خبر الفيل والمشكلة الاسرائيلية /معاريف

الساعة 09:24 ص|08 يناير 2009

بقلم: عوزي بنزيمان

        (المضمون: ثمة حاجة لنظرة شاملة وقدرة نفسية على الاعتراف بالواقع وتشخيص أسسه على نحو سليم. اسرائيل لن تنجح في قمع تطلع الشعب الفلسطيني الى الاستقلال  - المصدر).

        في مدخل مرحلة المراوحة التي توجد فيها على ما يبدو حملة "رصاص مصهور" تذكر دولة اسرائيل بعصبة العميان الذين يلتقون بفيل: أحدهم يتحسس ساقه ويعلن لرفاقه بانهم امام عامود، الثاني يمسك بالذيل ويقول انه يجد حبلا اما الثالث فيمسك باذن الحيوان ويتوصل الى استنتاج بانه يداعب غربالا والرابع يلمس جلد الحيوان ويكون مقتنعا بانه يقف امام كتلة من الفولاذ. أي منهم لا يمكنه أن يرى العائق بكامله.

        في اليوم الـ 13 من الحرب في غزة تثبت الحكومة وهيئة الاركان بانهما استخلصا الدروس التفصيلية اللازمة من حرب لبنان الثانية، ولكن الدرس الاساس، الشامل، فوتوه.

        شروط بدء العملية كانت مثالية: الجيش تدرب كما ينبغي. عملية اتخاذ القرارات تمهيدا للحملة كانت سليمة وتمت حسب الاصول: مداولات متكررة، فحص دقيق لكل البدائل، تعداد سليم للاعتبارات السياسية والعسكرية. المفهوم العملياتي كان متبلورا، وتحديد الاهداف متواضع كي لا يبعث على توقعات مبالغ فيها. الخطط العملياتية التفصيلية كانت واضحة، ونقلت كما ينبغي للقوات المقاتلة. كما أن المظلة السياسية نشرت كما ينبغي في الساحة الدولية، وضمنت للجيش الاسرائيلي والحكومة طول نفس واضح كي تحقق الاهداف. مخازن المعدات كانت كافية، الجبهة الداخلية استعدت كما ينبغي. وحتى السياسة الاعلامية كانت منسقة وكذا وسائل الاعلام ادت دورها كحيوان أليف للجيش. لا ريب أن دولة اسرائيل خرجت الى الحرب ضد حماس وهي مستوعبة لكل الدروس اللازمة من اخفاقات حرب تموز – آب 2006.

        وعلى الرغم من ذلك، يتعاظم الانطباع بان الحملة الشاملة في غزة تصل الى طريق مسدود: أصوات متصاعدة تدعو الى وقف الجيش الاسرائيلي الان والسعي الى نوع من الاتفاق او التسوية غير الرسمية مع حماس. الضغط الدولي آخذ في الاثقال. المعضلة الوحشية – هل نستخدم المرحلة الثالثة في المعركة مع الثمن الباهظ فيها لحياة جنودنا – تردع اصحاب القرار في القدس وتؤخر حسمهم. الحكومة تبدي استعدادا لدراسة اقتراحات حل وسط لا تستوي مع توقعاتها الاصلية، مثلما صيغت في بداية المعارك.

        المجتمع الاسرائيلي لا يمكنه أن يواصل التملص من السؤال لنفسه لماذا حملة "رصاص مصهور" التي شروط بدايتها كانت كاملة جدا، تبدو كخطوة تتدحرج نحو تعادل مخيب للامل، رغم انه طبقت فيها كل الامور الحكيمة التي تعلمناها في اعقاب حرب لبنان الثانية؟

        الجواب بسيط ولكن زوغان البصر الذي يغشي عيون المجتمع الاسرائيلي منذ حرب الايام الستة يجعل من الصعب عليه أن يلاحظ ذلك: النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني غير قابل للحسم بالقوة. لا يكفي اصلاح الاخفاقات الموضعية او الشمولية. ثمة حاجة لنظرة شاملة وقدرة نفسية على الاعتراف بالواقع وتشخيص أسسه على نحو سليم. اسرائيل لن تنجح في قمع تطلع الشعب الفلسطيني الى الاستقلال. لا يمكن لاي قوة عسكرية ان تقتلع من قلوب ملايين الناس أمانيهم لتحقيق طموحاتهم الوطنية.

        لقد قطعت اسرائيل شوطا عسيرا منذ حزيران 1967 بسبب رفضها التسليم بهذا الواقع. وكلما مر الوقت ارتفع الثمن الذي يتعين على الدولة أن تدفعه كي تسوي النزاع. الان، مع نهاية الاسبوع الثاني من الحرب في غزة، علقت اسرائيل في وضع مطالبة هي فيه ان تمنح اعترافا، وان لم يكن معلنا، بمكانة التيار الاسلامي المتطرف، الفوق قومي، في المجتمع الفلسطيني. محاورها لم يعد م.ت.ف، ممثل التيار العلماني، الوطني، الذي رأت فيه منذ زمن غير بعيد العدو اللدود للصهيونية، وهو يظهر الان كأمنية لها في المداولات على انهاء المواجهة.