خبر نلعب من سبت الى سبت / معاريف

الساعة 09:56 ص|02 يناير 2009

بقلم: بن كاسبيت

        (المضمون: لا تشبه غزة لبنان لان حماس اضعف كثيرا من حزب الله ولهذا قد يمكن علاجها واضعافها اشد الاضعاف بعملية عسكرية اسرائيلية - المصدر).

        في ليل يوم الاربعاء عاد رئيس هيئة الاركان جابي اشكنازي لاول مرة الى بيته. فمنذ يوم السبت كان ينام في "الوكر". في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، قبل دقائق من هجوم سلاح الجو الاول، اعلن اشكنازي انتقال الى "ساعة قتال". بدل مقر القيادة العام للجيش الاسرائيلي القرص ونزل الى وكر القيادة. قائد ساحة القتال هو اشكنازي. وقائد ساحة العمليات هو قائد المنطقة الجنوبية يوآف جلنت من القيادة في بئر السبع. وعيدو ناحوشتاين قائد سلاح الجو، بتنسيق تام مع جلنت، يتولى قيادة الميدان الجوي من وكر قيادة سلاح الجو في الكرياه. يوجد بين وكر مقر القيادة العامة ووكر سلاح الجو ممر تحت الارض. هذه هي صيغة الجيش الاسرائيلي عن انفاق رفح. وجبهة اخرى لا مثيل لها في اهميتها هي قيادة الجبهة الداخلية. ليست هذه اول مرة لكن حان وقت الاستيعاب: قيادة الجبهة الداخلية هي سلاح مقاتل. تحمل متان فلنائي ذلك كمشروع شخصي مع اللواء يائير جولان. النتائج ملحوظة في الميدان.

        جهاز الشاباك راسخ رسوخا عميقا في هذا النسيج. تعمل غرفة عمليات مشتركة للجيش الاسرائيلي والشاباك في بئر السبع وتل ابيب. ومحور اشكنازي- ديسكن اكثر وثاقة مما كان دائما. تتم ثلاث تقديرات وضع رئيسة كل يوم (في السادس والنصف صباحا، وفي الرابعة والنصف بعد الظهر وقبل منتصف الليل بقليل). عندما لا يكون رئيس الاركان موجودا يحل محله نائبه دان هرئيل. يظهر الجنرالات من الشمال والجنوب في جهاز الفيديو. استخبارات الشاباك وشعبة الاستخبارات موترتان حتى اخر النزع وتحاولان مجاراة الاحداث واصدار تقديرات، ومقاصد واهداف. الغلاف هادىء. اختفت الضبابية التي لفتنا في حرب لبنان الثانية كأن لم تكن. فهنالك جهاز اعلام منظم، وحديث واع وموضوعي. هدوء يقصفون. في كل ما يتعلق بطريقة استعمال القوة يثور انطباع ان الجيش الاسرائيلي تعلم دروس فينوغراد.

        وهذا عن المستوى السياسي؟ فعل ذلك جزئيا فقط. فالجميع يقوم فوقهم حرا، وسعيدا ومتحررا ايهود اولمرت. وهو يصرف ذلك على نحو حاد ناجع. كانت عملية اتخاذه للقرارات قبيل العملية سليما. وحذر الوزراء بلسان لا لبس في تصويت المجلس الامني المصغر من انهم لن يستطيعوا ان يقولوا بعد ذلك انهم صوتوا مؤيدين لانهم لم يكونوا يشعرون بالارتياح. لا توجد له استطلاعات رأي في نهاية الاسبوع، ولا انتخابات في الشهر المقبل، ولا يهمه ماذا تكون صورة النهاية وكيف يؤثر ذلك في الحملة الانتخابية. ما الذي يريده اولمرت؟ الاصلاح. ان يخلف غزة الاولى لا لبنان الثانية. وهو يريد ايضا جلعاد شليت، يريده جدا، برغم محاولة مضاءلة مكانة الجندي المختطف في انجازات الحرب المطلوبة.

