قطاع على زمن مستقطع- إسرائيل اليوم

الساعة 01:49 م|01 يونيو 2018

فلسطين اليوم

قطاع على زمن مستقطع- إسرائيل اليوم

بقلم: يوآف ليمور

 (المضمون: الجولة الاخيرة من القتال تشير الى أن شيئا ما في غزة قد انكسر واحتمالات الحرب في الجنوب لا تزال قائمة لما تفرضه اوضاع غزة من تفجرات - المصدر).

سيكون من الصعب أن نجد هذا الاسبوع احدا في اسرائيل يؤمن بان الهدوء الذي تحقق صباح يوم الاربعاء في القطاع سيصمد على مدى الزمن. والتقدير السائد الذي يسود في غزة ايضا على اي حال هو أن هذه مهلة مؤقتة، وربما مؤقتة جدا، وفي غضون وقت قصير ستستأنف النار.

بعد نحو أربع سنوات هادئة، شيء ما في الميزان بين اسرائيل وحماس انكسر. هذا لا يعني انهم في غزة توقفوا عن الخوف: احداث الاسابيع الاخيرة تثبت بوضوح بان الردع الاسرائيلي لا يزال قويا، والا لكان اندلعت في الجنوب معركة واسعة اخرى منذ زمن بعيد. ولكن يخطيء من يعتقد بانه يمكن اعادة الدولاب الى الوراء الى ايام الهدوء التي سادت على حدود القطاع على نحو شبه متواصل منذ انتخاء حملة الجرف الصامد.

توجد اسرائيل وحماس في نقطة انعطافة. فقد قال مصدر رفيع المستوى انه "في كل يوم ترتفع درجة الحرارة في الميدان. في غزة توجد أقل فأقل كوابح، وأكثر فأكثر استعداد لاخذ المخاطر". هذا لا يعني أنهم في القطاع حسموا أمرهم في صالح الحرب: هذا يعني أنه اذا لم يتوفر سبيل لتحرير الضغط هناك – فلن يتبقى في ايديهم بديل آخر.

جذور يوم القتال هذا الاسبوع يمكن البحث عنها في احداث الايام التي سبقته، او في احداث نصف السنة الاخيرة، او بشكل عام في ما يحصل في القطاع منذ 2014. يبدو أن كل الاجوبة صحيحة. فبعد أربع سنوات من المعركة الاخيرة، توجد غزة في درك اسفل غير مسبوق. فالشبكات تنهار، الاقتصاد يخبو، البطالة تستشري بشكل غير مسبوق والمعنويات العامة في الحضيض.

تعترف حماس اليوم بالفم المليء بان ليس لها قدرة على الحكم في القطاع. وان وعودها بمستقبل افضل لسكانها كانت عابثة ولا يسندها شيء. فقد أملت بالمصالحة مع السلط الفلسطينية، والتي لم تحصل، على خلفية معارضة طلب ابو مازن نزع سلاح المنظمة وانخراطها في أجهزة أمن السلطة التي تأخذ على نفسها السيطرة في غزة واعادة بنائها.

في اسرائيل يحبون ان يكرهوا ابو مازن، ولكنه ليس إمعة. لو كان استجاب لطلب – استجداء حماس لدفن السلطة مرتين: في غزة، حيث يعلق مع المشاكل ويترك حماس لتكون بطل الشارع الذي يقاتل ضد اسرائيل، وضمنا في الضفة – حيث كان سيسمح لحماس بتحقيق مزيد من الشعبية على حسابه. ليس واضحا اذا كان ابو مازن على الاطلاق اراد مساعدة غزة أم انه سعى الى خنقها ولكنه رفض التراجع. وكانت النتيجة هي ان المشكلة تدحرجت كما هو دوما الى الملعب الاسرائيلي.

