كيف رعت مصالح كوشنر التجارية قمة ترامب-كيم ؟

الساعة 08:36 ص|20 يونيو 2018

فلسطين اليوم

قُدم للإدارة الأميركية اقتراحٌ فريد من نوعه في صيف 2017، تضمن نيّة حكومة كوريا الشمالية، إجراء محادثات مع صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، وهندس المقترح هذا، مستثمر أميركي باسم جابرييل شولز، ويعيش في سنغافورة.

وقال شولز، إن مسؤولين كبار في الحكومة الكورية الشمالية المملوكة بشكل كامل لعائلة زعيمها كيم جونغ أون، كانوا يبحثون عن قناة خلفية، يستطيعون من خلالها عقد اجتماع بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لدرء مواجهة عسكرية محتملة بين البلدين.

وخلال سنوات إقامة رجل الأعمال الأميركي شولز في سنغافورة، استطاع بناء شبكة علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع بعض المسؤولين في كوريا الشمالية، حيث أنه كان أحد المنافذ التجارية للدولة المعزولة عن العالم والمحاصرة اقتصاديًا.

وشكلت مبادرة شولز خطوة في الطريق الملتوية وغير المباشرة لعقد القمة النووية بين ترامب وكيم بفندق مبني على الطراز الاستعماري في سنغافورة، خلال الأسبوع الماضي. طريق شمل مقابلات سريّة بين عملاء سرييّن ومحادثات بين رجال أعمال لا يفكرون إلّا بالربح المادي، بالإضافة إلى المقابلات غير المعلن عنها التي عقدها مسؤولو بيونغ يانغ مع صهر الرئيس الأميركي.

واعتمد الكوريون الشماليون بتواصلهم مع كوشنر، على تجربة الصين التي سبقتهم إلى ذلك، ورأت في كوشنر حلقة وصل أساسية مع ترامب، وأذن مصغية، بالإضافة إلى كونه يستطيع اختصار كل المسار البيروقراطي الحكومي (الأميركي).

 

واستغل رجل الأعمال شولز الذي تعرف على عائلة ترامب منذ عدّة سنوات بهدف أعمال تجارية مشتركة في آسيا، المساحة الجديدة المفتوحة أمامه بعد استلام ترامب للبيت الأبيض، مصحوبًا بإدارة جديدة "تختلط" فيها السياسة بالتجارة والأعمال بشكل ضبابي. وأتى باقتراحه في وقت كانت تعاني فيه الإدارة الأميركية من انقسامات حادّة بداخلها حول التعامل مع ملف النووي الكوري الشمالي، وتصاعد احتمال ضربة عسكرية أميركية.

ورغم أن شولز لم يكن الشخصية الوحيدة التي لعبت دورًا هامًا في إجراء القمة النووية بين ترامب وكيم، إلّا أن الأشخاص الذين واكبوا المفاوضات بين بلدين، أكدوا على أن مبادرة شولز المبكرة، ساعدت على وضع الخطة الدبلوماسية للتواصل بين البلدين.

ولم يكن من المتوقع أن تُسفر هذه المفاوضات السرية عن شيء ذي قيمة، وحتى الآن، وبعد عقد القمة النووية، فإن نتائجها غير واضحة أيضًا، وفي حين صرّح ترامب أن "كوريا الشمالية لم تعد تشكل خطرًا نوويًا"، إلّا أنه لم "ينتزع" تنازلات حقيقية من نظيره كيم، بل وقدّمه على أنه حاكم قوي في تصريحات لحقت الاجتماع.

ولعب كوشنر دورًا خفيًا بالمباحثات السريّة التي كانت تمرّ عبر القنوات "السفلية" مع المسؤولين في كوريا الشمالية، فقد كلّف مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، مايك بومبيو، باستلام هذا الملف بعد إخباره عن توجه رجل الأعمال شولز.

وكانت دوافع كوشنر في اعتماده على الـسي آي إيه في هذا الملف مبهمة، فمن المفترض أن تتولاه وزارة الخارجية بحسب مجمل السياسة الأميركية، لكنه من الجدير بالذكر أيضًا، أن علاقة "عدائية"، كانت تربط كوشنر ووزير الخارجية الأميركي حينها، ريكس دابليو تريلسون، على عكس العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه ببومبيو. ومن غير الواضح أيضًا، ما إذا كان مستوى التصريح الأمني الذي كان بحوزة كوشنر في تلك الفترة، كان سيخوله ترأسه للمفاوضات السرية أم لا.

وكسر الجليد بالعلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، قد يصب في مصلحة شولز المنحدر من عائلة فاحشة الثراء، بنت جلّ ثرواتها من التنقيب على المعادن. وتتبنى شركته "إس جي آي فرونتير كابيتال"، لاستراتيجية استثمارية شديدة المخاطر، في ما يسمى بـ"الأسواق الحدودية"، وهي دول تُعتبر أكثر تطورًا من الدول الأقل نماء، لكن سوقها أصغر من أن يُصنفها كدول ناشئة، كأثيوبيا ومنغوليا.

وأجرى شونز عدّة صفقات تجارية مع كوريا الشمالية قبل أن تفرض إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، عقوبات اقتصادية إضافية عليها عام 2016.

