خبر المحور المركزي / يديعوت

الساعة 11:16 ص|09 يناير 2009

بقلم: اليكس فيشمان

        (المضمون:  المعركة الحقيقية في الحرب على غزة هي السيطرة على محور صلاح الدين والقضاء على تهريب السلاح منه الى غزة - المصدر).

        ليست غزة وحدها تشتعل. بل طهران ايضا. فالايرانيون في هياج. لا يرون هنالك اعمدة دخان ترتفع، لكن الذعر في مباني الادارة في طهران لا يقل عن ذاك الذي في اقباء المبنى رقم اثنين في مشفى الشفاء. فهنالك، في الطابق السفلي، في غرف بين المخازن، والمحركات والمولدات الكهربائية، تمكث قيادة حماس وتحاسب نفسها والعالم العربي.

        في اسرائيل يعدون جثث افراد حماس، ويشغلون انفسهم بالتكتيك الدقيق، ويزدادون حماسة للنجاحات العسكرية في مستوى احتلال حي. وفي طهران ينظرون الى ما يحدث في غزة نظرهم الى كارثة استراتيجية- لا بسبب القتل بين الفلسطينيين او الازمة الانسانية. فهم في ايران يدركون ان استثمار سنين اصبح ركاما. عشرات ملايين الدولارات تحترق عندما تلامس قنابل جي-دام التي تزن ستمئة كيلوغرام، والتي تنفذ الى مستودعات السلاح والبنى التحتية التي اقامتها ايران في غزة. هذه القنابل تهدد بنقض احد المواقع المهمة التي بنتها الثورة الاسلامية – ان مشروع ايران المتقدم داخل المجتمع السني يحترق.

        الخطر الكبير الذي يخافونه في طهران هو ان يؤثر نجاح الجيش الاسرائيلي في غزة في حزب الله. مهما يبدو الامر هاذيا، فانهم يعتقدون حقا ان اسرائيل وجدت ردا عسكريا لا على حماس فقط بل على حزب الله ايضا. وليس عرضا ان نصر الله تبث احاديث له مرة بعد اخرى في الايام الاخيرة، وانه يظهر بمظهر المهووس ويهدد اسرائيل. بين الايرانيون لحزب الله ان اسرائيل ابتدعت ما يحبط قدرتهم وانها ستستعمله عند الحاجة. فنصر الله اذا لا يهدد فقط بل يستعد لتلقي الضربات. تبين ان حزب الله مستعد للمخاطرة من اجل الاخوة الذين يتعذبون في غزة بأن اذن لجهات ارهابية فلسطينية صغيرة في لبنان بتنفيذ اطلاق متفرق لصواريخ على اسرائيل. وأمس صباحا تم اطلاق كهذا على نهاريا وشلومي لرفع معنويات حماس في غزة.

        القيادة الشمالية في استعداد منذ اول يوم من عملية "الرصاص المسكوب". فقد جند جزء لا يستهان به من افراد قوات الاحتياط في اثناء الايام الاخيرة ويرمي في الحقيقة الى زيادة حجم قوات القيادة الشمالية. لكن الفرض الاساسي في اسرائيل هو ان حزب الله لن يفتح جبهة ثانية كاملة لمساعدة حماس. مع ذلك في الايام الاخيرة بحث قائد المنطقة الشمالية جادي ايزينكوت سيناريوات تدهور على اختلاف انواعها في سلسلة نقاشات كثيفة لوضع الاستعداد في الشمال.

        لا يحل لكم السقوط الان

        ان استقرار الرأي على ادخال فرقة في غزة والتهديد الاسرائيلي بتوسيع العملية بعدة فرق احتياط اخرى يزعزع الشرق الاوسط. نحن نرى هذه عملية عسكرية يفترض في ظاهر الامر ان تحل مشكلة صواريخ القسام في غزة. لكن هذه الخطوات التي تتم في ميدان محدود، قد تغير جميع قواعد اللعب في المنطقة. تشعر قيادة حماس التي تمكث في اقباء مشفى الشفاء بالخيانة. من أناس فتح في القطاع الذين ترى حماس انهم يعلمون اهدافا لسلاح الجو الاسرائيلي، الى العالم العربي الذي لا يحرك ساكنا من اجلهم سوى الحديث في قنوات الاقمار الصناعية. لكن الخيانة في نظر حماس هي خيانة محور ايران – حزب الله.

        كانت قيادة حماس تتوقع ان يفتح حزب الله جبهة ثانية تنقذهم. وكانت حماس تكتفي ايضا بعملية ضخمة تنتجها ايران او حزب الله موجهة الى هدف اسرائيلي ما في انحاء العالم – عملية ارهابية ذات مصابين كثر تصيب الرأي العام عندنا بصدمة، وتجلب للجمهور الفلسطيني الانتقام الذي يبحث عنه كثير، وتنتج صورة نهاية مذلة للغزو الاسرائيلي لغزة.

