إغلاق "كرم أبو سالم": خطوة تصعيدية لخنق غزة

الساعة 08:30 ص|10 يوليو 2018

فلسطين اليوم

اتجه الاحتلال "الإسرائيلي" إلى خطوة تصعيدية لافتة من خلال إقدامه على إغلاق شريان الحياة الوحيد المتبقي لقطاع غزة، وهو معبر كرم أبو سالم، ومنع إدخال البضائع إلى غزة، كما منع تصدير البضائع منها.

الخطوة قال الاحتلال بأنها جاءت بناء على توصيات من رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال "غادي إيزنكوت"، رداً على العجز "الإسرائيلي" عن مواجهة معادلة الردع الجديدة التي رسختها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، منذ إطلاق مسيرات العودة عند الحدود الشرقية للقطاع بالتزامن مع تطوير آلية الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، لكنها في حقيقة الأمر لا تنفصل في الوقت نفسه عن رغبة الاحتلال في الضغط على حركة حماس من جهة وعن الأزمات الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة ثانية.

وادعى جيش الاحتلال في بيانه بشأن إغلاق المعبر "أنه على ضوء استمرار إرهاب الحرائق ومحاولات تنفيذ عمليات إضافية تقودها حركة حماس، وسط استغلال سكان القطاع، وافق رئيس الحكومة (نتنياهو) ووزير الأمن (أفيغدور ليبرمان)، على توصيات رئيس أركان الجيش، الجنرال غابي أيزنكوط بإغلاق معبر البضائع في كرم أبو سالم".

وأضاف أن "القرار سيكون نافذاً عبر استثناء المساعدات الإنسانية، التي سيتم إقرارها بشكل تفصيلي من قبل منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة، وأنه لن يتم السماح بإدخال أو تصدير بضائع من وإلى غزة".

ونص القرار على تقليص مجال الصيد المتاح أمام صيادي قطاع غزة، وتجميد قرار سابق بتوسيع منطقة الصيد المسموح التوغل فيها وحصر هذه المنطقة بستة أميال في عمق البحر.

من جهته، أشار بيان صادر عن المكتب الإعلامي لمعبر كرم أبو سالم التابع للسلطة الفلسطينية إلى أنه "ابتداء من (اليوم) الثلاثاء سيقوم الجانب "الإسرائيلي" بوقف التصدير بجميع أشكاله والسماح بدخول المحروقات، المواد الغذائية، المواد الصحية، المواد الطبية، الأبقار، الأعلاف، القمح والقش".

وكان لافتاً عند إعلان القرار أمس صدور بيان عن المتحدث بلسان جيش الاحتلال، لتصوير الخطوة بأنها قبول بتوصيات رئيس أركان الجيش، بعد أن كان الإعلام "الإسرائيلي" يبرز أخيراً وبشكل لافت أيضاً، حقيقة الفجوة في المواقف بين المستوى السياسي الذي تمثله الحكومة الإسرائيلية، وبين المستوى العسكري، الذي كرر طيلة الأشهر الأخيرة موقفاً يدعو إلى وجوب تسهيل الظروف المعيشية في القطاع تحسباً لكارثة إنسانية من شأنها أن تدفع حركة حماس إلى الزاوية وتفضي إلى تفجير مواجهة عسكرية ركز المعلقون والمحللون في إسرائيل على أن أياً من الطرفين، حماس وإسرائيل، غير معنيين بها، خصوصاً في ظل التركيز الإسرائيلي في الفترة الأخيرة على الأخطار والتهديدات الآتية من الجبهة الشمالية المتمثلة بسورية.

لكن هذه النقطة بالذات، مع اقتراب التوصل إلى تسوية في سورية، وتحديداً ترتيبات بين إسرائيل وروسيا بشأن عودة النظام السوري إلى جنوب غرب سورية، وصولاً للحدود مع إسرائيل، ضمن تفاهمات تشير إلى قبول الاحتلال وعدم اعتراضه على عودة النظام إلى المنطقة العازلة في الجولان، مقابل التزام النظام، وفق الشروط الإسرائيلية المعلنة على شكل تصريحات متكررة صدرت الأسبوع الأخير عن نتنياهو بأن يلتزم النظام السوري حرفياً بتطبيق اتفاق فصل القوات بين سورية وإسرائيل من عام 1974 تشي بأن حكومة الاحتلال وجيشها، المأزوم في مواجهة الطائرات الورقية الحراقة، مع ما تثقله عليه من ضغط شعبي، بات يعتقد أن بمقدوره، الآن رصد مزيد من القوة والاهتمام لحل إشكالية غزة وعجزه عن كسر قواعد الاشتباك ومعادلة الردع الجديدة التي كرستها حركة "حماس" أخيراً في القطاع.

