تحليل فخ الجنود المخطوفين..!

الساعة 09:48 ص|26 يوليو 2018

فلسطين اليوم

بقلم: بن كاسبيت

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

إسرائيل وحماس أسيرتان في الطريق المسدود النازف الذي علقتا فيه، الطرفان ناضجان للاتفاق طويل الأمد حول التوتر في غزة. ومثالٌ على ذلك: السرعة التي تحرك بها قادة حماس الجمعة الماضية (20 يوليو) في حث جميع الوسطاء للتحرك لوقف تبادل إطلاق النار، كذلك السرعة النسبية التي أوقفت فيها إسرائيل موجة الهجمات العنيفة التي قام بها سلاح الجو، وأعادت السيف إلى غمده.

حماس تعرف جيدًا ما الذي ينتظرها إذا ما خرجت إلى جولة قتالية جديدة ضد إسرائيل، كذلك إسرائيل تعرف أن جولة كهذه ستؤدي إلى مقتل عشرات الجنود، وربما أيضًا عددًا من المواطنين، تمامًا مثل سابقتها في الـ 2014، وستعيد الوضع إلى ذات النقطة التي كان عندها.

يحيى السنوار لا يمكنه أن يسمح لنفسه بإعادة جثتيْ الجنديين الإسرائيليين دون الحصول على مقابل محترم من الأسرى الفلسطينيين، وإسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين مقابل جثث جنودها، كما أنها غير قادرة على الذهاب إلى اتفاق مع حماس دون أن إحضار أسراها للدفن في مقبرة إسرائيلية. لا أحد من الطرفين قادر على خرق هذا السقف الزجاجي الموصوف هنا؛ لذلك يبقيان أسرى في ذات الدرب الدامي، الذي يكرر نفسه كل فترة ما.

أحد وزراء الكابينت الإسرائيلي عرّف هذا الوضع قبل عدة أسابيع، في حديثه إليّ بالعبارة التالية "عائلة غولدن تخوّف الكابينت"، يدور الحديث عن عائلة ضحّت بولدها، وتتوقع وبحق أن جثته (التي اختطفتها حماس) ستعاد وتدفن في مقبرة إسرائيلية. حماس تطالب مقابل جثتيْ غولدن وأرون شاؤول ثمنًا باهظًا: إطلاق سراح أسرى فلسطينيين.

إسرائيل لم تتعافَ بعد من صدمة صفقة شاليط (2011)، حيث أطلقت سراح أكثر من ألف سجين مقابل جندي واحد، لا يوجد اليوم شرعية شعبية في إسرائيل لإطلاق سراح "مخربين قتلة"، وبالذات مقابل جثث جنود أموات، لكن هذه المعادلة لها طرف آخر؛ عائلة جولدن تقود حملة شعبية تدعو الكابينت إلى ترتيب الوضع مع غزة وعدم القيام بتسهيلات كبيرة لصالح حماس ما لم تعد الجثث، لهذه الحملة رواسٍ أخلاقية مستقرة ومنطق سليم "إنساني مقابل إنساني". ومن وجهة إسرائيل: ليس هناك سبب لأن "تتاجر" حماس بجثث "مقاتلين" إسرائيليين، بينما المحكمة العليا في إسرائيل أمرت الحكومة بإعادة جثث "المخربين" الفلسطينيين دون مقابل.

في الوقت الحالي، ليس في إسرائيل قائد يستطيع أن ينظر مباشرة إلى الشعب، وأن يعترف بملء فيه أن مصلحة ترتيب الأوضاع في غزة تتغلب على مصلحة إعادة جثة "مقاتل" للدفن. نتنياهو غير قادر على القيام بمثل هذا العمل، ولا ليبرمان أيضًا، ولا حتى رئيس الأركان؛ وهكذا كلهم عالقون في تلك الحفرة المحبطة.

في الوضع الحالي، وبعد ان تلقوا ضربة شديدة في "الجرف الصامد" وفقدوا الأنفاق الهجومية (لم يبقَ إلا القليل منها، والعائق تحت الأرضي سينتهي العمل فيه العام القادم)؛ جاء خلاص حماس من الجهة البدائية والأكثر تفاهة وغير المتوقعة (الطائرات الورقية)، تقنية "القبة الحديدية" وقوة طائرات "اف 16" و"اف 35" والمعلومات الاستخبارية المطلقة والسيطرة التامة على البحر والجو والبر؛ كل هذا لم ينجح في إيجاد حل لهذا السلاح البدائي الذي يحرق غلاف غزة منذ ما يقارب ثلاثة أشهر. إسرائيل ارتقت خلال الأسبوعين الأخيرين درجة خطيرة، ونفذت إجراءات بارزة للخروج إلى جولة قتالية كاملة مع غزة، على أمل ان تفهم حماس الإيماءة، ما يثير الانطباع أن حماس فهمت هذه الإيماءة في الأسبوع الأخير، ففي الأيام الأولى من الأسبوع الحالي سجل انخفاض كبير على عدد الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، المشكلة هي أن الوضع الأساسي لم يتغير، وهو عديم الجدوى ومحبط تمامًا، مثلما كان سابقًا.

"إنه خطأ استراتيجي كبير ارتكبه السنوار" يقول مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع، بل وأكثر، فهو يعتبر أن "جثث المقاتلين الإسرائيليين رافعة لإعادة الأسرى بدلًا من أن يعتبرها آلة من خلالها يستطيع أن يحسن بشكل بارز بؤس مليوني فلسطيني أخذهم رهائن"، حسب المصدر العسكري "حماس تعرف إلى أي حد كانت إسرائيل والمجتمع الدولي مستعدون للذهاب معها إلى الاتفاق، لكنها ما تزال ترفض إعادة الجثامين". وحسب قوله، يدور الحديث عن تصرف غير جاد، وليس فيه أيّ منطق يمكن ان يبقى تفهمًا في دولة ذات ثقافة غربية نسبيًا مثل إسرائيل، "الحقيقة أنهم مستعدون لمواصلة العيش بـ 4 ساعات كهرباء كل يوم، وبطالة مرتفعة بلغت عنان السماء، ومجاري في الشوارع، ومنظومات مياه وصحة وتعليم منهارة، ومواصلة الإصرار على عدم إعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين؛ إنه أمر لا يمكن فهمه".

وزير الأمن ليبرمان خلق انطباعًا أن إسرائيل لا تنوي الدخول مرة أخرى إلى حلقة صفقات الأسرى والمفقودين المفرغة مع حماس، كما تصرفت في صفقة شاليط، ليبرمان حاول ان يخترق الطريق المسدود، لكنه في نهاية المطاف اضطر للتماشي مع الأمر، لقد فهم قوة التزام الجيش لمقاتليه وقوة عائلتيْ غولدن وشاؤول الأخلاقية.

هكذا بقيت كل من إسرائيل وحماس عالقتين، هذه مع تلك، كل واحدة مع مبادئها المقدسة: حماس التي تعتبر تحرير الأسرى جوهر كل شيء، وإسرائيل التي اكتوت في السابق، لكنها غير مستعدة للتنازل عن إعادة جثتيْ جندييها.