        يرى الايرانيون ان الحرب في غزة جزء من مناضلة اسرائيل لطهران لا قصة محلية اسرائيلية – فلسطينية فقط. ينبغي ان نفترض ان الرسائل التي تنتقل من ايران الى غزة ودمشق قاطعة لا لبس فيها: لا تتنازلوا، استمروا على الصمود. سنقفكم مرة اخرى على ارجلكم. اعدنا الى حزب الله قوته السابقة بل ضاعفناها بعد وقت قصير من حرب لبنان وستحصلون انتم ايضا على العناية نفسها. اصمدوا، سنملأ لكم مخازن السلاح من جديد. ايستطيع الاسرائيليون تحمل الصواريخ حتى اسدود؟ سنراهم عندما تصل الصواريخ التي سنرسلها اليكم حتى تل ابيب. لا يحل لكم السقوط الان.

        لا ينوي الايرانيون التخلي عن موقعهم المتقدم في الشرق الاوسط. لهذا ترى اسرائيل ان احد اهداف العملية المهمة هو وقف تهريب السلاح الى غزة. فبغير تهريب السلاح، تصبح السيطرة الايرانية على القطاع مختلفة تماما. ان شبكة التهريب الضخمة التي يستعملها افراد الحرس الثوري من سنين، تمر من طريق الصومال والسودان والبحر الاحمر ومسارات بحرية في النيل الى القبائل البدوية في سيناء، التي تستعمل نظم رشوة تحبط قدرة جهاز رقابة الشرطة المصرية على وقف التهريب من مدينة رفح. جميعهم هنالك يربحون من الانفاق: من رئيس بلدية رفح المصرية الى اخر افراد الشرطة. اذا تخلت اسرائيل اليوم عن اجهزة رقابة واجراءات رقابة حقيقية على امتداد محور صلاح الدين فان عملية "الرصاص المسكوب" لن تحرز حتى اقل اهدافها الغامضة.

        لكنهم في اسرائيل يدركون جيدا ان احد العوائق العالية والحساسة في الطريق الى القضاء على صناعة التهريب من رفح هو الكرامة القومية المصرية. الحديث ها هنا عن حقل الغام بلا علامات. يقف من وراء مبادرة القاهرة لانهاء المواجهة في الجنوب مصلحة مصرية قبل كل شيء. ومن المهم ان نفهم ان المصالح المصرية لا تطابق بالضرورة مصالح دولة اسرائيل. ففي رأس سلم اولويات مبارك الطموح الى ان يعيد الى مصر مكانتها الرفيعة في العالم العربي- وهي مكانة تضررت كثيرا في الاسابيع الاخيرة بناء على الاتهام بالتعاون مع اسرائيل على حماس. ستستطيع مصر ان تعيد لنفسها سمعتها اذا نجحت في احداث تعاون بين حماس وابي مازن ووحدة وطنية فلسطينية. لهذا تربط مصر، كمتوسطة بين فتح المعبر في رفح واستعداد حماس لمحادثة ابي مازن.

        المصلحة الاسرائيلية بمقابلة ذلك هي العودة الى الاتفاق الذي وقع في 2005 وفحواه ان تراقب المعابر نظم رقابة من السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين دوليين واسرائيل. بيد ان مصر، عوض مرونة حماس مع ابي مازن، ستكون مستعدة لان تستجيب لمطالب حماس وتتخلى عن الوجود الاسرائيلي في المعبر. ان مصر غير مستعدة – لاسباب داخلية- لان تبدو كمن تمنع تهريب السلاح الى غزة وتتخلى عن الاخوة الفلسطينين لتفضل الدبابات الاسرائيلية. ان ازدياد حماس قوة كما ترى مصر، مشكلة اسرائيلية قبل كل شيء.

مذكرات كونداليزا

        منذ الاسبوع الاول لحملة "رصاص مصهور"، دخلت وزارة الخارجية الامريكية في عملية بحث عن آلية انهاء للخطوة العسكرية الاسرائيلية. مسودة الوثيقة الامريكية التي تدحرجت في اسرائيل، منذ نهاية الاسبوع الماضي، حاولت التصدي لمسألة الرقابة على محور فيلادلفيا. وجرى الحديث في الوثيقة عن دور امريكي في ما يجري هناك باهتمام أعلى بكثير مما هو اليوم، وعن رقابة وثيقة من واشنطن على تطبيق الاتفاقات. اليوم يجلس على حدود رفح بضعة مهندسين يجرون تجارب تنفيذية على منظومات الكترونية للعثور على الانفاق. واقترح الامريكيون أن يرسلوا الى هناك قوة جوهرية من بضع مئات حتى بضع الاف معدودة من رجال الهندسة ليعملوا الى جانب المصريين. كما اقترحوا على المصريين حفر آبار مع مواد متفجرة وتنفيذ تفجيرات مضبوطة على مدى المحور. اقتراح آخر يتعلق باقامة جدار غربي رفح لخلق نقاط رقابة عند مداخل المدينة. في هذه الحوادث تفحص الشاحنات التي تحمل السلاح المهرب من سيناء.