وقال شونز في تصريح سابق له: " لا أناقش طبيعة عملي ولا علاقاتي الشخصية". فيما رفض البيت الأبيض والـ"سي آي إيه" التعليق على تواصل كوشنر مع شولز.

ومنحت لقاءات كوشنر برجل الأعمال شولز، الأول حق التدخل بقضايا (سياسية) لم يكن لينخرط بها بهذا الشكل لولا انتهازه لهذه الفرصة، لكنها ليست المرة الأولى التي يُقحم كوشنر بها نفسه بقنوات سُفلية تتعلق بمواضيع حساسة ترتبط بالأمن الوطني الأميركي.

وفي بداية عام 2017، فتح كوشنر قناة خلفية خاصّة مع السفير الصيني في واشنطن، تسوي تيانكاي، لمحاولة توطيد علاقات ترامب مع الحكومة الصينية بعد بداية "سيئة" للإدارة الأميركية الجديدة حينها، عقب تحدث ترامب مع رئيس تايوان التي تعتبرها الصين جزءًا من محفظاتها وترفض استقلالها. ودشنت المحادثات السرية بين الطرفين لقاء بين ترامب والرئيس الصيني، شي جين بينغ، في عقار يملكه الأخير في ولاية فلوريدا الأميركية في نيسان/أبريل العام الماضي.

ورأى الكثيرون أن المساهم الأساسي للقاء بين الزعيمين الصيني والأميركي وقتها، كان كوشنر، وقال متحدث باسم البيت الأبيض حينها، إن كوشنر لم يبرز نفسه تجنبًا لـ"عدائية" مسؤولين أميركيين آخرين، وسط دوامة من الأسئلة حول العلاقات التجارية التي تربط عائلته مع تكتل الشركات الصيني "مجموعة أنبانغ"، بالإضافة إلى علاقات اقتصادية أخرى بين العائلة وأطراف صينية.

وورد عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، أن اقتراح شولز بإجراء محادثات مع كوريا الشمالية، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته عشرات الاقتراحات التي قُدمت لوزارة الخارجية خلال العام الماضي، وتضمنت أيضًا ادعاءات تُفيد بأن مقدميها لديهم علاقات مع مسؤولين كثر في كوريا الشمالية، لكنه لم ينتجه عنها شيء.

وقال مسؤول ملف كوريا الشمالية في إدارة جورج بوش الابن، مايكل جي غريين، إنه "على مدار سنوات الإدارات الثلاث الأخيرة، استخدمت كوريا الشمالية وسطاء كثر لمحاولة الالتفاف على القنوات الدبلوماسية العادية (...) وفي حالات أخرى، عرض وسطاء لديهم علاقات مع حكومة كوريا الشمالية، المساعدة في ذلك".

دبلوماسية "العمل الحر" هذه ليست خاصة بكوريا الشمالية فقط، فعرض كثيرون مساعدتهم لإدارة أوباما عندما أبدى رغبته في الحوار مع إيران عام 2009، وكان من بينهم رئيس وزراء إسباني سابق ورجل أعمال عُماني. وأقامت الإدارة الأميركية في وقت لاحق قناة سريّة لمقابلة الإيرانيين في سلطنة عُمان.

ولتخفيف من حدّة التوتر العسكري النووي، قال وزير الخارجية الأميركي السابق، في زيارته لبكين في أيلول/سبتمبر الماضي، إن الإدارة الأميركية بحوزتها عدّة قنوات مفتوحة مع بيونغ يانغ. وعلق ترامب على تصريحات تريلسون في تغريدة له على موقع "تويتر"، قائلًا إن "السيد تيرلسون يُضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير"، وهو الوصف الساخر الذي أطلقه ترامب على الزعيم الكوري الشمالي خلال احتدام الصراع بينهما خلال العام الماضي.

وفي الواقع، عمد بومبيو على استكشاف جهات استخباراتية في كورية الشمالية للتواصل معها، وسافر مرتين لبيونغ يانغ في العام الحالي، وبعد تسلمه لمنصب وزير الخارجية مكان تيرلسون، استمر بقيادة المفاوضات لإجراء القمة النووية.

يتصل دافع كوريا الشمالية بإجراء محادثات مع الولايات المتحدة في هذا الوقت بالتحديد، بالتقدم العسكري الذي أجرته على ترسانتها النووية وصواريخها الباليستية. وبعد أن استعرضت قدرتها على ضرب الولايات المتحدة، فإن حكومة كوريا الشمالية، مُقتنعة أن هذه الظروف تمنحها "القوة" على إجراء اتفاق مع الولايات المتحدة من شأنه أن يرفع العقوبات عنها (رغم عدم حدوث هذا الأمر حتى الآن).

ومع مراعاة دور العملاء السريين والجواسيس في ترتيب القمة النووية، فإنه من غير المفاجئ أن تصدر أول مبادرة لعقدها عن مستثمر أميركي لديه صفقات تجارية مع كوريا الشمالية. وتبدو العلاقة "المزدهرة" بيت ترامب وكيم، نبعت من مصدر تجاري عوضًا عن دبلوماسي.

كلمات دلالية