خبر هل ينجح ساركوزي في تنظيم «تفاهم نيسان» جديد في غزّة؟ ..إبراهيم الأمين

الساعة 10:16 ص|03 يناير 2009

ـ الأخبار اللبنانية 3/1/2009

بعدما وافقت الولايات المتحدة الأميركية على استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يعد أمام قادة العدو سوى اتخاذ القرار الذي يبدو أنه المخرج الوحيد أمام إسرائيل، في ظل تعقُّد الاتصالات السياسية وفشل التوصل إلى تفاهم سياسي. وعلى حد ما قال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله لمتصلين به، فإن «الحرب على غزة صارت في مرحلة دقيقة للغاية، لقد وصل الإسرائيليون إلى النقطة التي تُشبه الأسبوع ما قبل الأخير من حرب لبنان، عندما وجدوا أن الحملة الجوية لم تحقق شيئاً، ففكروا بأن الحل يكون من خلال الاقتحام البري».

في غزة، ظهرت نتائج الأيام الأولى للمواجهة. المواقع المئة والخمسون التي استهدفتها الغارات المفاجئة قبل أسبوع، لم تؤدِّ غرضها. ومثلما فشلت عملية «الوزن النوعي» في لبنان في عام 2006، ها هي الغارات الأساسية وعنصر المباغتة لم تحقق سوى تدمير عشرات الأبنية والمساكن والمقارّ. ولولا «خدعة» البعض التي دفعت إلى خطأ إقامة احتفال تخريج ضباط من الشرطة، لكانت العملية الجوية الإسرائيلية من دون نتائج. حتى استشهاد القيادي في حماس، الشيخ نزار ريان، له حكايته التي لا تتصل بجهود خاصة لقوات الاحتلال. فقد كان الشيخ الشهيد أوّل من واجه حرب العدو لتدمير بيوت الكوادر والنشطاء وقتلهم، وقد أفتى يومها بعدم جواز مغادرة المنزل، لا بل طلب إلى المناصرين التوجه إلى أي منزل يتم الاتصال بأهله من جيش العدو تمهيداً لتدميره، ونجح في تحويل منازل النشطاء إلى مراكز تجمع للمئات، ما حال دون قصفها. وعندما أُصدر أمر الإخلاء عشية الخميس ما قبل الفائت، التزم الجميع، لكن الشيخ ريان، كان في حيرة من أمره، فهو من أفتى بعدم جواز ترك المنازل، فكيف يفعل الآن، فكان أن سقط شهيداً، ومن بقي من أفراد عائلته هم الشباب الذين كانوا في مواقع القتال المتقدمة.

ولأن المجازفة السياسية لا تحتمل الخطأ، فإن إسرائيل تريد مواصلة المعركة العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية، وهو الأمر الذي لا يبدو في الأفق، وخصوصاً أن قرار قيادة فصائل المقاومة في غزة واضح وحاسم، وأُبلِغ إلى وسطاء وموفدين، أنه لن يكون هناك تنازل ولا قبول بالشروط الإسرائيلية مهما كانت الظروف. وبعدما أفاقت غزة من صدمة الغارة الأولى، بدت الأمور أكثر تنظيماً:

شبكة الاتصالات أتاحت التواصل المطلوب بين جميع مجموعات المقاومة. وقيادات الصف الأول نُقِلَت إلى أمكنة خاصة تدير من خلالها مجموعة المهام السياسية والتعبوية والاجتماعية وأحوال القطاع. أما القيادات العسكرية، فقد انتقلت إلى العمل وفق برامج تخصها، وقد استعدت لها منذ ستة أشهر على الأقل، وتم تفقد المخازن والمستودعات ومنصات الصواريخ الخاصة وذات الأمداء الخاصة، وتم التأكد من سلامة العتاد، ولم يبق سوى تسلّم المبادرة والبدء بتنفيذ خطط وضعت لمواجهة احتمالات حرب كالتي حصلت. وحتى الآن جرى التعامل مع ملف الصواريخ بطريقة تحقق الغرض الذي يقول إن القصف لن يتوقف، وإن ما بين يدي المقاومة كافٍ لمواجهة تطول لأشهر، لا لأسبايع، وإن الأمداء تجعل من احتلال كل القطاع أمراً غير ذي فائدة، لأنه بات يمكن قصف كل المستوطنات من أي نقطة في القطاع. كذلك فإن المخزون الخاص بحاجات المقاتلين للاستمرار في المواجهات متوافر وفق خطة تبدو هي التي تدور على أساسها المعارك.