        وماذا بعد؟ ان يضر "في سيره" قدر المستطاع بايهود باراك. يريد اولمرت جدا ان يكون لباراك تقرير فينوغراد خاص به. لم ينس ولم يغفر لباراك انه طرده من ديوان رئيس الحكومة جراء مويشيه تلانسكي. ما تزال العلاقات بينهما متوترة، واولمرت كالبدوي، سيطارد باراك حتى النهاية المرة لواحد منهما. فوق ذلك لا يهم اولمرت ان يصبح بيبي رئيس الحكومة القادم وان تكون تسيبي لفني وزيرة خارجيته او العكس. فهو ساكن الجأش. ليلعب الغلمة امامه. علاقته بلفني تحسنت جدا. وله علاقات قريبة بنتنياهو. فلقاء في الجمعة الماضية، عشية نشوب الحرب، ولقاء في يوم الاثنين، ومكالمات هاتفية كثيرة. شهر عسل متأخر. اهو عرس المال؟ اصح من ذلك انه عرس الدم.

* * *

ليس اولمرت مع الاحترام كله هو القضية. بل لفني وباراك. هنا يوجد الدم السيء. هنا تجري الحرب الحقيقية. لن يساعد اي شيء، لا يمكن ادارة حرب ادارة موضوعية في معركة انتخابية. لم يولد السياسي الذي يستطيع ذلك لان هذا غير بشري. نحو الخارج سيستمران في التقارب وحسن الحديث اما الداخل فسيكون شجار ديوك، بالاسنان والأظفار، على كل شيء، وكل صورة حربية وكل بلاغ للجيش الاسرائيلي. وهم الاتحاد الصلب ثبت حتى يوم الاربعاء، الى ان انقضت لفني على باراك في لقاء الثلاثة وسحقته حتى جعلته ترابا دقيقا لزلته في اليوم السابق (الثلاثاء) في قضية "الهدنة المؤقتة الانسانية" التي ثرثر فيها مع جماعة من المحللين العسكريين انهوا هز رؤوسهم ثم جروا الى التلفاز.

        قبل مساء، في يوم الاثنين كان باراك، في مباحثة للثلاثة، هو الذي حذر وانذر اولمرت ولفني انه لا يحل اثارة تعبير "وقف اطلاق النار" على الشفاه، وان ذلك سيحدث ضررا كبيرا. قال "سيضعف ذلك الجيش، يجب ان نوحي اننا مستمرون بالقوة كلها والتصميم وبهذا ستقاس العملية كلها". في الليل انكر متحدثه ان يكون شخص ما يزن اقتراح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير. ثم اشرقت الشمس من جديد في يوم الثلاثاء، والتقى باراك المحللين، اما الباقي فمكتوب على امتداد عناوين الصحف.

        حدث لباراك خلل. لم يكن يعني. الامر ان هذا ما يحدث له دائما في اللحظة التي يترك فيها عنصره اي الأمن، ويتوجه الى السياسة، والميدان السياسي، والحزب والحياة. تفكيره فيه دهاء واحكام، الى ان يواجهه الواقع فينفجر في وجهه. وهذه مأساة عليه وعلينا. لانهم حول جابي اشكنازي، رئيس هيئة الاركان، يعلمون يقولون ان باراك افضل وزير دفاع يستطيع اشكنازي ان يحلم به. فهو رئيس حكومة سابق، ولا يتدخل في يوميات الجيش الاسرائيلي، وعند احترام اساسي لمؤسسة رئاسة الاركان العامة، ويوحي بالسلطة، ويدع للجيش العمل، وفاهم لحقيقة الامور. اشكنازي، بحسب هذا المنطق، افضل رئيس هيئة اركان يستطيع باراك ان يحلم به. فهو متواضع ، لا يحاول سلب احد سلطته ، ولا يخدع، ولا يخاتل، ولا يسرب معلومات، وهو يتم حوارا موضوعيا وسريا. فهو تأليف كامل بين لواء جولاني ووحدة استطلاع هيئة القيادة العامة.

