خبر من حسن الحظ ان والداي لم يعودا موجودين /هآرتس

الساعة 09:01 ص|07 يناير 2009

بقلم: عميرة هاس

        (المضمون: نقد لبلادة الاحساس عند القيادة الاسرائيلية والجمهور الاسرائيلي ازاء المناظر الفظيعة في غزة - المصدر).

        اي حسن حظ ان والداي قد ماتا. في 1982 ما كانا قادرين على تحمل صوت الطائرات الحربية الاسرائيلية التي حلقت فوق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فما ان كانا يسمعان صفيرا حادا لطائرة حتى يرتجفا في بيتهما في تل ابيب. وقد قالا لا يجب علينا ان نرى لكي نعلم.

        هذا ما كان انذاك. وماذا الان بحيث كانا يستطيعان ان يعرفا بواسطة شام ابنة السنتين، التي اعتادت ان تقفز على عجل على الطاولة، لتنظر الى اختها التي ترسم في دفتر، وطيبا ابن الخامسة مع اسنانة الفرق التي تظهر مع كل ابتسامة، وكرمل ابنة السادسة والكتب المصورة التي تحبها. العالم كله ينفجر حول هؤلاء الاولاد، مرة بعد مرة، على مبعدة عشرة امتار منهم او خمسين مترا. منذ عشرة ايام وكل لحظة هي لحظة خوف، وكل لحظة خوف هي لحظة موت. وضربوا العدد بمليون ونصف.

        ابغض والداي كل عمل يومي معتاد عملاه- خلط السكر مع القهوة وغسل الاواني، والوقوف على ممر مشاة- حين رأيا في ذلك الوقت تماما في خيالهما، معتمدين على تجربتهما الشخصية، الرعب في عيون الاولاد، ويأس الامهات اللاتي لا يستطعن الدفاع عنهم، واللحظة التي يسقط فيها الانفجار الضخم البيت على سكانه وتقتل القذائف الذكية عائلات كاملة. تقول والدة سلمى: "عندما انتبه من نوم خاطف اعجب. اعلم انني في قيد الحياة عرضا فقط".

        كيف كانا يستطيعان تحمل حياتهما اليومية الان، وهما يسمعان مني عن ام خالد ابنة السبعين: القيت قنبلة على غرفة اسمنتية مغلقة في ميدان في مخيم اللاجئين في الشبورة. قتل مواطنان. وتضررت عشرات من البيوت الاسمنتية تضررا شديدا. سقط سقف الاسبست قريبا من رأسها بسنتيمترات. هذا فقط اقنعها "بالتحول" الى بيت ابنتها على مبعدة نصف كيلومتر متوهمة ان بيتا جديدا سيكون اكثر امنا. "كل ما اؤمله ان اموت قبل ان ارى حدوث شيء ما لكم"، تكرر القول لابنائها.

        قبل ان يتطور غسل اللغة الى درجاته اليوم كان والداي يصابان باشمئزاز من تعبيرات مثل "حرب سلامة الجليل" او "اخلال بالنظام"، في حين يكون النظام هو الاحتلال والاخلال به هو مقاومته. وعندما يكون النظام منع الفلسطينيين ما يستحقه اليهود ويطلبونه.

        اي حظ انهما ليسا في قيد الحياة، ليسمعا ايهود باراك او تسيبي لفني يبينان انه لا شيء لنا على الشعب الفلسطيني، وامين سر الحكومة يبين انه لا توجد ازمة انسانية وان هذه دعاية حماس فقط. من اجل معرفة الاكاذيب لم يكن يجب عليهم معرفة اسماء الناس الذين لا يوجد عندهم ماء جار منذ خمسة ايام. انسوا القصف، وانسوا الكهرباء، والطعام بل النوم. لكن بلا ماء؟ فبسبب القصف من البحر والجو والبر لا يستطيع الناس حتى الخروج للإتيان بماء شرب نقي من حنفيات البلديات. وعندما يكون لاحد ما ماء في الحنفية لا يكون صالحا للشرب.

        بسبب تاريخهما علما معنى حصر الناس وراء اسلاك وابراج حراسة في قطعة ارض صغيرة. سنة او خمس سنين او عشر سنين. منذ 1991. اي حظ انهما ليسا في قيد الحياة ليريا كيف يقصف هؤلاء الناس المسجونون بكل فخامة التكنولوجيا العسكرية لاسرائيل والولايات المتحدة. "نحن نستدعي الينا على عجل محمد البرادعي ليأتي الى هنا ويثبت اننا لا نملك سلاحا ذريا". قال اياد. وهو رجل فكه معروف تحت القصف ايضا. لكنه في مساء السبت قال "صعب، صعب" واغلق الهاتف.

        ان تاريخ والداي الشخصي جعلهما يشمئزان من الارتياح الذي يبديه قارئو نشرات الاخبار لحصار مفروض. اي حظ انهما ليسا هنا، ولا يسمعان الجمهور يهتف في ميدان العرض.