تفاهم نيسان فلسطيني

قبل أيام، كانت الحكومة التركية قد استضافت وزير خارجية النظام المصري، أحمد أبو الغيط، وسمعت منه من دون تفهم شكواه أن حماس هي السبب في مأساة الفلسطينيين، وأنه بحسب معلوماته «الأكيدة»، فإن العدوان لن يتوقف قبل أن توافق حماس على تجديد التهدئة وتتوقف عن إطلاق الصواريخ، مع المزيد من التبريرات الخاصة بعدم فتح معبر رفح لأسباب اضطرت الأتراك إلى الصمت الممتعض عليها، علماً بأن أنقرة اقترحت على المصريين إدارة الجسر الجوي المقترح لتوفير كل مستلزمات الحياة في القطاع بما خص الناس المحاصرين من كل صوب. لكن مندوب النظام اعتذر متمسكاً بموقف رئيسه الرافض لفتح المعبر قبل التوصل إلى اتفاق.

لم يكن لدى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان التصور النهائي، لكنه أدرك أن مصر فقدت دورها كوسيط، وأن أي طرف آخر في العالم غير قادر على القيام بشيء الآن. أميركا معطلة ومغطية للعدوان، وفي أوروبا مشكلة في تجاوز الافكار الاميركية. وعندما توجه أردوغان الى سوريا في بداية جولته، كان يعرف أن أمامه أكثر من اجتماع مهم، الاول مع بشار الأسد الذي قال إن سوريا الى جانب المقاومة ولن تتركها، وهي تقبل بما تقبله، وهي تعرف أن الضغوط لن تتوقف من جانب الغرب ومن جانب من يتعاون مع الغرب من العرب، ولكن دمشق تفضل البحث بالامر من خلال قمة عربية فورية، وهي تركت لآخرين الدعوة إليها منعاً لإحراج أحد من الذين يعتقدون أن سوريا معنية أو متورطة في المعركة، وهو امر شدّد عليه الأسد عندما أكد أمام ضيفه التركي أن سوريا ليست على الحياد وهي الى جانب المقاومة دون تردد.

أما الاجتماع الاخر فكان بين اردوغان وقيادة حركة حماس، وقد قال أردوغان ان لديه مجموعة من الاسئلة سيعرضها على كل من يلتقيه، وبعدها يبلور تصوّراً لاقتراح يمكن التداول به او مناقشته كمشروع حل. وقد وجه اسئلة تتعلق بالحصار وفكه وتوفير ضمانات اقليمية ودولية لمنع اعادته، وبتوفير مساعدات مفتوحة تغني القطاع عن اي ضغط من جانب اسرائيل، وسأل عن تصور حماس لوقف اطلاق النار، وعما اذا كان ارسال قوات فصل دولية يفي بالغرض، وما هو موقف حماس من اقتراح ارسال قوات تركية كأساس في هذه القوة الدولية. لم يكن بوسع حماس سوى التأكيد أنها هي الجهة التي سوف تتولى اي تفاوض في هذه المعركة، وهو امر لا شراكة فيه مع احد، وهي تقصد سلطة الرئيس محمود عباس. كذلك اكدت الحركة انها لم تكن البادئة بالحرب، وأن العدو هو من قرر خوض الحرب، وأن وقف الصواريح يكون عندما يتوقف العدوان بكل اشكاله، بما في ذلك الحصار، وأنه ليس للامر علاقة بأي ملفات اخرى، مثل الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني ومن يتولى امور المعبر وخلافه، وأن حكومة حماس شرعية وهي منتخبة وتمثل شعبها، وبالتالي فإن الحركة ليست مستعدة للتفريط بكل ما حققته من مكتسبات، وأن المقاومة خيار دائم، وأنها في وضع يمكنها من الصمود ولن تتنازل، وأنه ليس امام اسرائيل سوى الاقرار بهذه الحقيقة، وأن تعرض مدنييها للخطر مرتبط بسلامة المدنيين الفلسطينيين.