        وهنا، من كل ذلك، في يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع ولدت قضية كوشنير، التي اضطرت الجيش الاسرائيلي والشاباك ايضا الى نشر اعلانات انكار لم يسبق لها مثيل للاعلان الذي خرج عن وزير الدفاع. لم يوجد عندنا شيء كهذا من قبل.

        لم تضيع لفني الفرصة. فمنذ يوم الاربعاء الماضي وهي تشاجر باراك. بل انها ارسلت رسالة الى اولمرت وطلبت اليه ان يفرض على باراك ان يوافق على ان يشارك جنرال في بزته العسكرية في توجيه السفراء الذي اجرته (الجيش الاسرائيلي خاصة منع ذلك لا باراك). في هياج المعركة، تضاءلت قصة تسريب قرار المجلس الامني المصغر على بدء عملية عسكرية في غزة. وهو التسريب الذي جعل الاف من افراد حماس يتركون مواقعهم ويدخلون انفاقهم. كان باراك نفسه هو الذي اراد ان يوقع الوزراء على تصريحات سرية شخصية مع انقضاء جلسة المجلس الامني المصغر، كي لا تسرب او تشوش المفاجأة الاستراتيجية لحماس. في نهاية الامر كما تعلمون تسرب ذلك الى الخارج. وهو تسرب اتهم به باراك لفني ولفني باراك.

        ليس كلاهما على حق تماما، ولا على خطأ تماما، وان تكن رواية لفني اكثر صلابة بقليل: ففي الحقيقة انها خطبت خطبة قتالية في يوم الاربعاء مساءا في منتدى سياسي لكنها لم تقل هناك اي شيء لم تقله عشرات المرات قبل ذلك. اما هو فمضى الى منتدى نسيم مشعل، واعلن انه امر الجيش بالاستعداد للعملية. على اية حال تلقت حماس التحذير ونزلت تحت الارض. كان يحتاج الى عملية خداع محكم في يوم الخميس والجمعة والسبت لاخراج افراد حماس الى الخارج مرة اخرى. خرج جنود جولاني الى السبت في بيوتهم بلغط كبير، فقد تحدث الجميع عن ذلك بالهواتف المحمولة (تملك حماس معدات تنصت ايرانية متطورة)، وفتحت المعابر للامدادات الانسانية (بالرغم من ان باراك علم ان الاعلام سيوجه اليه النقد لذلك، بل تلقى طلب لائحة اتهام بالخيانة من اري الداد)، وقال ديوان رئيس الحكومة انه لن توجد مباحثات عن غزة الى يوم الاحد، واشرقت الشمس. وتعاونت حالة الطقس.

        من جهة ثانية نجحت الخدعة نجاحا جزئيا فقط. فلم يخرج الجميع من انفاقهم. في الاصل كان يفترض ان تفقد حماس في الهجوم الاول من 600 الى 700 من النشطاء لا 250. من جهة ثالثة 250 افضل من لا شيء. وعندها اتى باراك مع الحديث الفارغ عن وقف اطلاق النار وشجع حماس على اطلاق صواريخ من صنع الصين على بئر السبع، وهو ما خطط ان يكون حفلة النهاية والنصر لحماس. بعد ذلك اتت جلسة المجلس الامني المصغر، والاعلان الحازم بأننا "مستمرون قدما" ، (وان تكن لفني قد طارت الى باريس في موازاة ذلك)، وكان ذلك قليلا جدا ومتأخرا جدا لان حماس كانت قد تشجعت.

***

        ليست غزة لبنان. من يعلن انه لا يمكن وقف اطلاق صواريخ القسام لا يعلم ما يقول. يمكن وقف الاطلاق. والسؤال هو هل اسرائيل مستعدة لدفع الثمن. اجل سيقتل جنود. فمنذ ستين سنة يقتل ها هنا جنود في الدفاع عن الدولة. يثور انطباع ان المجتمع الاسرائيلي في السنين الاخيرة يفضل ان تصاب الدولة بشرط الا يصاب الجنود. لا يوجد في يهودا والسامرة صواريخ قسام لاننا خرجنا لمعركة "السور الواقي" ولاننا نقوم هناك بالحذاء على حلق حماس، يمكن فعل ذلك في غزة، بثمن معقول بحسب مفاهيم الشرق الاوسط. لكننا نخاف. هذه هي الحقيقة، ليس غير.

