خبر سبعة عوامل تحدد مصير معركة غزة ..أحمد حجاجي

الساعة 11:03 ص|05 يناير 2009

ـ إسلام أون لاين 5/1/2009

أما وقد نقل العدو الإسرائيلي حربه الهمجية على قطاع غزة التي بدأت يوم 27 ديسمبر 2008 إلى طور جديد من مرحلة برية حاسمة بدأت ليلة الرابع من يناير 2009، فإننا نجد أنفسنا أمام معركة مصيرية سوف تسهم إلى حد كبير في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية.

ورغم صعوبة الحديث عن سيناريوهات للمعركة في ظل التعقيد والتشابك الكبير للعوامل التي تؤثر في مسارها، فقد أضحينا على أي حال إزاء معركة عسكرية لها أبعاد سياسية وأخرى أيديولوجية ودينية، وإن كانت كل المؤشرات تدل على أننا ما زلنا في بدايتها.

ويعني ذلك أن المعركة تمتد من حيث الجغرافيا والمكان لتبدو أكبر بكثير من قطاع غزة الذي تدور على أرضه، كما أنها أيضا أكبر بكثير من المدى الذي يمكن أن تصل إليه الصواريخ الفلطسينية. وبقدر اتساع الرقعة الجغرافية يتسع الفاعلون... إنها معركة تشمل: حركة حماس ومعها الفصائل الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة، كما تشمل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي الشتات.. تشمل أيضا سوريا وإيران كقوتين إقليميتين لهما وزنهما وتأثيرهما في المعادلة النهائية للصراع.. وتشمل الشعوب العربية والاسلامية الداعمة للحق الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

من هذه الزاوية، فإن صمود المقاومة اليوم سيعطي زخما فلسطينيا وعربيا وعالميا جديدا للقضية، ويجعل من الصعب بعد ذلك الحديث عن كسرها أو استئصالها. وتراجع المقاومة، وإن كان سيعني توجيه ضربة لقوى الممانعة وإفساح المجال لأرباب الحل السلمي فقط، فإنه لن يزيد القوى الشعبية والسياسية الحية إلا مزيدا من لم الصفوف لاستكمال تلك المعركة الممتدة بسائر أشكالها.

وبشكل إجمالي، تتوقف تداعيات الشكل النهائي للمعركة التي تدور رحاها ضد قطاع غزة على مجموعة من العوامل التي لا تنفصل عن مستقبل القضية الفلسطينية وربما شكل الخارطة الإقليمية.

أولا: المدى الزمني للعملية

لا شك أن استمرار المعركة لأمد أطول سوف يعني المزيد من القتلى في الجانب الإسرائيلي، ومزيدا من الخسائر الاقتصادية، وسوف يستنزف قدرا كبيرا من الشعبية والتأييد الذي أحاط بالعملية منذ بدايتها في الجانب الإسرائيلي. ومن المهم في هذا الإطار التذكير بتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الذي قال الأسبوع الماضي "إن اسرائيل غير راغبة في حرب طويلة مع حماس".

ومن ناحية ثانية، فإن المجتمع الإسرائيلي يمكنه تحمل حالة الحرب لفترة محددة، لكنه لا يمكن أن يتحمل أن يبقى تحت رحمة الصواريخ الفلسطينية إلى ما لا نهاية. وبالتالي فإن قدرة حماس وعناصر المقاومة كلها على استمرار إطلاق الصواريخ (مجرد الإطلاق) يعني استنزافا داخليا وتهييجا لمجتمع ظن أن حرب غزة ستكون سريعة وخاطفة، حتى وإن هيأ وزير الحرب إيهود باراك المجتمع الإسرائيلي لحرب طويلة وممتدة.

