرزة لما تختزنه الأمة العربية من قدرة فذة على دحر الغزاة واستعداد غير محدود للنضال بكل الوسائل المتاحة لتحرير الأرض العربية من دنسهم. فضلاً عن أن في هذا المشهد القومي دلالة امتلاك الشعوب العربية مقومات التكامل القومي، المحقق لها المنعة والموفر لها متطلبات التنمية المستدامة، إن توفرت

في ساحتها القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التكامل والمالكة الإرادة القادرة على تحقيقه.

وثالثة الدلالات ذات الأهمية والجديرة بالتنويه دلالات المشهد الوطني المصري، سواء على صعيد التظاهرات والاعتصامات التي عمت القطر المصري، أو على صعيد الحضور المتميز لمفكري مصر ومثقفيها وإطلالتهم المشرقة على الفضائيات العربية وخطابهم الموضوعي والجريء والمتحرر من الشوفينية القطرية في زمن العصبية القطرية الشائعة في الوطن العربي. ذلك أن هتافات الشارع كما حوارات المفكرين والمثقفين بمقدار ما تناغمت مع الخطاب الغالب في الحراك الشعبي العربي ما بين المحيط والخليج بقدر ما كانت الأصدق تعبيراً عن تراث مصر الحضاري ومصالح وطموحات غالبية مواطنيها الساحقة. ولأنها كذلك فإنها تحمل إمكانية الحيلولة دون تغليب شروط اتفاقيتي كامب ديفيد التي لم يتحرر منها النظام بعد، على السعي لاستعادة دور مصر التاريخي المؤهل وحده لملء الفراغ القائم في الإقليم العربي الذي يبقي أبواب الوطن العربي مشرعة للمداخلات والضغوط الدولية والإقليمية.