خبر وقف العدوان واستعادة الوحدة معاً وأولاً ..هاني المصري

الساعة 10:04 ص|03 يناير 2009

اعلنت القيادة الفلسطينية تعليق المفاوضات (المجمدة اصلا على خلفية الأزمة الحكومية الاسرائيلية وانشغال اسرائيل بالاستعداد للانتخابات المبكرة)، ودعت كافة القوى والفصائل والاحزاب، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي الى الحوار والتشاور في كيفية توحيد الجهود الفلسطينية في مواجهة العدوان.

واعلن الرئيس ابو مازن في خطابه الى الشعب بعد العدوان، انه يحمل اسرائيل المسؤولية الكاملة عن العدوان، وان الدعوة للحوار لا تزال مفتوحة رغم رفضها من حركتي حماس والجهاد الاسلامي، واصدر ابو مازن قرارا بالامتناع عن اتخاذ أية خطوات انقسامية ووقف الحملات الاعلامية، ولو من طرف واحد، ولمح في خطابه، ولأول مرة، الى "إمكانية وقف المفاوضات اذا ما تعارضت مع مصالحنا وثوابتنا"، واشار الى ان المفاوضات تسير بأبواب موصدة، والى عدم وجود اي فائدة من استمرارها بالصورة التي جرت عليها، فشعبنا كما قال، لن يفقد خياراته عندما يغلق امامه خيار المفاوضات، او عندما يستمر العدوان والاستيطان ومصادرة الاراضي بما يفقد ذلك الخيار معناه.

ان هذه المواقف رغم انها لا تزال ضعيفة وخجولة ومترددة وغير كافية حتى الآن، الا انها بداية يجب تشجيعها والبناء عليها بإطلاق سراح المعتقلين كافة في الضفة وغزة، وتنظيم لقاء يجمع بين الرئيس وخالد مشعل رئيس حركة حماس. ان القناعة الراسخة لدي ولدى كثير من الفلسطينيين ان المفاوضات، خصوصا بعد مؤتمر انابوليس تمس وتتعارض مع مصالحنا وثوابتنا الوطنية، وأضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية، لأنها ابعدت العالم كله عن المشاركة بتحمل مسؤولياته، واعتمادها كليا على المفاوضات الثنائية دون تحديد اهدافها والتفاوض حولها وحول الحقوق وليس حول تطبيقها، وساهمت مساهمة بارزة في تمزيق الفلسطينيين، واستخدمتها اسرائيل اسوأ استخدام، للتغطية على ما تقوم به من عدوان مستمر واستيطان وفرض حقائق على الارض تهدف الى فرض الحل الاسرائيلي على الفلسطينيين على طاولة المفاوضات او عبر الخطوات الاسرائيلية احادية الجانب، واستخدمت اسرائيل المفاوضات للإيحاء بان الحل على الابواب، وبالتالي عطلت كافة الجهود والمبادرات العربية والدولية التي تتضمن الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية والعربية.

ورغم رفض "حماس" المشاركة في الحوار الذي دعا اليه الرئيس والمنظمة، لانه يشكل على حد زعمها حرفا للانظار عن العدوان، والاولوية لوقفه ودحره وافشال اهدافه، الا ان ترحيبها بوقف الحملات الاعلامية، والمسيرة التي جرت في رام الله والتي سار فيها نواب من المجلس التشريعي يمثلون كافة الكتل المشاركة في المجلس، وتصاعد الدعوات الشعبية والسياسية الرسمية والفلسطينية والعربية والدولية للوحدة، تدل على اننا يمكن ان نسير بخطين متوازيين دون ان يكون احدهما على حساب الاخر:

الخط الاول بذل كل الجهود لتوفير مقومات الصمود بما فيها فتح المعابر فورا دون أية ذرائع، لدخول الاحتياجات الانسانية، وخروج الجرحى للعلاج، ولوقف العدوان ودحره.

الخط الثاني الشروع في الحوار الوطني الشامل وتوفير الارادة اللازمة لنجاحه في انهاء الانقسام واستعادة الوحدة في اسرع وقت، خصوصا انها يمكن ان توفر المخرج السياسي الملائم للتوصل الى تهدئة مشرفة متبادلة، لا تحتفظ اسرائيل فيها بحقها بالعدوان العسكري كلما رأت ذلك مناسبا، وترتبط برفع الحصار وفتح الحدود والمعابر، وهذه التهدئة يجب ان تشمل الضفة ايضا، فلا يعقل ان نرضى بان يستمر العدوان والاغتيالات والاقتحامات والاعتقالات في الضفة رغم عدم وجود اية ذرائع يتذرع بها الاحتلال، فلا توجد مقاومة عسكرية، ولا تطلق اية صواريخ او قذائف على اسرائيل او قواتها او مستوطنيها العنصريين في الضفة. ان استعادة الوحدة تسحب الذرائع من يد اسرائيل لجهة عدم فتح معبر رفح بحجة ضرورة وجود السلطة والمراقبين الاوروبيين.