ومن شأن إطالة أمد المعركة أن يضغط عنصر الوقت، فيضعف بشكل يومي المراكز النسبية للقادة الإسرائيليين المتأهبين لانتخابات 10 فبراير المقبل، خصوصا وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي تحاول ترميم شعبية حزب كاديما بعد الهزيمة التي تعرض لها زعيمه السابق إيهود أولمرت في حربه مع حزب الله اللبناني صيف 2006، وأسفرت عن تشكيل لجان للتحقيق في أسباب الهزيمة، لم تعف المسئولين السياسيين من المسئولية عما حدث.

وزير الحرب وزعيم حزب العمل إيهود باراك سيواجه نفس المعضلة أيضا إذا طال أمد الحرب بأكثر مما ينبغي، وسوف يعني ذاك أن المزايدات الانتخابية ستخرج مع الوقت من سياق حسابات السياسيين الإسرائيليين، وربما يفقد حزب وزير الحرب ما اكتسبه من شعبية على حساب الآخرين منذ بدء العملية العسكرية الجوية.

ويبدو عنصر الوقت مهما للغاية إذا وضعنا في الاعتبار أن الحليف الأكبر لإسرائيل، وهو الرئيس الأمريكي جورج بوش سوف يسلم السلطة بعد أسبوعين تقريبا، وهو الأمر الذي توليه إسرائيل أهمية خاصة، لأن أوباما لم يدل برأيه في المعركة. ويجوز القول أن صمته طيلة هذا الوقت لا يعني سوى ميله على الأقل لاستهجان ما تقوم به إسرائيل من مجازر في غزة.

ثانيا: صمود المقاومة الفلسطينية في الميدان

حتى الآن وبعد مرور عشرة أيام على بدء المعركة، تبدي المقاومة الفلسطينية بقيادة الجناح العسكري لحركة حماس صمودا منقطع النظير، بل إن المتتبع لأداء هذه المقاومة يلاحظ تحسنا في أدائها وتصاعدا في عملياتها، سواءً من حيث الكم أو النوع، رغم كل ما يحيط بها من ظروف غير اعتيادية. كما ان اليوم الأول من المعركة البرية يشير إلى الاعتقاد بقدرة المقاومة الكبيرة على التصدي للعدوان وإلحاق أضرار فادحة به.

المتتبع لأداء المقامة يلمس أنها امتصت الصدمة الأولى التي ربما تكون قد أربكتها بشكل أو بآخر، لكن استمرار سقوط الصواريخ على القرى والمدن والبلدات الإسرائلية يثبت أن الهدف الإسرائيلي الرئيسي لم يتحقق بعد. وبرأي الخبار العسكريين، فإن قدرة المقاومة الفلسطينية على إطلاق الصواريخ والتماسك ورفض الاستسلام يعني "فشل العملية الجوية في تحقيق أهدافها".

وقد وصلت صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى ما يصل إلى 60 كم مترا داخل إسرائيل، وهو ما يعني شللا تاما للنصف الجنوبي من الدولة العبرية، بل وأعلنت المقاومة في أول يوم من العام الجديد 2009 أنها أطلقت صاروخ جراد مطور على قاعدة جوية هي أكبر قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل، ولم تنف إسرائيل الخبر كما لم تؤكده، ولا تزال المقاومة تعد بمفاجآت.

ومن ثم فإن استمرار صمود المقاومة رغم الظروف الصعبة إنما يطيل أمد اللهجوم الإسرائيلي البري ويربك حسابات العدو، كما يقود لتغيير مواقف بعض الأطراف العربية على غرار ما جرى في حرب لبنان في العام 2006.

ثالثا: خسائر المعركة البرية للعدو

بدأت المعركة البرية متأخرة أياما عدة عن الموعد الذي توقعه الخبراء العسكريون، خصوصا بعد أن أنهت القوات الجوية تقريبا بنك الأهداف الذي وضعته سلفا، فقد عادت الطائرات في آخر يومين لضرب نفس الأهداف التي ضربتها من قبل، رغم أن هذه الأهداف تحولت إلى كومة من حطام، كما أنها ركزت في الأيام الأخيرة على ضرب المساجد والبيوت بعكس الأيام الأولى التي استهدفت المقار الكومية ومقار الشرطة والأمن، وهو ما يشير بشكل أو بآخر إلى تلكؤ في بدء العملية البرية.

