الخط الرفيع بين التسوية والتصعيد في قطاع غزة

الساعة 11:32 ص|12 أغسطس 2018

فلسطين اليوم

مركز دراسات الأمن القومي

أودي ديكل وكيم لافي

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

الديناميكا الدورية في قطاع غزة وصلت مجددًا إلى نقطة قد تؤدي لمواجهة بين إسرائيل وحماس. الوضع الأساسي في القطاع (الذي لم يتغير في العقد الماضي) يتسم بأزمة اقتصادية، في البنى التحتية، وإنسانية مستمرة ومتفاقمة، تحاول حماس النجاة منها بمساعدة جهات دولية ومن خلال إلقاء المسؤولية على إسرائيل. في ظل غياب أي فرصة نجاح لتحقيق تغير في الوضع مع مرور الوقت؛ تتوجه حماس وجهات "إرهابية" أخرى في قطاع غزة نحو التصعيد الأمني مع إسرائيل.

في جولة القتال الأخيرة اتحدت عدة عوامل، تراكمت في العام الماضي وقوضت الاستقرار الأمني النسبي الذي ساد في الساحة منذ "الجرف الصامد" في أغسطس 2014؛ فقد اعترفت حماس بالفم الممتلئ أنها فشلت في إدارة الشؤون المدنية في القطاع، توجهت لقناة مصالحة مع السلطة الفلسطينية، وكانت مستعدة لنقل المفاتيح لها لإدارة المنطقة، بشرط أن يستمر التنظيم في التمسك بالذراع العسكرية الخاص به، وبالتالي احتكار القوة في القطاع. رئيس السلطة محمود عباس فتح بدوره صراعًا اقتصاديًا صارمًا ضد أجهزة حماس في القطاع، وكان الهدف من هذه الخطوة إضعاف حماس، وبالفعل فقد سرعت من فك ارتباط السلطة الفلسطينية من غزة. في اتصالات المصالحة قدّم عباس موقفًا واضحًا لا لبس فيه: فقط بالسيطرة الكاملة (سلطة واحدة، قانون واحد وسلاح واحد) سيوافق على العودة للقطاع.

في المقابل، غيّرت مصر من سياساتها تجاه القطاع في بعدين؛ الأول: عبرت عن استعدادها لإدارة مفاوضات مع حماس، بالاستناد على استعداد التنظيم للمشاركة معها في الحرب ضد جهات سلفية جهادية في شبه جزيرة سيناء. الثاني: استعداد مصر لتعميق التزامها فيما يحدث بالقطاع، وتحمل مسؤولية أكبر في اتجاه الهدوء والاستقرار، من خلال تعزيز المصالحة بين السلطة وحماس، تخفيف الحصار عن القطاع وتعزيز مشاريع اقتصادية لصالح سكان القطاع. كذلك المجتمع الدولي - بما فيه إدارة ترامب - أدرك أن الخطوة الأولى الضرورية لتحريك خطوة سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن تبدأ بمعالجة "طنجرة الضغط" الإنسانية في القطاع. ومع ذلك، لم تكن النتائج سريعة والضغط الداخلي على حماس ازداد.

"مسيرات العودة" التي كان أصلها المجتمع المدني الغزي سقطت كثمرة ناضجة في يد التنظيم، فمن خلال التظاهرات الحاشدة بجانب السياج الحدودي مع إسرائيل، والتي بدأت خلالها ظاهرة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة؛ استطاعت حماس تحدي إسرائيل، سواء في الساحة الأمنية (خصوصًا في ظل غياب استجابة مناسبة لطرق "الإرهاب" الجديدة) أو بالساحة الدبلوماسية أو الشكلية في أعقاب المساس بالفلسطينيين خلال اشتباكات في منطقة السياج، ونتيجة لعمليات عسكرية في القطاع.