الشارع هتف مطالبا بالثار

بحثت حماس عن حلول بديلة للوضع. مال قطري، وساطة مصرية، وحتى اتصالات عقيمة مع دول في الغرب (وبالطبع التسكع الدائم مع ايران، الذي ادى الى مساعدة مالية معينة للمنظمة، اصغر من تلك التي يتلقاها من طهران شريكها – خصمها في القطاع، الجهاد الاسلامي). وعندما وصلت الى طريق مسدود، عادت حماس الى المطارح المعروفة للاحتكاك مع اسرائيل. بداية احتكاك مدني، بدأ في كانون الاول في "مظاهرات" احتجاج على قرار الرئيس ترامب نقل السفارة الامريكية الى القدس، وبعد ذلك احتكاك عسكري على الجدار وصل الذروة في الاسبوع الماضي.

على الطريق كانت عدة نقاط اساسية. الاحداث العنيفة ليوم الارض في 30 اذار وبعدها تلك في يوم نقارة السفارة الى القدس في 14 ايار، والتي ادت الى الهدوء – بوساطة مصرية – بالذات في اليوم الذي كان يفترض أن يكون هو الاعنف، يوم النكبة، في الغداة. هذا اثبت شيئيين: ان حماس في ضائقة ومن شأنها ان تتوجه الى العنف، وانها تتحكم في المنطقة بشكل مطلق – اذا ارادت ان تشجيع العنف فعلت واذا ارادت ان توقفه فتوقفه على الفور.

في محاولة للحفاظ على احتكاك دائم مع اسرائيل، اختارت حماس في الاسبوعين الاخيرين تحويل الجدار الى مجال للارهاب. بدأ هذا مع الطائرات الورقية الحارقة التي فعلت العجب بحقول الكيبوتسات في غلاف غزة، تواصل في محاولات اطلاق النار ورشق الزجاجات الحارقة على قوات الجيش الاسرائيلي، وبلغ الذروة في بداية الاسبوع الماضي مع محاولة زرع عبوة قرب الجدار. الجيش الاسرائيلي رد بنار دبابة نحو موقع مجاور للجهاد الاسلامي، الذي كان مسؤولا عن العملية فقتل ثلاثة من رجاله.

في الجهاد اقسموا على الانتقام. فغير قليل من المحافل في اسرائيل يعتقدون بان هذا كان أمرا مباشرا من طهران، من خلال قيادة التنظيم في دمشق، بهدف اشغال اسرائيل في الساحة الجنوبية مما يخفض قليلا من الضغط الذي تمارسه ضد وسائل تثبيت التواجد الايراني في الساحة الشمالية. معقول ان يكون هذا التفسير صحيحا ولكنه ليس كاملا: فحتى لنشطاء الجهاد في غزة يوجد فتيل – قصر جدا هذا الاسبوع، وطلبوا الانتقام. في المرة الاخيرة التي حصل فيها هذا، في تشرين الاول من العام الماضي (بعد أن دمرت اسرائيل نفقا للتنظيم ودفنت تحت 12 من رجاله)، انتظر الانتقام زمنا طويلا. اما هذه المرة فقد اراد الجهاد سطرا أخيرا مختلفا.

في اسرائيل ينبغي أن يكونوا قلقين من التفكر الذي استخدموه في غزة عندما اختاروا طريقة الرد. عشرات قذائف الهاون نحو استحكامات الجيش الاسرائيلي من ناحل عوز وحتى تسوفا، هي ظاهرا هدف مشروع – الموقع بالموقع والمقاتل بالمقاتل – ولكن الاصابة التي كادت تقع في روضة الاطفال في عين هشلوشا كان يمكن ان تنتهي بمصيبة. ليس واضحا لماذا ظنوا في الجهاد ان اسرائيل ستمر على هذه الاحداث بسكينة، وكأنها لا شيء، كمرور الكرام: ليس واضحا ايضا ماذا ظنوا في حماس حين اقروا للجهاد بان يحطموا القواعد ليوم واحد.

اما الرد الاسرائيلي الحاد، والذي تضمن هجوما على عشرات الاهداف، في وضح النهار، فقد ادخل حماس في فخ. فجأة وجدت نفسها في مكانة فتح: الحاكم، الذي يخشى المواجهة مع اسرائيل ويتركها لمنظمات اخرى. الشارع هتف مطالبا بالانتقام، والشبكات الاجتماعية عربدت، بينما تنظيم المقاومة الاساس جلس هادئا.