وتكمن مشكلة العملية البرية من وجهة النظر الإسرائيلية في أكثر من اعتبار:

الأول: أن اسرائيل لا تعرف مدى القوة العسكرية للمقاومة، يأتي ذلك في ظل الحديث عن وجود ما يشبه الجيش لدى حركة حماس تقدره مصادر صحافية بنحو 15 ألف جندي، يحتوي على وحدات وتشكيلات مختلفة بعضها يختص بزرع الألغام وبعضها لإطلاق الصورايخ وبعضها للاستطلاع وغير ذلك من التشكيلات، بالاضافة إلى ما يقرب من 13 ألف آخرين من قوات الشرطة التي صدرت لها الأوامر بالتصدي للعدوان إذا أقدمت عليه إسرائيل، هذا بخلاف ما لدى الفصائل الأخرى من عناصر.

الثاني: أن ثمة مخاوف إسرائيلية حقيقية من المعركة البرية، عكستها الصحافة الإسرائيلية خلال اليومين السابقين، كما عكسها ما نشرته صحف إسرائيلية حول وجود خلاف بين كل من وزير الدفاع إيهود باراك الذي رفض توسيع العملية وطالب بالسعي لإيجاد حل قبل العملية البرية، وبين ليفني التي أصرت على مواصلة الطريق حتى نهايته.

وتواجه اسرائيل أيضا معضلة أخرى في حربها البرية تتعلق بعدد القتلى التي ستوقعهم هذه الحرب في الجيش الإسرائيلي في ظل حديث متواصل عن أن الاستعداد الأكبر لقوات المقاومة تركز على المعركة البرية.

ولعل السيناريو الكابوسي الذي يواجه إسرائيل حاليا والذي ربما كان أحد أسباب ترددها قبل الاجتياح البري هو إمكانية أن تخلف هذه العملية البرية أسرى إسرائيليين لدى حماس أو أي من قوى المقاومة الأخرى، وهو ما سيعني انتكاسة حقيقية للجيش الإسرائيلي ربما تدفعه إلى ارتكاب المزيد من المجازر في غزة واغتيال قادة سياسيين من حماس وغير ذلك من أجل التغطية على هذا الفشل المروع في حال حدوثه.

رابعا: صمود الشعب الفلسطيي خلف المقاومة

كانت المراهنة طوال شهور الحصار المفروض على غزة على إمكانية حدوث انقلاب شعبي ضد حركة حماس وقد حاول جناح في السلطة الفلسطينية تحفيز مثل هذا السيناريو عدة مرات لكنها فشلت، وكان الحضور الكثيف لمئات الآلاف من الفلسطينيين في مهرجان انطلاقة حركة حماس مؤخرا بمثابة الاستفتاء على شعبية الحركة، كما مثل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان استفتاء آخر أيضا ودليلا على فشل سيناريو "التفجير من الداخل" الذي ربما فضلته إسرائيل وحلفائها في المنطقة.

ولا شك أن الشعب الفلسطيني يعيش حاليا مأساة إنسانية، إنما كافة المؤشرات تؤكد تمسكه بخيار المقاومة والصمود، الذي انتقل في شكل حراك شعبي جارف في الضفة الغربية أيضا.

المشهد الذي تناقلته بعض القنوات الفضائية مؤخرا أبلغ رد من هذا الشعب للمحتل، فالصور كانت من معبر رفح لمواطنين فلسطينيين عالقين على الحدود يطالبون بعودتهم إلى قطاع غزة الذي يفترض طبقا لكل التحليلات أن يكون مكانا طاردا في ظل المحرقة الإسرائيلية.