وفي الواقع، نجحت حماس بالاستفادة من الأحداث، بحشد زخم، الخروج، على الأقل مؤقتًا، من موقفها الضعيف والمردوع، والتأثير على جدول الأعمال مع إدارة اتصالات في محاولة للتوصل لإنجازات في عدة ساحات؛ أمام إسرائيل: حماس تطلب تعزيز تسوية طويلة الأمد، في إطارها يُرفع الحصار عن القطاع ويتم تقديم صفقة أسرى. أمام مصر: تسعى حماس لفتح معبر رفح، وأن تحظى بتواجد مصري لتعزيز مشاريع اقتصادية بمشاركة المجتمع الدولي. في الساحة الفلسطينية: هدف حماس هو رفع المسؤولية عن الإدارة المدنية للقطاع ونقلها للسلطة، في الطريق لتمهيد الطريق للاندماج مع السلطة الفلسطينية والتأثير القانوني والمعروف على النظام السياسي الفلسطيني.

السياسات الإسرائيلية تجاه حماس والقطاع

يصعب على إسرائيل صياغة سياسات فعالة فيما يتعلق بقطاع غزة، منذ سيطرة حماس على القطاع في 2007 كان أمام إسرائيل ثلاثة خيارات ممكنة: القضاء على حكم حماس، اضعاف تدريجي لحكم حماس في القطاع جنبًا إلى جنب مع نشاطات لإعادة سيطرة السلطة على السلطة الفلسطينية بها، اعتراف فعلي بحكم حماس في القطاع. اختارت إسرائيل الدمج بين الاحتمال الثاني والثالث، حيث سعت لإضعاف حماس جنبًا إلى جنب مع تعيينها كمسؤولة عمّا يحدث في القطاع، اعتراف واقعي بسيادتها وحكمها في المنطقة. سلوك إسرائيل في العقد الماضي لم يسعَ لتسوية واسعة وطويلة الأمد في القطاع، بل "هدوء مقابل الهدوء"، مع الالتزام بسياسات الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، التي تهدف للتقليل من التأثيرات السلبية لواحدة على الثانية.

عدة اعتبارات مؤثرة على سياسات إسرائيل

أ) حماس مستعدة لتلقي، مرارًا وتكرارًا، ثمن التصعيد وتداعياته على سكان القطاع والتنظيم نفسه، حتى إنها مستعدة لتلقي ثمن المواجهة من خلال إزالة أو على الأقل تخفيف ملحوظ للحصار (إسرائيل تعتبر الوضع منتهٍ) عن قطاع غزة. لذلك، فإن التحرك الإسرائيلي في اتجاه حماس بهدف تعزيز تهدئة تثبت (مجددًا) جدوى استخدام القوة.

ب) من جولة مواجهة لجولةٍ أخرى، ساد اعتراف في إسرائيل بأن حكم حماس هو العنوان الحصري المسؤول في القطاع؛ هذا الاعتراف يقوى على خلفية عدم جدوى محاولات السلطة الفلسطينية العودة للقطاع. وفقًا لذلك، كل خطوة تسوية مع حماس ستضعف السلطة وستبعد فرص العودة للسيطرة على القطاع. علاوة على ذلك، هذا النهج يخدم الموقف الإسرائيلي في الوقت الحالي، في ظل "عدم وجود شريك" في الجانب الفلسطيني يستطيع أن يتخذ قرارات لتسوية سياسية وتنفيذها.

