خبر غزة تقاتل لكي تعيش فلسطين../ فيصل جلول

الساعة 10:21 ص|08 يناير 2009

تبدو فلسطين هذه الأيام وكأنها تحطم قيودها “الإسرائيلية” مرة واحدة والى الأبد. فللمرة الأولى منذ استيطان الأراضي الفلسطينية تدور معركة مصيرية داخل فلسطين بين أهل الارض ومحتليها. معركة بين الجلاد الصهيوني والفلسطيني المسلح الذي خرج في غزة من موقع “الضحية” ليحتل مرتبة المقاوم الذي لا يحتاج الى شفقة واستعطاف غذائي واجتماعي بل لسيادة على نفسه وعلى ارضه. معركة ما كان لها أن تنطوي على هذا الرهان الاستراتيجي، لو لم يمسك الفلسطيني داخل فلسطين بزمام قضيته من دون وصي عربي أو اقليمي أو دولي، يقول له قاتل في هذا الوقت او ذاك ولا تقاتل لأسباب خاصة بالوصي وليس بجوهر القضية الفلسطينية أي موضوع القتال الاول والأخير.

 

وإذ حطمت المقاومة الفلسطينية في غزة قيودها الصهيونية فإنها تبعث آمال الحرية والاستقلال في كل فلسطين أي في جزئها المحتل عام ،1948 وفي الجزء المحتل عام ،1967 وفي أوساط المهجرين الفلسطينيين ولا أقول اللاجئين لأنهم لم يلجأوا الى خارج بلادهم بارادتهم واختيارهم بل هجروا منها واجبروا على النزوح منها. إن خروج مئات الآلاف إلى الشوارع في كل أنحاء العالم تأييدا ودعما ومؤازرة للمقاومة في غزة وذلك للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي - “الإسرائيلي” منذ العام 1948 ينطوي على ادراك بأن رهان المعركة الدائرة على أرض غزة يقطع مع كل الرهانات السابقة على المفاوضات والمبادرات السلمية المزعومة من موقع الضعف والخضوع، ما يعني اننا نعيش لحظة تاريخية نادرة في ابعادها ومعانيها.

 

لكن كيف تمكن الفلسطيني من تحطيم قيده الصهيوني والسعي للتمسك بخناق عدوه؟ الاجابة عن السؤال تحتاج الى مقاربة طويلة وموسعة لا يتيحها المكان من دون ان يعفي ذلك من الاشارة الى متغيرين اساسيين، الاول يتمثل في استيعاب الدروس الطويلة للحروب العربية - “الإسرائيلية” فقد شكلت حرب أكتوبر عام 1973 المؤشر الاول على امكانية تحطيم اسطورة القوة “الإسرائيلية” التي لا تقهر، وبينت حرب لبنان عام 1982 ان الفلسطينيين يستطيعون الصمود امام عدوهم شهورا طويلة بوسائل وامكانيات محدودة.

 

وكان لابد من انتظار حروب تحرير جنوب لبنان وآخرها حرب يوليو/ تموز عام 2006 لاكتشاف نقاط الضعف الخطيرة في المؤسسة العسكرية الصهيونية وجرها الى هزيمة واضحة المعالم بوسائل قتال ينتمي معظمها بتصنيعه الى فترة الحرب العالمية. ولعل الذين قاتلوا ويقاتلون “إسرائيل” هذه الايام في غزة يدركون انهم يقاتلون جيشا يمكن ان يهزم وليس اسطورة عسكرية عصية على القهر والهزيمة.

 

وإذ يصر الجيش “الإسرائيلي” على مواكبة حربه على غزة بشعار استعادة قدرته على الردع أي استعادة اسطورته السابقة فلإدراكه ان المقاومة الفلسطينية تنطلق في مجابهتها للاحتلال من فرضية كسره وتحطيمه المؤكدة في الحروب والمجابهات سابقة الذكر. وقد اعدت العدة لبلوغ هذا الهدف من خلال السيطرة على ارض غزة المحررة وتحويلها الى قاعدة مهيأة لخوض حرب مدن وذلك للمرة الاولى ايضا منذ سقوط فلسطين.

 

ولعل الفارق بين معارك هذه الايام ومعارك الانتفاضة شبه المسلحة او شبه المدنية في العام 2002 وما بعده يكمن في ان القتال يدور اليوم على ارض العدو المغتصبة بواسطة الصواريخ وشبح الاستشهاديين وليس على ارض فلسطين حصرا.

 

والمتغير الثاني يتصل بتراكم ثقافة المقاومة في صفوف الفلسطينيين وبلوغها حدا نوعيا فاصلا، فالمقاتل في غزة يراهن في قتاله ليس على تحسين فرص المفاوضات بل على حمل عدوه على الشك في جدوى اغتصاب فلسطين وحماية الارض المغتصبة بالحديد والنار. ويراهن ايضا على نقل الوعي الفلسطيني من موقع المنتظر الذي يأمل العطف والمساعدة من الغير(اشقاء ومجتمع دولي مزعوم). بعبارة اخرى يقاتل الفسطيني في غزة بوصفه حرا وليس “ضحية” لا تلوي على شيء ولا تملك امرها في كل ما يتعلق بمصيرها.

 

في هذه اللحظات تدفع غزة ثمنا باهظا لتجرئها على قياس نفسها على مقاس عدوها أي تنازله من موقع الند للند مع كل الفوارق المعروفة في ميزان القوى الذي يميل ميلا كاسحا لصالح الصهاينة. في هذه اللحظات تقول غزة لعدوها بوضوح ان الطفل “الإسرائيلي” لا يعلو على الطفل الفلسطيني والمستوطن الغاصب لا يعلو على صاحب الحق الفلسطيني وان كان مدججا بكل اسلحة أهل الأرض واكثرها فتكا ودمارا. في هذه اللحظات يقاتل أهل غزة باللحم الحي ليقولوا للصهاينة ان الشعب الفلسطيني يكون حرا أو لا يكون، اذ ما جدوى العيش ركوعا ابد الدهر. في هذه اللحظات يقاتل اهل غزة لكي تعيش فلسطين.

"الخليج"