خامسا: قدرة الصمود لدى الحكومة الفلسطينية في غزة

تجنبت القيادة العسكرية الاسرائيلية الحديث عن "اجتثاث" حماس من قطاع غزة أو إزالة حكومتها وسيطرتها على القطاع، لكن يبقى هذا الهدف ماثلا في الأذهان على الأقل كحد أقصى للعملية العسكرية.

وتشير التقارير الصحافية المستندة إلى شهادات موثقة من غزة أن الحكومة الفلسطينية ما زالت متماسكة وتمارس عملها رغم ظروف الحرب والقصف المستمر. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن "إسلام شهوان" المتحدث باسم الشرطة في غزة، أن الأخيرة شكلت غرفة طوارىء وأعلنت الاستنفار في صفوف عناصرها التسعة آلاف، وقال "نعمل بالتنسيق مع الأمن الداخلي ونستقبل شكاوى المواطنين على أرقام طوارىء قمنا بتعميمها عبر وسائل الإعلام". وبينما كانت الصواريخ الإسرائيلية تنهال على شمال قطاع غزة كان أفراد من المباحث الجنائية والأمن الداخلي يضبطون كمية من المخدرات في المنطقة المستهدفة.

ومعلوم أن التنسيق داخل أجهزة الحكومة سوف يضعف بالطبع مع الاجتياح البري، لكن لا يعني ذلك الاختفاء الكلي لبعض مسئولي الحكومة، ما سيعزز من الروح المعنوية للشعب وللمقاومين.

سادسا: الدعم الشعبي للمقاومة في الخارج

من المنطقي أن أي دعم تتلقاه المقاومة من الخارج، سواء ماديا أو معنويا أو في شكل احتجاجات أو مظاهرات، له أثر مباشر على صمود أهل غزة والمقاومين.

وتكفي الإشارة إلى ما قاله رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق الدكتور عبد اللطيف عربيات في محاضرة له الأربعاء (31/12) في مؤسسة تربوية في العاصمة عمّان من أن "القضية الفلسطينية لم تنل تأييدا عالميا كما نالته اليوم بفضل سواعد المقاومة في القطاع الصابر، بدليل أن العالم انتفض في الأيام الخمسة الماضية". وأكد أن "نصر الله آت لا محالة وأن ما جرى بغزة له ما بعده".

وبكل تأكيد فإن ما جرى في غزرة له ما بعده. والقضية لم تعد اليوم استنفارا شعبيا عابرا، إنما لا بد لنخب وقيادات هذه الشعوب التي تنبض أن تكرس ثقافة المقاومة بشتى الوسائل في كل مكان.

سابعا: التحركات الدولية

كما حدث في حرب لبنان 2006، لا يحرك المجتمع الدولي ساكنا إلا إذا صمدت المقاومة وواصلت أداءها البطولي، وهو المتحقق حتى هذه اللحظة. وإذا ما استمر الصمود لن يكون أمام إسرائيل سوى البحث عن مخرج دولي من القطاع، وسوف تلجأ في هذه اللحظة إلى الولايات المتحدة وحلفائها العرب، من أجل البحث عن صيغة تحفظ بها ماء وجه الجيش الإسرائيلي، وقد يكون المخرج في مثل هذه الحالة هي قبول أو تطوير إحدى المبادرات المطروحة حاليا، سواء المبادرة التركية أو الفرنسية، أو غيرها.

والمشكلة التي تصطدم بها كل هذه المبادرات هي التباين الواضح لمطالب كل طرف. فمن المنطقي ألا تقبل حماس في حال صمودها بأقل من فتح المعابر وإنهاء الحصار، بالإضافة إلى ضمانات دولية تراقب أي هدنة أو وقف إطلاق النار بين الطرفين.

ومن الناحية الأخرى، لن تقبل إسرائيل بأقل من وقف الصواريخ بشكل كامل ووضع ضمانات دولية لذلك، وقد ترغب في جعل حماس شرطي لحدودها، بمعنى أن ترغب في تحميل حماس مسئولية أي صواريخ تطلق من غزة حتى لو كان مطلقوها من فصائل أخرى.