ج) اعتبار آخر هو أهمية التنسيق الاستراتيجي لإسرائيل مع مصر، والذي ظهر بالمساعدة بمحاربة العناصر السلفية الجهادية في سيناء، كذلك الدور المركزي المنسوب لمصر في التوصل لتسوية أو وقف إطلاق نار مستمر في قطاع غزة. مصر مستعدة لفرض حصانتها على اتفاق وقف إطلاق النار، وفي المقابل تعمل على تعزيز مصالحة داخلية فلسطينية بين غزة ورام الله. يتضح أنه خلافًا للماضي؛ لا ترى القاهرة اليوم في المصالحة بالساحة الفلسطينية شرطًا ضروريًا لتحسين الوضع في القطاع، وهي مستعدة للتوصل لتفاهمات مع حماس مع تجاوز السلطة الفلسطينية. مع ذلك، تدرك مصر بأنها بحاجة لتدخل السلطة الفلسطينية في مرحلة تنفيذ المشاريع المدنية في القطاع، ولذلك تدرس في المقابل تعزيز المصالحة الداخلية الفلسطينية. في جميع الأحوال، فإن التسوية بين إسرائيل وحماس - التي ستصاغ بوساطة مصرية بدون تدخل السلطة الفلسطينية - لها أهمية متعلقة بدور السلطة الفلسطينية في نظر إسرائيل بإدارة القطاع مستقبلًا.

د) منذ 2014، عملية "الجرف الصامد"، وحكومة إسرائيل، لأسباب سياسية وعامة، غير مستعدة ولا تستطيع التوصل لتسوية واسعة مع حماس، طالما لم تتم إعادة المواطنين وجثث الجنود الإسرائيليين الذين يحتجزهم التنظيم.

من تقارير مختلفة حول مبادرات التسوية لمصر ولمبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف، يتضح أن هناك صياغة لخطة ذات عدة مراحل، تشمل هذه العناصر: وقف إطلاق النار، وقف التظاهرات على السياج وإطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة، مقابل فتح معبر كرم أبو سالم ورفح لإدخال بضائع للقطاع، وكذلك زيادة حصة الكهرباء، الوقود والغاز للمنطقة، إعادة المواطنين وجثث الجنود، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، مصر ستستمر بالعمل لتحقيق المصالحة بين السلطة وحماس وإقامة حكومة توافق، تتحمل مسؤولية الادارة المدنية للقطاع، تعزيز مشاريع في مجال البنى التحتية لتحسين مستوى الحياة في القطاع، بجانب تعزيز حلول عملية في سيناء، ميناء بحري لخدمة الفلسطينيين، إقامة منشآت لتحلية المياه واقامة محطة كهرباء لتحسين تزويد الكهرباء للقطاع؛ كل ذلك، جنبًا إلى جنب مع تقديم تصاريح عمل لسكان القطاع لهذه المشاريع.

إسرائيل وضعت عدة مطالب كشرط للتسوية؛ أولًا: طالبت إسرائيل بتهدئة أمنية لمدة (5-10) سنوات، ترتكز على أساس التزام حماس بالحفاظ عليها، بجانب وقف جهود التسلح العسكري للتنظيم، هذا بالإضافة لتعبئة مصرية لوقف التهريب والتسلل من سيناء لمناطق القطاع. ثانيًا: تُدرج إسرائيل في الخطة إعادة المواطنين وجثث الجنود. ثالثًا: تطالب إسرائيل بتدخل إقليمي ودولي واسع في إعمار القطاع، بتجنيد الموارد المطلوبة لذلك وتأسيس ألية لقوة عمل دولية، تدير الانشطة الاقتصادية والبنى التحتية وتشرف على وصول الموارد المخصصة لأهدافها. يُفترض أن تشمل الآلية أيضًا فحصًا وإشرافًا في المعابر الحدودية البرية والبحرية وتكون مسؤولة عن منع تهريب آليات قتال ومواد مزدوجة الاستخدام (مدنية وعسكرية) للقطاع.

يبدو أن إسرائيل فهمت أنه من المهم دمج السلطة الفلسطينية في هذه الآلية، بجانب جهات من دول عربية، سيكون لذلك قيمة مضافة من ناحية فرصة إقناع حماس بالسماح بمشروع الإعمار وعدم خرق الهدنة والتهدئة المستمرة. يُشار إلى أن حماس من جانبها تعارض وقف تسلح الذراع العسكرية الخاص بها وترفض تقييد تخفيف الحصار والهدنة بإعادة المدنيين وجثث الجنود الإسرائيليين. بالنسبة لها، قضية تبادل المفقودين بأسرى فلسطينيين - وعلى رأسهم محرري صفقة شاليط الذين اعتقلوا مجددًا على يد إسرائيل - يفترض أن تكون مناقشة في مفاوضات منفصلة.