        وزير الدفاع، ايهود باراك، تبنى الخطة الامريكية بكلتي يديه. غير أنه في الوقت الذي كتبت فيه كونداليزا رايس هذه الوثيقة بيدها اليمنى كانت يدها اليسرى منشغلة في كتابة مذكراتها في عهدها المزدهر في البيت الابيض. دوافعها هذه الايام للغوص في الوحل العكر للشرق الاوسط، هذا اذا ما صغنا الحال برقة، ليس عاليا على نحو خاص. بداية حاول الامريكيون تحويل خطتهم الى اتفاق لوقف النار عبر اجتماع الجامعة العربية. كانت هذه مزحة سيئة. المصريون لم يكونوا مستعدين للعب الدور الذي اعده لهم الامريكيون في مسألة مكافحة التهريب. فهم يعارضون وجودا امريكيا بمستوى عالٍ على حدودهم في محور فيلادلفيا – موضوع كبرياء وطني وحفاظ دقيق على السيادة المصرية. وليس اقل اهمية: كي لا يغضبوا الاخوان المسلمين في مصر.

        الخطة الامريكية تبددت. كرة الوساطة عادت الى الملعب المصري. ساركوزي اضاف الى الخطة الامريكية اللمسة الاوروبية وكاد يسرق العرض من المصريين. صحيح حتى الان اقتراح الوساطة المصرية – الفرنسية هو الوحيد في الملعب. ولكن الامريكيين لم يختفوا. هم ببساطة تخلوا عن الريادة وبقوا خلف الكواليس. الوثيقة التي اعدوها هي الاساس العملي لمكافحة التهريب. المصريون مستعدون لان يقبلوا باجزاء واسعة من الوثيقة الامريكية وان يبذلوا مساعٍ استخبارية مشتركة في سيناء وعلى طول الحدود. كما أنهم مستعدون لان يقبلوا بمساعدة امريكية بالقوى البشرية وبالمعدات التكنولوجية. ولكن بشرط واحد: ان يتم هذا على مستوى منخفض والتعاون بينه وبين الامريكيين لا يكون رسميا ولا يظهر خطيا.

        المنطلق هو ان للمصريين مصلحة واضحة في الا يصل الايرانيون الى هنا. للوهلة الاولى، هذا فقط امر مسلم به ان المصريين سيبذلون كل شيء كي يمنعوا التهريب. ولكن في اسرائيل هناك من يخشون بان المصريين يعطون لكل واحد من الاطراف المشاركة في مساعي الوساطة ان يفهم شيئا مختلفا. ساركوزي مثلا وصل الى اسرئيل مفعم بالحماسة. وكان مقتنعا بان المصريين تعهدوا بتنفيذ سلسلة خطوات عملية لمنع التهريب. فهل هذا هو الاحساس الذي تركه المصريون لدى وفد حماس الذي وصل الى القاهرة ايضا كي يحصل على تفاصيل عن صفقة الوساطة المتبلورة؟ مشكوك فيه جدا.

 

        لا ينتظرون اوباما

        ممثلا حماس، عماد العلمي ومحمد ناصر – المستشار المقرب من خالد مشعل – وصلا الى القاهرة ليستمعا الى الاقتراح المصري. وقد انصتا باهتمام ولكنهما لم يعطيا جوابا. في حماس يفهمون جيدا بان المعالجة الكثيفة للتهريب ستمس بشدة بقدرة الذراع العسكري للمنظمة. لهذا السبب، سترفض حماس، على الاقل في هذه المرحلة، مثل هذه التسوية. ولا سيما حين يكونوا لا يزالون لا يشعرون بهزيمة في غزة وبعيدين عن بث الانهيار.

        في اسرائيل جد راضون عن حقيقة أن ممثلي حماس لم يعطيا جوابا ايجابيا او سلبيا قاطعا وعادا الى دمشق للتشاور. في مثل هذا الوضع اسرائيل ايضا غير ملزمة باعطاء جواب فوري للاقتراح المصري. وهذا يعطيها مجال زمني آخر للبحث مع المصريين في مستقبل المعابر وفي آلية الرقابة. ولكن واضح للجميع في اسرائيل بان تاريخ السقف لتحقيق الاتفاق هو 20 من هذا الشهر، يوم تتويج براك اوباما رئيسا للولايات المتحدة. من هنا فصاعدا قوانين اللعب ستتغير. لدينا اسبوع ونصف آخرين للتلبث.

        في هذه الاثناء يتواصل الضغط العسكري. في اليوم الاول من العملية البرية، في بحث لتقويم الوضع، كرر رئيس الاركان احد مبادىء حملة "رصاص مصهور": الجيش الاسرائيلي سيستخدم في هذه الحملة نارا واسعة. "النار الواسعة" هو الاسم السري لـ "لا يوجد قيد على النار، مزقوهم". ألوية الاحتياط استكملت هذا الاسبوع تدريباتها وهي مستعدة على خط الانطلاق نحو دخول غزة. المفهوم العسكري الاسرائيلي الذي يعتقد بان ما لا ينجح بالقوة ينجح بمزيد من القوة – يحرك المرحلة الثالثة من الحملة العسكرية في غزة. وما كان صحيحا للنظاميين صحيح اكثر للاحتياطيين: النار الواسعة ستصبح نارا واسعة جدا.