اذا اردنا سبر غور موقف "حماس"، نرى اولا انها تخشى ان تكون الاحاديث عن الحوار والوحدة حق يراد به باطل، ومحاولة لتشتيت الجهود وحرف الانظار عن العدوان، اومحاولة لكسب الوقت وانتظار نتيجة العدوان على امل التمكن من حصاد ثماره عبر توظيفه لفرض حوار يؤدي الى وحدة وفقا للشروط الاسرائيلية الدولية سواء بالنسبة للتهدئة او بالنسبة لاستمرار المفاوضات العقيمة وفق المسار الذي سارت عليه حتى الان.

وما يخيف "حماس" ايضا ان بعض التصريحات التي اطلقتها شخصيات قيادية فلسطينية حملت "حماس" المسؤولية عن العدوان، لانها لم توافق على الحوار الوطني ورفضت تمديد التهدئة، ما اعطى الذرائع لاسرائيل لتنفيذ العدوان الهمجي بشروط مواتية لها، فلسطينيا وعربيا ودوليا.

ان اسرائيل لا تحتاج الى ذرائع لتنفيذ العدوان، مع اهمية سحب الذرائع إن امكن ذلك، والدليل ما يجري في الضفة، كما ان الشعب الفلسطيني كله وقيادته يجب ان يرفضوا ان تحشرهم اسرائيل في خيارات اسوأ من بعضها.

اما الموت البطيء عبر الحصار الخانق او الموت الجماعي والسريع عبر العدوان.

اما القبول بتسوية تصفي القضية الفلسطينبة من كل جوانبها او التعايش مع الاحتلال والقبول باعتماد المفاوضات كأسلوب وحيد والى الابد، التي تسير جنبا الى جنب مع استمرار العدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الاوصال وفصل القدس وتهويدها وعزلها عن بقية الاراضي الفلسطينية المحتلة.

نعم مثلما قال الرئيس اخيراً ولأول مرة بهذا الوضوح، فان لدى الشعب الفلسطيني خيارات اخرى وانا اضيف بانه يجب ان يستعد لها فورا ومنذ البداية. حتى تعرف اسرائيل ان البدائل المفضلة لها، مرفوضة من الشعب الفلسطيني وقياداته وقواه المختلفة، وان لدى الشعب الفلسطيني بدائل عديدة، مثل حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وإعادة تقويم السلطة، والحماية الدولية.

وحتى تطمئن "حماس"، على القيادة الفسطينية، ان توقف المفاوضات لا ان تكتفي بتعليقها، وتأخذ بموقف اللجنة المركزية لحركة فتح التي دعت الى اجراء مراجعة وتقييم للمفاوضات التي لم تنجح حتى الان في وقف العدوان والاستيطان. كما على القيادة الفلسطينية ان توقف التنسيق الامني الفلسطيني ــ الاسرائيلي، فلا يعقل ان يستمر هذا التنسيق بعد العدوان الاجرامي ضد الفلسطينيين.

واختم هذا المقال، بتنبيه حركة حماس بضرورة عدم المغامرة، والرهان على صمود غزة وانتصارها وحدها، دون توحيد الشعب الفلسطيني كله، عبر وحدة وطنية حقيقية على اساس وطني وليس استسلاميا تكون قادرة على حشد الدعم العربي والدولي. فـ"حماس" تخطئ اذا تصورت انها ستكون قادرة على توظيف معركة غزة وصمود غزة لفرض شروطها في الحوار الداخلي او تثبيت سلطتها في غزة بغض النظر عن عواقب ذلك على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني والانسان الفلسطيني. فأحد اهم الاهداف الاسرائيلية، ان لم يكن اهمها على الاطلاق، هو تعميق الانفصال بين الضفة وغزة وتحويله من مؤقت الى دائم، والقاء غزة بعبئها الى حضن مصر، للتنصل من مسؤولية الاحتلال عن غزة بوصفها جزءا من الاراضي المحتلة عام 1967، ينطبق عليها وفقا للقانون الدولي، ما ينطبق على الضفة، وخصوصا ان اسرائيل لم تنسحب من غزة وانما اعادت انتشار قواتها وفرضت حصارا عليها، منذ تنفيذ فك الارتباط وقبل سيطرة "حماس" على السلطة هناك.

وإذا نجحت اسرائيل في تحقيق هدفها، فان تنفيذ ما جرى قي غزة سيتم تطبيقه في الضفة لاحقا عبر القائها في حضن الاردن، ولكن بعد ضم كل الاراضي التي تريدها اسرائيل وعلى رأسها القدس.

إن الرهان على المفاوضات كما سارت رهان خاسر، خصوصا اذا لم تكن لها مرجعية واضحة وملزمة، وإذا لم تستند الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتتضمن دورا دوليا فعالا وضمانات دولية وسقفا زمنيا.

كما ان الرهان على المقاومة المسلحة، اعتمادا على غزة وحدها، ودون مراعاة موازين القوى والمعطيات المحلية والعربية والدولية، رغم كل ما ينطوي عليه من كفاحية خاسر ايضا، وسينتهي اجلا ام عاجلا الى الاتفاق على تهدئة تؤدي عمليا الى تكريس الانقسام السياسي والجغرافي وتحويله الى انفصال دائم.

يمكن الجمع في ظل الوحدة بين المفاوضات المثمرة والمقاومة المثمرة. فهل نجرؤ على اعتماد هذا الخيار؟