الجهاد الاسلامي في موسكو... خصوصية المشهد... حسن لافي

الساعة 11:49 م|15 أغسطس 2018

كتب

دعوة الخارجية الروسية لوفد رفيع المستوى من حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين إلى زيارة موسكو،  من الطبيعي أن ينظر إليه على أنه استمرار لتفاعلات الحراك الروسي الساعي إلى استعادة دوره السياسي والديبلوماسي المغيب بفعل الهيمنة الأمريكية على القضية الفلسطينية أهم قضية في الشرق الأوسط, إلا أن هذه الزيارة تأخذ خصوصيتها من عاملين أساسيين:

الأول: توقيت الحراك الروسي داخل الساحة الفلسطينية، ففي الوقت الذي تستعد الإدارة الأمريكية في طرح صفقة ترامب للتسوية، والتي من الجلي أنها تحمل مقاربات صهيونية يمينية بامتياز من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة دولة الاحتلال ونقل السفارة الامريكية إليها، ومن ثم السعي  إلى الغاء قضية اللاجئين من خلال تدمير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، الأمر الذي يعتبر انقلاب على قرارات الأمم المتحدة ومقاربة المجتمع الدولي لحل الدولتين كحل للصراع العربي الاسرائيلي.

الرؤية الروسية بالنسبة للصراع العربي الاسرائيلي تحكمه عدة محددات سياسية تنبع من مصالحها العامة في الشرق الأوسط, ومن استراتيجيتها الديبلوماسية المتمسكة بإعلانها الالتزام بالقانون الدولي، فالروس يدركون أنه بدون حل القضية الفلسطينية لن يتحقق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، لذا من حق الفلسطينيين اقامة دولة مستقلة، قابلة للحياة على حدود عام 1967، تكون عاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي انعكس باعتراف روسيا بالمبادرة العربية للتسوية، رغم أن هذه المحددات لا تمنح الفلسطيني كامل حقه، إلا أنها تمنحه مساحة مهمة من المناورة السياسية في مواجهة الطوفان الترامب_ الصهيو_ انجليكاني، الذي  يحاول صنع جداراً من انعدام الأفق السياسي أمام الفلسطيني، ويعزز الفعل الاسرائيلي في محاصرة الفلسطينيين على كافة المستويات، وخاصة مع ممارسة الإدارة الأمريكية مفاعيلها الضاغطة على حلفائها من العرب، واقناعهم بتغيير أولويات عداء العرب من دولة الاحتلال إلى إيران الاسلامية حسب المصلحة الأمريكية.

روسيا التي نجحت بفرض نفسها كقوة فاعلة في الشرق الأوسط بعد تدخلها المباشر في القضية السورية، تعي جيداً أن احداث توازن للقوى ما بين حلفاء الولايات المتحدة وما بين حلفائها داخل الإقليم، هي أنجع السبل للوقوف أمام الهيمنة الأمريكية، لذا هي لا تقبل بصفقة القرن الترامبية، رغم العلاقات الجيدة ما بين روسيا الاتحادية ودولة الاحتلال، إلا أنها لا يمكن أن تنظر إلى "اسرائيل" إلا كحليف الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة، ومن هنا من الممكن فهم المساحات التي من الممكن إدارة العلاقات ما بين الفصائل الفلسطينية بشكل عام، وخاصةً المعارِضة لعملية التسوية، ومن أهمها الجهاد الاسلامي وما بين الدولة الروسية.

يأخذ التوقيت أهمية خاصة نابعة من حساسية القضايا الفلسطينية المطروحة حالياً على الأجندة الفلسطينية، كالمصالحة الفلسطينية، والتهدئة، والحصار على غزة، ومسيرات العودة، بالتأكيد روسيا تسعى إلى أن تكون جزءاً أصيلاً من الحراك الاقليمي والدولي الفاعل في هذه الملفات ذات الطابع التأسيسي لعلاقات الاقليم المستقبلية, وكما كان الاتحاد السوفيتي لاعب مركزي في الشرق الأوسط، و راعي رسمي لعملية التسوية في مؤتمر مدريد، روسيا الاتحادية تبحث عن استعادة هذا الدور لكن بمقاربات سياسية أكثر براجماتية.

الثاني: حركة الجهاد الاسلامي تعتبر لاعب رئيسي في عملية اتخاذ قرار الحرب والسلم في فلسطين، كونها قوة سياسية وعسكرية، و عنوان مركزي لا يمكن القفز عنه لأي جهة تسعى أن يكون لها دوراً في تقديم المبادرات داخل المشهد السياسي الفلسطيني، ولكن تبقى الخصوصية الأهم لدى حركة الجهاد فإن عدم تورط الجهاد بعموم أزمات العالم العربي بعد هزات الربيع العربي وخاصة في سوريا، بالإضافة إلى محافظة حركة الجهاد على علاقة متوازنة، ومتنامية مع الدولة المصرية الأكثر انفتاحاً على الدور الروسي في المنطقة، ناهيك عن عدم وجود ارتباطات لحركة الجهاد مع الدور الأمريكي في المنطقة، لا بشكل مباشر، ولا غير مباشر, كل ذلك يجعل منها حسب التقسيمات الروسية لا تصنف على معسكر خصومها، وبناء على ذلك تكون الجهاد أكثر مصداقية بالنسبة لروسيا الباحثة عن زيادة دورها في القضية الفلسطينية التي تعتبر بوابة إلزامية لكل من أراد أن يلعب دورا أساسياً في الاقليم.

كما أن الجهاد الاسلامي يتوافق مع الرؤية الروسية أن المدخل الصحيح للمصالحة الفلسطينية، هو اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تشمل الكل الفلسطيني، وتؤكد على تمثيلها الشرعي للفلسطينيين، وهذا من أهم المواضيع التي دار الحديث عنها أثناء الزيارة، ناهيك أن الجهاد ليس جزءاً من الانقسام الفلسطيني، وليس له أطماع سلطوية، مما يجعل دوره ايجابياً لأي حراك روسي  يسعى لإتمام المصالحة،  وحتى الحديث عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي روسيا أكثر تقبلاً من غيرها من الدول الكبرى لسماع الرواية الفلسطينية المتمسكة بالثوابت الكاملة للحق الفلسطيني, كون هذا الحديث أولاً، ليس غريباً على مسامعها منذ فترة الاتحاد السوفيتي، والأهم بحكم طبيعة تحالفاتها مع محور المقاومة في المنطقة.

بالتأكيد الجهاد الاسلامي يدرك أن روسيا هي جزء من الرباعية الدولية، التي تشرعن حصار قطاع غزة، من خلال شروطها المُجحفة،  لذلك النقاش عن الدور الروسي في المساعدة بكسر الحصار عن غزة مهم وحاضر، لذا من المهم أن تلعب العلاقة ما بين روسيا الطامحة لدور أساسي في قضايا الشرق الأوسط المركزية، وبين الفصائل الفلسطينية، وخاصة الجهاد الاسلامي دوراً  في تحريك هذا الملف بالذات.

كلمات دلالية