خبر مجازر غزة تكشف الحقائق الفاضحة!! ..د. ياسر سعد

الساعة 10:48 ص|05 يناير 2009

تستمر قوات الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط بِدَكِّ غزة وشعبها المحاصر أيامًا متواليةً في هستيريا وجنون، كثور هائج يقتحم حقول الزيتون. إسرائيل وحلفاؤها يفقدون صوابهم، فلقد توقعوا أنّ غزة، الْمُجَوَّعَة والمحاصرة ظُلْمًا وعُدْوَانًا، ستنهار مع انهيار مباني قواتها الأمنية، ومع صرخات الطابور الخامس، والتي تُبَشِّرُها بالشرعية وتلوم الضحية. ها هي غزة بأطفالها ونسائها وشيوخها تصمد أمام أقوى جيش في المنطقة في معركة العين والمخرز، والاحتلال والمقاومة، والهمجية والمبادئ السامقة.

 

صمود غزة أحرج المتواطئين، وأعاد للقضية الفلسطينية وهجها وتألقها بعد أنْ لَوَّثَها مفاوضون، بعناق الجلاد، وبتقبيله، وبمفاوضات عبثية.

 

 دماء أطفال غزة وأشلاؤهم حركت الشارع العربي، والذي ظن كثيرون أنهم أماتوه بفضائياتهم، وبمجونها الذي أرادوا له أن يغزو عقولنا وبيوتنا. المجزرة فضحت السلطة الفلسطينية، وأظهرتها بمظهر الحليف المتواطئ مع آلة القتل الصهيونية، من خلال تصريحاتٍ مشبوهةٍ من رموزها تُبَرِّرُ عمليات الإبادة وتتفهمها.

 

فبعد أن حظي أبومازن بمعاملة "كريمة" في عواصم الاعتدال العربي، فيما أطفال غزة تنهش لحومَهُم الغَضَّةَ الصواريخُ الإسرائيلية، أَخْرَجَ مكتبُه بيانًا اتهم فيه حماس بقتل ضابِط حدود مصري، واصفًا ذلك العملَ بالجبان، ضد من يقومون بحماية شعبنا الفلسطيني!! ثم دعا الفصائل بما فيهم حماس والجهاد؛ ليناقشوا تطورات الوضع!

 

 عباس الذي صرح أنه لا يستطيع أن يخرج من رام الله إلا بتصريحٍ من الاحتلال، أراد هو وشركاؤه أن يختبروا ردة فعل المقاومين فيما إذا كنت الحمم الصهيونية قد أنهكتهم، وإذا بالقصف والقتل يزيد المقاومين صلابةً وثباتًا.

 

ليس من اللائق بعد المحرقة أن نتحدث عن خلافات بين الفلسطينيين، أو أن نلومهم على تَمَزُّق صفهم، وليس من  الإنصاف أن نقارن بين تيار مقاوم، يتقدم صفوف شعبه، ويحظى بتأييده مما يجعله عَصِيًّا على الاقتلاع، وبين من يستمدُّ نفوذه من قبول الاحتلال له، فيما تمول قواته الأمنية وتدربها؛ لتلاحق المقاومة وتقمعها، جهات غربية تدعم الاحتلال ماديا، وتغطي سياسيًّا على مجازره وتجاوزاته.

 

العجز العربي الفاضح ستكون له انعكاساته الكبيرة، وسيطرح تساؤلاتٍ على شرعية بعض الأنظمة العربية، وعلى صِدْقِيّة مناهجها وشعاراتها، فلقد سبق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي نظراءَهم العرب، فعقدوا اجتماعًا طارئًا، فيما ما يزال مسئولون عرب يطرحون استفساراتٍ عقيمةً عن جدوى القمة، وعن الحاجة لتحضيرٍ جيدٍ لها، وهو ما وافق عليه أبو مازن من القاهرة.

 

 النظام المصري والذي تُوَجَّهُ إليه اتهامات شعبية عربية عارمة بالتواطؤ في ضرب غزة، خصوصًا مع لومه المتكرر للضحية، وإصراره على تعطيل الإمدادات الإنسانية، وتعَذُّره بأن معبر رفح هو للأفراد وليس للشاحنات- بحسب أبو الغيط-..هذا النظام يواجه أوقاتٍ حرجة؛ فالشارع المصري في حالةٍ من الغليان الكبيرة، فيما تلوذ الدبلوماسية المصرية بأنقرة؛ لتطلب منها المساعدة والمساندة.

 

وإذا كانت بعض التحليلات تشير إلى أن تخوف أنظمة عربية من النفوذ الإيراني هو الذي دفعها؛ لتسويق مبادرة السلام العربية، على أمل الاحتماء بالدولة العبرية لمواجهة الخطر الإيراني، وهو ما جعلها تَغُضُّ الطرف على مذبحة غزة، فإنّ رد فعل النظام العربي السلبي على المحرقة، أعطى فرصة نادرة لإيران وحلفائها للنيل من خصومهم في المنطقة، ومحاولة تبوء الزعامة الشعبية فيها. فها هو حسن نصر الله يُلْقِي خطبا حماسية، يخاطب الجماهير العربية كزعيم لها، فيما تختفي زعامات عربية من المشهد.

 

أيام الصمود في غزة ستُغَيِّر المشهد العربي والإسلامي بشكل جذري، والشجاعة الفائقة التي أظهرها مقاوموها في وجه السفاحين، تعيد تشكيل العقل والنفسية العربية؛ لتنفض عنها غبار عقود من الانحسار والانكسار.