خبر محرقة.. كلهم يريدون إيقافها.. وكل من موقعه!../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 10:17 ص|04 يناير 2009

04/01/2009  12:01 

 

لعله السؤال الفلسطيني البسيط المر، الذي يريد حال الانحدار العربي تحويله إلى لغز أو أحجية يسهر القوم جراها و يختصموا...

 

هل تحتاج غزة لأكثر من أسبوع دموي، عشرة أيام لاهبة بلياليها، لم تخطر وقائعها، فظائعها، وحشيتها، همجيتها، لغلاة التتار، و لا معتدلي الصهاينة، و حتى مندحري المحافظين الجدد، ليعترف لها بعض قومها بصمودها، و يلحظوا أن لها عناداً جامحاً عزّ لديهم، و أقلقتهم عقابيله؟!!

 

كانوا، ونعني بعضهم، قل أغلبهم، قد أشاحوا الأبصار عجزاً، وقيل هواناً، ويقال تواطؤاً، عن واقعة ذبحها، وانشغلوا قعوداً عن نصرتها بالحؤول الصاخب دون سلخها، ما استطاع عجزهم ودونيتهم وهوانهم إلى هذا الحؤول سبيلاً...

 

أنّبها البعض سريعاً، ومنذ اليوم الأول للمحرقة... منذ المقتلة الأولى، الغارة الفاتحة جحيماً، وحمّلها الآخر مباشرة، والبعض مداورة، وزر دمها المراق، وما جناه عليها قعودهم عن نصرتها... وقال لائمهم مولولاً، وأسفاه لقد أخطأت هذه الجامحة فواجهت قدرها، وعاندت هذه الخارجة على وداعة سربها فانتحرت...

 

... لم تحتج غزة إلا لثواني الهول الأولى، لتعلم أنها هي وحدها، وتدرك للمرة الألف وحدانية خيارها الذي لا خيار سواه، وتتخذ مستوجب قرارها الذي لا تعرف غيره، فصمدت... صمدت غزة... صمدت وحدها... أما هم، فهرع عجزهم مستغيثاً بنخوة هيئة الأخ بان كي مون المستحيلة!

 

***

لعلها ليست بالأحجية وإنما هي بداية الصمود التي تعني بداية الانتصار... إنما قل هي إعلان موجّه للجميع، يقول الدم الغزّاوي فيه:

 

سئمت غزة انتظار نجدة من بدا أن لا حالهم ولا شأنهم ينبئها إلا بإدمانهم إحصاء عديد شهدائها وجرحاها... ضجرت ممن درجوا على الاكتفاء بالترحم على إحيائها، واعدين إياهم قبل أن يذبحوا بالجنة... كفرت بالقاعد في يوم الكريهة حيث هو يذرف دمعه عليها... خجلت منهم وعنهم...

 

ويجرحها أكثر من شظايا الانفجارات نعيق هؤلاء الذين يتبجحون، أو هم بالأحرى يدارون عارهم ويعوضون مفقود رؤية وإرادة عزتا لديهم، بإرسال فتات الصدقات، التي تصل والتي لا تصل إليها... آلمها أن يدركوا، وليست هي المدركة وحدها، أن حفنة دوائهم لن تضمد لها جروحاً، وبخس فتاتهم لن يرد عنها عدواناً... جرحها وآلمها أكثر، أنهم يدركون ويعلمون علم اليقين أن دعاءهم أو تنديدهم، عويلهم أو ترحمهم، عجزهم أو هوانهم، قعودهم أو تواطؤهم، هو من شحذ سكين ذابحها... كانت غزة تريد سيوفهم لادعائهم... مجت حالهم، خجلت منهم وعنهم، وتمثلت مع أمتها قول أبو الطيب:

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميت إيلام...

 

***

إنها ليست أحجية، وإنما هي لمحرقة... محرقة الجميع، وبلا استثناء، يريدون إيقافها، لكن كل من موقعه، ووفق أجندته، وبما يتفق مع حساباته الخاصة، وبما يخدم فقط توجهه... العدو المستخف بأمة بكاملها، لكن المربك... المربك الذي لا تخفي قعقعة وهدير و لهيب أهوال آلة موته الحربية الهائجة، وما يسندها من ترسانات الغرب المتطورة المرعبة، ضعفه... أجل ضعفه أمام عناد ضحيته وفزعه من إصرارها على الحياة... إنهاء المذبحة التي يريد مرتكبها إيقافها بدفن الضحية والخلاص منها بالسرعة الممكنة وبالخسارة الأدنى أو التكلفة الأقل، مستفيداً من ما أتاحه دعم الغرب وعجز العرب، وانعدام المغيث وندرة المجير وتشجيع المتفرج وغياب المحاسب...

 

ظروف يالها من مواتية له، ومن فرصة سانحة ولا أنسب، ليذبح ما شاء له التذبيح في غزة، ويهوّد ما شاء له التهويد فيما تبقى ولم يهوّد بعد في الضفة... ليمارس "حقه في الدفاع عن النفس" بفتوى دائمة لا يمل البيت الأبيض من تكرارها... بيت أبيض الراحلين عنه والقادمين إليه... ومساعي أوروبا النفاق الزعاف غير الحميدة، ولا مبالاة عالم المصالح التي لا يجب أن تعيق صفقاتها المزاعم والإدعاءات الإنسانية... إيقافها، لكنما بعد استيفاء ما تيسر أن لم يكن كامل استهدافاتها!