استغرق هذا بضع ساعات فقط الى أن قررت حماس الانضمام الى النار. ومع أنه بقي دون تحطيم القواعد، وسمح بضرب البلدات المجاورة للقطاع فقط، ولكنه اشار لاسرائيل بان حماس هي الاخرى في اللعبة.

ولكن خلف الكواليس ادارت حماس لعبة مزدوجة. توجهت لاسرائيل عبر مصر وطلبت هدوءا فوريا. ولاحقا في المساء ادعت حتى انه تحقق وقف للنار. في اسرائيل رفضوا خوض مفاوضات وقدموا الجواب الدائم: اذا اوقفتم اطلاق النار، فنحن ايضا سنوقفه. وفي هذه الاثناء استغل الجيش الاسرائيلي الفرصة ودمر غير قليل من اهداف المنظمة، وبالاساس تلك المتعلقة بتعاظم قوته العسكرية. حماس فهمت الرسالة، فأوقفت في الفجر النار من غزة تماما.

المعضلة الاسرائيلية

جولة قصيرة وغير تمثيلية في النقب الغربي قدمت أول امس ما هي المعضلة الاسرائيلية. في سديروت، بعد ليلة من الانذارات والملاجيء، طالبوا بعمل قاطع؛ في كيبوتسات الغلاف طالبوا بالعودة الى الهدوء. وراوحت اسرائيل هذا الاسبوع بين هذين الطرفين: جاهزية فورية لعمل واسع واستعداد للتوقف الفوري عن العملية.

ولكن الحسم الاسرائيلي يجب أن يكون استراتيجيا، وليس تكتيكيا. اولا بسبب سلم الاولويات الوطني. اذا كانت ايران توجد اليوم في المكان الاول، فمحظور على اسرائيل ان تجتذب الى تصعيد في الجنوب. وهذا صحيح ايضا في نظرة مركزة على غزة. فشيء ما فيها انكسر، ولن يكون ممكنا اصلاحه. مطلوب طريق آخر، يمكن أن يكون واحدا من اثنين: معركة واسعة أو تهدئة طويلة الامد.

في الاسابيع الاخيرة تجري اتصالات أولية، بوساطة مصرية، لفحص الامكانية الثانية. معقول أن يكون الطريق الى هناك مليء بالعقبات والازمات ولكن فحص الخيار واجب، وليس فقط لان من مسؤولية الحكومة البحث عن كل سبيل قبل الانزلاق الى الحرب.

هدنة كهذه ستجبي ثمنا من الطرفين. فاسرائيل ستكون مطالبة بالسماح بمشاريع لاعمار القطاع بل ودفع ثمن بتحرير سجناء مقابل اعادة المحتجزين في غزة. وبالمقابل يمكن لاسرائيل أن تتلقى غير قليل من التنازلات من حماس، بما في ذلك في مجال التعاظم العسكري. الاحساس العام كان ان هذا ممكن.

على هذه الخلفية ليس واضحا ما الذي دفع بعضا من وزراء الكابنت اطلاق التهديدات. فهم يعرفون صورة الوضع والخطط العسكرية، ويعرفون ان احتلال القطاع، اسقاط حماس، قطع رؤوس زعمائها، ليس على جدول الاعمال في هذه اللحظة. بل العكس هو الصحيح إذ ان اسرائيل سعت الى اعادة المعضلة الى غزة كي يحطموا هناك الرأس. فاذا اختارت حماس الحرب فستكون المسؤولية عليها واذا اختارت الهدوء فهي ستصل اليه من نقطة ضعف.

هذه المعضلة ستزداد الان. يوم الثلاثاء متوقع يوم قتالي آخر على الجدار، يوم النكسة. ويحتمل أن تستأنف بعده محاولات تحدي الجيش الاسرائيلي على الجدار. وفي هذا احتمال للتفجر الذي يفتح جولة اخرى. وهذا ما يجعل الجيش يبقي على قوات معززة في الجبهة والمواظبة على التدريب لحرب في الجنوب. وستقرر الايام القريبة القادمة اذا كان حزيران 2018 ينضم الى حزيرانات سابقة، أم يكون مؤشرا بالذات لبداية انعطافة في جبهة الجنوب

كلمات دلالية