الاحتلال يشدد حصار غزة: رسائل ضغط لفرض "الحل الأمريكي"

الساعة 08:53 ص|11 يوليو 2018

فلسطين اليوم

لم تكن الخطوات التصعيدية الإسرائيلية بالتضييق على قطاع غزة وإغلاق منفذه التجاري الوحيد أمام حركتي التصدير والاستيراد مفاجأة، فالسياقات التي جاءت فيها الخطوات الإسرائيلية مع التهديدات من المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل أكدت أنّ هدفها الضغط أكثر على حركة "حماس" والفصائل في غزة.

في هذا السياق، أضافت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقوبات جديدة على قطاع غزة المحاصر منذ 12 عاماً، بتضييق حركة الواردات على القطاع، ومنع التصدير بشكل كامل، مع إدخال المواد الأساسية فقط. ما يعني أنّ رغبتها بالتصعيد ليست كاملة.

لكن الإجراءات فهمتها الفصائل الفلسطينية على نحو هجومي، واعتبرتها عقوبات جديدة وجريمة مُضافة إلى جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، وهي قد تؤدي إلى تصعيد عسكري متدرج ربما يصل إلى حرب واسعة النطاق في ظل الأوضاع المأساوية في القطاع.

ويتزامن التضييق الإسرائيلي مع الزيارة المرتقبة لوفد حركة "حماس"، اليوم الأربعاء، إلى القاهرة لبحث ملف المصالحة الفلسطينية والأوضاع السياسية المحيطة بالملف الفلسطيني عموماً، إضافة إلى مسيرات العودة وكسر الحصار على حدود القطاع مع الأراضي المحتلة.

وأتت العقوبات الجديدة على غزة من قبل إسرائيل، مع أوضاع إنسانية واجتماعية غاية في الصعوبة، ووصول معدلات البطالة والفقر والعوز إلى أرقام قياسية، لكنها أيضاً تزامنت مع طروحات إنسانية لغزة لتخفيف الحصار والمعاناة والتي يعتقد أنّ ثمنها المضي بـ"صفقة القرن".

وأكد المتحدث باسم حركة "حماس" فوزي برهوم، أنّ "المصادقة على الإجراءات الإضافية لتشديد الحصار ومنع دخول المواد والبضائع إلى غزة جريمة جديدة ضد الإنسانية"، موضحاً أنّ هذا التشديد "يضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الأسود بحق شعبنا الفلسطيني وأهلنا في القطاع".

وذكر برهوم في حديث صحافي، أن "الصمت الإقليمي والدولي على جريمة الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 12 عاماً، شجّع العدو الإسرائيلي على التمادي في إجراءاته الإجرامية المخالفة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية". من جهته، وصف القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أحمد المدلل، الخطوة الإسرائيلية المتمثلة في إغلاق المعبر بمثابة "عدوان إسرائيلي جديد على غزة، يندرج في سياق تعزيز الاحتلال حصاره المفروض منذ 12 عاماً".

ولفت المدلل في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الكاملة والتبعات المترتبة على خطوته، ولا سيما أنها تأتي في وقت تقترب فيه غزة من لحظة الانفجار الكلي الذي لن يكون موجهاً إلا إلى الاحتلال بشكل كامل".

وأشار إلى أن "خطوة الاحتلال المتمثلة في تشديد حصار غزة ومحاولة خنق أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع لن تفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو القبول بصفقة القرن الذي يجري التجهيز لها"، موضحاً أنّ "كل محاولات الاحتلال الرامية لوقف مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية لن تفلح، وأن المسيرات ستتواصل خلال الفترة المقبلة حتى تحقق أهدافها بشكل كامل وستتصدى لكل محاولات الاحتلال الفاشلة في إيقافها".

وفي السياق، ذكر المحلل السياسي تيسير محيسن، لـ"العربي الجديد"، أنّ "خطوة الاحتلال الجديدة هي ضغوط اللحظات الأخيرة التي تأتي في سياق الحراك الإقليمي الحاصل ومساعي إحداث تغيير بغزة تحت عنوان الأزمة الإنسانية". وأوضح أن "مصر تعتبر بمثابة البوابة الأساسية والقناة الرئيسية في هذا الملف إلى جانب المجتمع الدولي المعني بانفراج الأوضاع بغزة بشكل كلي، إلا أن ذلك لن يتم بالتعاون مع حركة حماس، كونها غير جاهزة لأي اتفاق سياسي".