ملخص وتقييم

حتى وقت قريب، بدى، أن حماس تقع في فخ، لا يسمح لها بجني إنجازات أمام إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكن هذه الأيام، وفي أعقاب أحداث الأشهر الأخيرة، بدى أن الاتصالات للتسوية في تقدم، الأدلة على ذلك هي التسهيلات الاقتصادية التي تنفذها إسرائيل ومصر تجاه القطاع، فقد سمحت إسرائيل بإدخال معدات لإتمام بناء محطة تحلية المياه، كما تركت مصر معبر رفح مفتوحًا وبدأت بضخ غاز الطبخ لغزة. علاوة على ذلك، سمحت مصر وإسرائيل لمسؤولي قيادة حماس في الخارج (من بينهم صالح العاروري) بالدخول للقطاع، من أجل المشاركة بإجراءات اتخاذ القرارات المطلوبة للتسوية.

جولة تصعيد الأيام الأخيرة أجريت في سياق جهود التسوية، فعليًا هي إدارة مفاوضات تحت النار، حين أظهرت حماس أنها غير قلقة من تصعيد واسع وغير مضطرة للتوصل لتسوية مع إسرائيل بأي ثمن. إسرائيل من جانبها مستمرة بالإعلان أنها غير معنية بالتصعيد، لكنها لا تستطيع السكوت على هجمات حماس. عدم وجود ثقة عميقة بين إسرائيل وحماس، غياب آلية لمنع تقديرات خاطئة، بجانب الرغبة باستخدام القوة؛ كل ذلك يقلل من فرص التوصل لتسوية ويزيد من احتمال التصعيد.

على أي حال، المرحلة الأولى هي التوصل لوقف إطلاق نار وتهدئة أمنية، الانتقال لمراحل التسوية القادمة تلزم إزالة حاجز أعلى، تنازل إسرائيل عن ربط التقدمات بإعادة المواطنين وجثث الجنود وخلق آليات لضخ اموال دولية للقطاع، مع تجاوز السلطة وحماس. لو تمسكت إسرائيل بموقفها وعلقت بالمرحلة الأولى (وهي وقف إطلاق النار مقابل تخفيف الحصار) يُحتمل ان ترد حماس بالتصعيد العسكري. تستطيع إسرائيل أن تعتمد على الإصرار المصري والمجتمع الدولي بتعزيز إعمار القطاع وأن تجد حلولًا للحواجز القائمة، حتى بدون تدخل السلطة؛ وبذلك ستضطر حماس لأن تقرر بين إجراءات الإعمار وبين الاغتيالات، في حال حدث تصعيد. نجاح حماس بتحقيق الأهداف المرغوبة بالنسبة لها تعزيز موقفها بالساحة الفلسطينية، تعزيز سيادتها بالقطاع، تضعف حكم السلطة الفلسطينية، تشدد الانقسام بين السلطة في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، وتضع قواعد لعب جديدة في الساحة الفلسطينية.

مع ذلك، لا تتماشى هذه الإنجازات لحماس مع سياسات إسرائيل ومصالح باقي اللاعبين، المشاركة في محاولة تعزيز مصالحة داخلية فلسطينية واستمرار التسوية في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية. لذلك، من الصعب التصديق بأن حماس ستنجح بالحصول عليها دون تقديم التنازلات المركزية المطلوبة منها: إعادة الأسرى وجثث الجنود الإسرائيليين المحتجزين لديها، قبول شروط عباس بالنسبة لغزة، بجانب إنشاء آلية تحرم حماس من حرية اتخاذ القرارات في استخدام القوة، مثل آلية تمنع استمرار تسلحها العسكري.