 

***

حقاً إنها لمحرقة، وحقاً إنما الجميع يريد إيقافها، تماماً كما هو حال من يديرها وينفذها ويستثمرها... وكل من موقعه:

 

"الرأي العام الدولي" أو هذه الترجمة الحرفية للرأي العام الغربي... هذا الذي ينصر امتداده الإسرائيلي العضوي ووكيله في ديارنا ظالماً أو مظلوماً، ولا يراه إلا بعين الرضا... إلا مظلوماً من قبل ضحاياه العُزّل ومضطراً لأن يدافع عن نفسه... يدافع عنها عبر عدوانه على ضحاياه وارتكابه إبادة هؤلاء الغير الجماعية، وسلب حقوقهم، وإفناء وجودهم، ومواصلة جرائم الحرب ضدهم، وكل ما يختصره مضمون كلمة المحرقة ضد العُزّل "الغوييم"!

 

ينصره، مادياً وإلى أبعد حد، ومعنوياً، وعلى كافة المستويات وبكافة السبل، وإلى ما يعد أكثرها لا أخلاقية وتآمراً، وتستراً مفضوحاً إلى درك الزيف وبئس النفاق وأوقح المزاعم وحيث انعدام الخجل... الغرب، بمسمياته "الرأي العام الدولي"، أو "المجتمع الدولي"، أو "العالم الحر"، أو المدعي الأكثر تشدقاً بمقولة "حقوق الانسان"، أو المجرم الأكثر تذبيحاً للإنسان في عصرنا والقرون الثلاثة الماضية... والذي يريد أن يدفن الآن الضحية، ويقفل القضية، وينتهي من وجع الرأس...

 

... والمحرجون من ذوي القربى... بعض أصحاب القمة التي لم تعقد، أو هذه البائسة فيما يرجى منها، التي ستؤجل حتى ما بعد الفشل المحتم في استدرار عطف مجلس الأمن... القمة التي ذهبت، كما هي غزة، ضحية الاعتراض والتحفظ وعميق الانقسام العربي... هذا المزمن المتفاقم المنعكس انقساماً فلسطينياً يتزايد... المنعكس انقساماً فلسطينياً وليس نتيجة لما عكسه، كما يزعم الزاعمون المطالبون بتحميل المسؤولية لهذا الفرع من الأصل... ضحية مبادرة الستة أعوام ونصف التي لم يقبلها إلا أصحابها... السلام خياراً استراتيجياً يتيماً... الهاربون من المسؤولية القومية إلى التدويل... الذين لا يعرفون كيف يتفقون وحتى كيف يتخاصمون... ومن لا يحسنون ملء فراغ يستدعي وجود الجيران لملئه... الهارعون إلى الوساطات الإقليمية بديلاً عن مستوجب اتخاذ الموقف القومي الواحد المستحق... بديلاً عن عتيد القمة التي ينتظر محتمل انعقادها غير المرغوب ما تسفر عنه نخوة هيئة بان كي مون... ما تسفر عنه محاولة تسليم رقبة غزة لسكين الفيتو الأمريكي!

 

***

لا من لغز و لا أحجية، وإنما لا تحتاج غزة لأكثر من أيام صمود مضافة... هي لن تنتظر أسابيع من مداولات مجلس الأمن الدولي الأمريكي المفتوحة، ولا تعنيها ما تتكرم عليها به بياناته الرئاسية غير الملزمة التي تدين صواريخها البدائية... لم تعد تتوقع من قعقعة الغوث أكثر من وصول بعض الأطباء الأجانب، وما يسمح به العدو والشقيق من شاحنات تنتظر الإذن طويلاً على معابرها المغلقة... تلك التي يرافقها ضجيج التبرعات العالي التي لن يصل إلا نزرها اليسير الذي لا يسد رمقاً ويستدر ضجيجاً... لأنها، وهي غزة هاشم، لم تخف ولم تهن، ولأنها الأعلى استوعبت الضربة الأولى، ولأنها المقاومة، تعلم علم الأباة المرابطين أن بدء الصمود هو بداية فشل المعتدي... بداية الإنتصار... الإنتصار الذي يوقف المحرقة...

 

لأن غزة لاحظت أن بنك أهداف آلة الموت قد انتهى، وطفق القتلة في اجترارها، ويتسلون بإعادة قصفها، وطفقوا يبحثون عن أخرى في معارج الأزقة ومدارج الحارات، وتحول البحث من المؤسسات والمواقع إلى البيوت وحتى خالي البساتين... لأنهم أدموها، ولم ينالوا منها... لأنه استنزف المعتدون سانح الفرصة التي أتاحها لهم العجز العربي... والهروب من القمة إلى التدويل، أدركت أنه لم يتبق لهم إلا التهديدات بالهجوم البري... أو هذه اللحظة التي ينتظرها مقاوموه، ويتوقعها ناسها... لأنها كذلك، فغزة هي غزة... غزة القوية بإرادة أهلها، بأمتها... أمتها التي لم ولن تكفر بها، وتستمع بأمل إلى هدير غضبتها من محيطها إلى خليجها... لأن غزة تراهن على أمة وليس على قمة...