خبر إسرائيل تعترف بالمبالغة في نتائج المرحلة الأولى: ما هي التسوية المطلوبة... والممكنة؟

الساعة 11:14 ص|06 يناير 2009

فلسطين اليوم - السفير

وفي اليوم العاشر أصبحت إسرائيل في ذروة المرحلة الثانية من الحرب، وهي مرحلة تشديد الخناق على المقاومة براً بهدف إجبارها على قبول الشروط الإسرائيلية لوقف النار.

كما اتضحت معالم »التسوية« التي تريدها إسرائيل كاستراتيجية خروج من هذه الحرب بما يوفر لحكومة ايهود أولمرت التلويح بإنجازات ميدانية وسياسية. ورغم التفاؤل الأولي الذي وسم التقديرات الرسمية الإسرائيلية حول سير المعارك ونتائج المعركة فإن اشتباكات ليلة أمس على تخوم مدينة غزة ومخيم جباليا ألقت بظلالها التشاؤمية على المجريات اللاحقة.

وقد تبدت الصورة الميدانية من وجهة النظر الإسرائيلية أمس باختراق القطاع شرقا ـ غربا في محورين مركزيين، أولهما جنوبي مدينة غزة والثاني بين مدينتي رفح وخان يونس جنوبا. وعنى ذلك عمليا تقطيع أوصال القطاع طوليا إلى ثلاثــة أقسام، يجري التضييق عسكريا بشكل أكبر على القسم الشمالي منها بسبب قربه من مراكز الاكتظاظ السكاني الإسرائيلية.

وبحسب ما يشار في وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الخطوات البرية الحاصلة أمس وأمس الأول ترمي إلى البدء في قضم المناطق المبنية التي تتمركز فيها بشكل أكبر خلايا المقاومة. وليس من المستبعد أن تكون الخطوات التي جرت ليلة أمس في تل الكاشف شمالي شرقي غزة وقرب تلة المنطار شرقي القطاع مجرد محاولات لاكتشاف خطوط الدفاع الفلسطينية تمهيدا لخطوات لاحقة. غير أنه من المؤكد أن هذه العمليات ترمي كذلك لتحقيق أهداف سيكولوجية واستخباراتية. فالجيش الإسرائيلي يبحث بجدية عن أسر واعتقال مقاومين عبر محاولة إجبارهم على الخروج من تحصيناتهم وملاجئهم لمقاومته. وقد أعد معسكرات اعتقال وطواقم محققين، فضلا عن طواقم مصورين، فالأسرى هم في كل الأحوال ذخر سواء في عمليات التبادل اللاحقة أو في الحصول على معلومات ميدانية أو حتى في إضعاف روح القتال لدى بقية المقاتلين.

وقد ثبت أن هذا ليس فقط هدف الجيش الإسرائيلي بل كان ولا يزال هدفا مضادا لدى فصائل المقاومة. وقد اعترف جيش الاحتلال بأنه جرت في اليومين الأخيرين محاولات لاستدراج جنود بقصد أسرهم واستخدامهم كأوراق في اللعبة التفاوضية أو السياسية. وفي كل الأحوال فإن الإسرائيلي يتحدث عن أنفاق وملاجئ أقامتها فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حماس، وهي تستغلها في المواجهة.

وبين الوسائل التي جرى الحديث عنها ليلة أمس قيام المقاومين بتلغيم منازل بأكملها وتفجيرها عند اقتراب الإسرائيليين منها، وهو ما فاجأ القوات الإسرائيلية وأربكها.

وفي كل الأحوال فإن أكثر ما أزعج الإسرائيليين في محاولات القضم أمس تلك الصلابة التي أبداها المقاومون، والتي أجبرت الدولة العبرية على إعادة النظر في تقديراتها الأولية. ويوم أمس تم الاعتراف للمرة الأولى بأن التقديرات حول ضرب عناصر القيادة والسيطرة لدى الذراع العسكري لحماس كانت مبالغا فيها، إذ إن تنظيم عمليات التصدي في المناطق المبنية، فضلا عن استمرار إطلاق الصواريخ خاصة البعيدة المدى منها، يشهدان على تماسك عناصر السيطرة والقيادة.

ومن الجائز أن هذا التقدير المستجد سيضعف عزم إسرائيل على الاستمرار في المعركة وصولا إلى المرحلة الثالثة منها والتي تعني إعادة احتلال قطاع غزة بأسره. فالعودة لاحتلال القطاع تعني للإسرائيليين مأزقا، ليس فقط على صعيد الخسائر، وإنما أصلا على صعيد الفوضى التي ستدب فيه بعدها والتي لن تسمح لأحد بإدارته.

وقد يكون هذا هو السبب في تغيير النبرة السياسية الإسرائيلية. فرغم استمرار الحديث عن مواصلة القتال حتى تحقيق هدف تغيير الواقع القائم في القطاع، تحث إسرائيل العديد من القوى على الإسراع في بلورة اتفاق مشروط لوقف النار. وبحسب المراسلين السياسيين لوسائل الإعلام الإسرائيلية فإن المطلوب وقف نار يشمل إنجازات لإسرائيل باتت تتلخص في: نظام لوقف تهريب الأسلحة لغزة عبر سيناء، وآلية لتبادل الأسرى.

فإسرائيل العسكرية والسياسية لا ترى من داع لملاحقة حماس والمقاومة في كل زقاق في غزة ومخيماتها. وهي تعلم أن الدخول لغزة يعني عمليا إنهاء سلطة حماس لكنه لا يعني انتهاء المقاومة. والجيش يشكك في جدوى نتائج المرحلة الثالثة أصلا، ويقول للسياسيين إنه لا نية لديه لدخول مخيم جباليا أو أحياء الفقر في مدينة غزة.

وترى إسرائيل السياسية أن نظام منع التهريب بالاتفاق مع مصر والولايات المتحدة هو الإنجاز الأكبر الذي يمكن أن تعرضه على جمهورها بعد أن أخمد شلال الدم الفلسطيني شهوة الإسرائيلي للانتقام. وتؤمن إسرائيل بأن المهلة الزمنية الممنوحة لها أميركيا لا تتجاوز العشرين من الشهر الحالي، أي قبل تسلم إدارة باراك أوباما الحكم. كما أنها تعلم أن المهلة الدولية لا تتجاوز أسبوعا إلى عشرة أيام. وتعتقد أنه إذا أقر مجلس الأمن الدولي غدا الأربعاء وقف النار من دون نظام منع التهريب فإن إسرائيل لن تلتزم به. وتؤمن اسرائيل بأنها دوليا في مركز قوة بفعل التأييد الأميركي وبسبب ما يشبه الإجماع الدولي على تقييد حماس وعدم الاعتراف بشرعيتها.

لكن المشكلة الأكبر التي تواجه الدولة العبرية هي أنها قد تضطر حتى نهاية هذا الأسبوع بفعل استمرار المقاومة وإطلاق الصواريخ إما للقبول بوقف إطلاق نار بشروط أقل أو الاضطرار للغرق في أزقة غزة ومخيماتها وإعادة احتلال القطاع، على أمل تغيير الواقع الأمني والسياسي القائم حاليا. وهذا ما يشير كثيرون إلى أنه يحقق ما تطمح إليه حماس.