"ويسعى الاحتلال بإغلاقه للمنفذ التجاري الوحيد في غزة إلى المساهمة في خلق البيئة الملائمة من أجل الضغط على حركة حماس، والتي لن توافق على منح أي ثمن سياسي مقابل تحسين الأوضاع في القطاع"، وفق محيسن. وبيّن أنّ "كل ما يجري حالياً مع قطاع غزة والأدوار المختلفة التي تجري تأتي ضمن تحركات صفقة القرن والتي تريد أن تخلق البيئة الهادفة لتمريرها وتنفيذ أجزاء منها من دون الإفصاح والإعلان عن ملامحها الكاملة".

وأوضح محيسن أنّ "قيام الاحتلال بالضغط على غزة عبر إغلاق معبر كرم أبو سالم سيدفع بحركة حماس للتعاطي مع المصريين من أجل سد العجز الحاصل، وبالتالي العلاقة بين مصر وغزة ستتعزز من الناحية الاقتصادية. وهو ما قد يدفع بالاحتلال لاحقاً لإغلاق المعبر ليرتبط القطاع بالجانب المصري كلياً".

وأضاف أنه "ليس أمام حركة حماس إلا التعاطي مع ما يطرح ودراسة إيجابيات وسلبيات كل التفاصيل، لكن موقفها يبدو واضحاً بأنها لن تتعاطي مع أي حل إنساني مقابل ثمن سياسي تدفعه في مقابل ذلك، وهو ما يعني أن ذلك بمثابة خط أحمر للحركة".

أما الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "تشديد الحصار رسالة لحركة حماس وعليها تسلّمها جيداً، فالقرار صدر عقب جلسة المجلس الأمني السياسي الإسرائيلي، التي حضرها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان وقادة الأجهزة الأمنية".

وتابع العمور "إذا لم تستوعب حماس هذه الرسالة فإن الذهاب للتصعيد سيكون ممراً إجبارياً، وفهم الرسالة يعني أنّ تتراجع كمية ونوعية البالونات الحارقة التي تطلق من غزة"، مبدياً اعتقاده بأنّ "إسرائيل بدأت بالضغط عبر المعبر التجاري وتركت مساحة للسلع الأساسية، ومفاد ذلك أنها لا تريد التصعيد على جبهة غزة وتريد ترك الأبواب مواربة لجهود الوساطة الحاصلة".

ولفت إلى أنّ "هناك أكثر من مسار للوساطة، ليست كلها صفقة وتهدئة، بل هناك صفقة أسرى تلوح في الأفق، والأهم أنّ لدى الاحتلال اهتمام بجبهة الشمال ولا يريد فتح جبهة مع الجنوب الآن، كون جبهة الشمال أهم ولها الأولوية والأحداث فيها أشد سخونة".

وأوضح العمور أنّ "إسرائيل لا تريد إنهاء حكم حماس في غزة ولا تريد إثارة الناس عليها، ليس حباً أو تحولاً في الموقف الإسرائيلي منها، لكنها لا تريد حدوث فوضى في قطاع غزة"، مشيراً إلى أنّ "حماس أوصلت عملياً لإسرائيل أنها القادرة والمتحكمة في كل تفاصيل المشهد، وهناك عدة قراءات إسرائيلية بهذا الصدد كلها تقول إنه لا يمكن تجاوز الحركة ولا يمكن حدوث حل بدونها، حتى السلطة الفلسطينية تدرك ذلك". وأشار إلى أن "المطلوب من حماس تلقي هذه الرسالة والتعاطي معها برد عملي ستفهمه إسرائيل وتتلقاه، وهو التقليل من حدة الاشتباك الشعبي على الحدود، خصوصاً البالونات الحارقة، من دون وقف المسيرات والتظاهرات وإبداء مرونة في مسارات التفاوض، وذهاب وفد حماس لمصر سيكون مهماً جداً في تمرير هذه الرسالة".

كلمات دلالية