دور فرنسا

هذه الافكار التي حملها اردوغان الى عواصم اخرى، كانت محل نقاش بينه وبين الملك الاردني في العقبة. لكن الاخير الذي لديه موقف ملتبس هذه الايام، اهتم بأن يضغط على اردوغان لترتيب اجتماع بينه وبين محمود عباس الذي طلب الاجتماع وأجابته انقرة بأنه ليس على جدول اعمال اردوغان زيارة اسرائيل الآن، فقال إنه سيكون في العقبة، ثم جرت الاتصالات لترتيب اللقاء، حيث لم يكن بوسع عباس قول شيء امام الرجل الذي بات يعرف كل شيء. لكن في حالة السعي المصري الى افشال المبادرة التركية، التي عاد امس احد ابرز مستشاري اردوغان الى دمشق لبلورة افكارها، فإن العواصم المعنية لم تدّخر جهداً لتوفير عناصر الدعم لها من امكنة اخرى. ويبرز في هذا الصدد المسعى السوري لدى فرنسا لأن تؤدّي دوراً خاصاً في هذا المجال، وهو امر برز في اتصالات ظلت بعيدة عن الاضواء بين دمشق وباريس قبل وصول الرئيس الفرنسي الى المنطقة وهو الذي سيعقد في دمشق اجتماعات هامة على هذا الصعيد، ويحاول الحصول مسبقاً على موقف اسرائيلي اكثر وضوحاً ازاء مقترح يتجاوز الهدنة الانسانية التي تعطلت لأسباب انتخابية داخلية في اسرائيل. وأهم ما هو مقترح امام الفرنسيين الآن هو محاولة استعادة الدور الذي قامت به باريس قبل اكثر من 12 سنة، حين اوفدت وزير خارجيتها هيرفيه دوشاريت الى دمشق وبيروت وتل ابيب وقامت بدور بتسهيل من المقاومة وسوريا وبمشاركة من الرئيس الراحل رفيق الحريري، قبل التوصل الى تفاهم نيسان الشهير الذي قضى بتنظيم عملية اطلاق النار بين المقاومة وإسرائيل: تمتنع اسرائيل عن التعرض للمدنيين الفلسطينيين وتتوقف عن كل اشكال الحصار وأعمال القتل والقنص والاغتيالات وتعطيل الحياة اليومية للناس، وتمتنع المقاومة في غزة عن التعرض للمدنيين في اسرائيل، ويبقى القتال محصوراً بين العسكريين من الطرفين.

اختبار مصري ولا نتائج

إلا أن الجانب المتعلق بالاتصالات الفاعلة لتحقيق هذه النتيجة يحاول حاكم مصر تفاديه منذ الآن، وهو بعدما نجح، بدعم من دول الاعتدال العربي، في تعطيل القمة العربية وفي إفساح المجال امام العدو لارتكاب مزيد من المجازر على امل أن ينجح العدو في القضاء على المقاومة، فإن الاستخبارات المصرية باشرت سلسلة من الاتصالات ذات الطابع الاحتوائي، وهي اكتشفت الضرر البالغ الذي سبّبه وزير الخارجية احمد ابو الغيط، وانتبه ضباط كبار الى ان سياسة القطيعة مع الفلسطينيين سوف تكون نتيجتها لجوء هؤلاء الى اطراف اخرى من اجل اي حوار او وساطة، وسوف يكونون بين يدي سوريا وإيران، ولان الاتصال على مستويات عالية الآن غير مجدٍ، بادر المصريون الى ارسال اشارات برغبة التواصل من جديد مع القوى الفلسطينية كافة، ولكن الجواب المبدئي كان حاسماً في رفض هذا النوع من التواصل ورفض هذا النوع من الحوار، حتى ان مجموعات فلسطينية لديها ملاحظات على ادارة حماس لوضع غزة، ابلغت المصريين وقياديين من فتح بأنها غير مستعدة لأي حوار لا يمر عبر قيادة المقاومة، حتى إن قيادياً فلسطينياً بارزاً قال لأحد محدثيه: تعرف أنك الآن تتحدث مع قيادي في حماس لا في تنظيم آخر. إلا أن كل شيء سيكون رهن المواجهات المرتقبة في الايام القليلة المقبلة. وبمعزل عما تعده المقاومة في القطاع، فلا بأس من مناقشة اسباب التردد من جانب قوات الاحتلال نفسها... فأشباح لبنان لا تزال ماثلة، وربما يكتشف الاسرائيليون ان عماد مغنية الذي قتلوه في سوريا، يقف على رأس من يقاتلهم في غزة اليوم.