كذلك لا يمكن تجاهل حقيقة الأزمات الداخلية التي يواجهها نتنياهو، أخيراً، سواء على الصعيد الشخصي عبر استمرار التحقيق معه في ملفات الفساد التي تحيط به، إذ من المقرر أن يخضع اليوم الثلاثاء، لجلسة تحقيق إضافية في ملف بيزك المعروف باسم ملف 4000، أو في ما يتعلق بالأزمات الائتلافية التي تلاحقه في الأشهر الأخيرة على خلفية تشريع قانونين مختلفين. الأول هو القانون الخاص بتعديل قانون الخدمة العسكرية، وهو التعديل 25 الذي مرّ بالقراءة الأولى الأسبوع الماضي، ويحاول نتنياهو تمريره بالقراءتين الثانية والثالثة، قبل نهاية دورة الكنيست الصيفية الحالية في الثاني والعشرين من شهر يوليو/تموز الحالي، وذلك لضمان استمرار ائتلافه الحكومي الحالي حتى مطلع العام المقبل على الأقل.

ويحتاج نتنياهو لتمرير القانون بصيغة معدلة يقبل بها الحريديم، الذين يتحفظون على الصيغة التي أقر بها القانون الأسبوع الماضي لاشتمالها على بند ينص على فرض عقوبات جنائية وغرامات مالية على الحريديم، في حال لم تفِ المؤسسات الحريدية الدينية بالعدد المطلوب من الشبان المتجندين.

وفي موازاة ملف قانون التجنيد، الذي عاد عضو الكنيست أوري مخليف من يهدوت هتوراة وهدد أمس بالانسحاب من الحكومة في حال لم تتم التعديلات التي يطلبها الحريديم مقابل تهديدات ليبرمان بالذهاب لانتخابات جديدة في حال تم إدخال تعديلات على القانون، فإن نتنياهو يواجه تهديداً جديداً من حزب البيت اليهودي بإسقاط قانون القومية، الأسبوع المقبل، إذا أصرّت الحكومة على عدم إدراج البند المتعلق باعتماد القانون العبري التوراتي كأحد مصادر التشريع.

ومع أن نتنياهو تمكن حتى الآن، أيضاً بفعل مصالح الشركاء في حكومته، من المحافظة على الائتلاف الحكومي لثلاث سنوات، إلا أن رياح الانتخابات تبدو في الأفق، وهو ما يجعل نتنياهو بحاجة لورقة جديدة يلوح بها أمام الناخب الإسرائيلي، وأيضاً أمام شركائه من خلال التلويح باحتمال اندلاع حرب في مواجهة "حماس"، بحيث لا يكون بمقدور الشركاء المضي قدماً في الصدام مع نتنياهو وبما يفرض عليهم الالتفاف حول الحكومة لمواجهة الخطر الخارجي، أو حرب جديدة، هي موقع إجماع حولها في حال اندلعت وتم شن الهجوم على القطاع.

ولا يمكن عزل هذه الاعتبارات الداخلية والأزمات الائتلافية في حكومة نتنياهو باتخاذه لهذا القرار في هذا التوقيت بالذات، عما نشر أخيراً في وسائل الإعلام حول خطة أميركية تعتزم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرحها لتحسين الظروف في القطاع من خلال الاعتماد على تمويل خليجي.

ولكن أيضاً لا يمكن عزل هذه الخطوة عن تحسن في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وبين القيادة المصرية، مع عودة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس إلى التلويح بعدم الاتجاه نحو المصالحة والقبول بخطط إعمار غزة، ما لم تستلم السلطة الفلسطينية مقاليد الحكم كاملة في قطاع غزة.

ويعزز تقاطع هذه الظروف والملابسات مع إعلان نتنياهو إغلاق معبر كرم أبو سالم، الاعتقاد بأن أحد الدوافع والأهداف المرجوة من الخطوة، إلى جانب الهروب من الأزمات الداخلية لنتنياهو، هو دفع حركة حماس إلى تقديم تنازلات جوهرية في الاتصالات مع إسرائيل، خصوصاً في ملف موافقتها على إعادة جثمانَي جنديين إسرائيليين تحتجزهما الحركة منذ عدوان الجرف الصامد على غزة قبل أربع سنوات.

وتهدف الخطوة الإسرائيلية إلى مضاعفة الضغوط على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أملاً بأن يدفع تفاقم الأوضاع إلى حالة من عدم الاستقرار وربما التظاهرات ضد سلطة "حماس" في القطاع، خصوصاً أن الخطوة تأتي أيضاً غداة إعلان رئيس اللجنة القطرية الوطنية لإعمار غزة، السفير محمد العمادي، أن حماس رفضت وترفض معادلة ميناء في قبرص مقابل صفقة تبادل أسرى، وتصر على معادلة أسرى مقابل أسرى من جهة، وكشفه عن حقيقة إجراء إسرائيل اتصالات غير مباشرة مع حماس، عبر وساطة قطرية ووسطاء آخرين، بينهم مصر وألمانيا، وهو ما كانت حكومة نتنياهو تنفيه، الأمر الذي زاد من أزمة نتنياهو، خصوصاً بعد أن أقرت محكمة الاحتلال رفض التماس عائلة الجندي هدار غولدين، وأمرت بتسليم جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين قتلهم الاحتلال في الضفة الغربية وعدم رهن إعادة جثامينهم باستعادة جثامين الجنديين الإسرائيليين، هدار غولدين وأورون شاؤل.

كلمات دلالية