        العملية في هذه الاثناء تلبي جميع التوقعات. خطط لاكثر الخطط طوال اشهر قائد المنطقة الجنوبية يوآف جلنت وقائد سلاح الجو السابق اليعزر شكدي. بالمناسبة اصبح يجول جلنت مع محام. من اجل اي مشكلة قد تأتي. وقد تحدثنا انفا عن دروس فينوغراد. جلنت هو القوة الرئيسة التي تدفع الى عملية واسعة في القطاع منذ اكثر من سنة. في النقاشات المسجلة يسمع صوته عاليا في هذا الموضوع. في احد الاحاديث هذا الاسبوع، على قدر اقل من التوثيق، سمع وهو يقول اشياء اخرى. يبدو ان تقديرات حالة الجو وتقديرات العمليات سبب ذلك. ماذا يهم ذلك؟ المهم ان حماس تضررت اكثر مما قدر وتطلق من الصواريخ اقل مما اعتقدنا. كان التقدير ان تطلق حماس في اثناء المواجهة نحو من مئتي صاروخ كل يوم. هذا لا يحدث في هذه الاثناء.

        تبين تقارير استخبارات امان والشاباك في الايام الاخيرة الصورة الاتية وهي ان حماس تلقت ضربة شديدة وستحتاج ونحتاج معها الى وقت لادراك مبلغها. الذراع العسكرية مطاردة، والنشطاء نزلوا تحت الارض والسكان غاضبون. ولم يعد قدس الاقداس وهو مختبر "البنتاغون" في الجامعة الاسلامية موجودا. وقف انتاج الوسائل القتالية والصواريخ، ووقفت التهريبات، وتلقت صناعة الانفاق ضربة شديدة. لا يخفف الجيش الاسرائيلي عن المنظمة، ورؤساء الاذرع والنشطاء العسكريون الرؤساء يهربون ويحاولون الدفاع عن عائلاتهم. الجيش الاسرائيلي "يطرق اسقفهم" : فعائلات القادة الكبار في حماس تتلقى مكالمات هاتفية من الجيش الاسرائيلي. يقال لهم بعربية سليمة اخلوا البيوت. يخليها الاكثرون ويمحى البيت. وبعضهم لا يخلون، ويصعدون الى السقف لاحداث وقاء بشري. تبدأ المروحيات الحربية اطلاق رشقات مدفعية قرب المكان فيهربون. وعندها يسوى البيت بالارض. وكذلك يسوي الجيش الاسرائيلي بالارض مساجد تستعمل لخزن الصواريخ واستعمل مبدئا نجح في لبنان فحواه ان كل من يحتفظ بصاروخ في مخزن سيتلقى صاروخا من النافذة. بغير ما صلة بمن يوجد في تلك اللحظة في البيت. بحسب ما تقول امان والشاباك ايضا تريد حماس وقف اطلاق النار الان جدا. بأي شرط. لكن كرامتهم الذاتية ومبدأ الصمود لا يمكنهم من اعلان ذلك.

        في ليل يوم الثلاثاء اطلقوا اول صاروخ على بئر السبع. في غضون نصف ساعة دمرت قواعد اطلاق وقتل من استعملها، وفي غضون ساعة اتخذا قرار تدمير مكتب اسماعيل هنية الذي اصبح كومة من التراب. يهاجم الجيش الاسرائيلي ايضا مؤسسات حماس بل يهاجم ايضا مكاتب الصرافة. انهارت القيادة والسيطرة، واصيبت شبكات الاتصال اصابة شديدة، ومباني الادارة ورموز السلطة مدمرة. على هذه الخلفية يوجد في الجيش الاسرائيلي من يقولون انه يمكن انهاء ذلك من الجو بخلاف لبنان.

        ليست حماس حزب الله. فالحديث عن المنظمة الارهابية الدنيا في سلسلة غذاء الارهاب في منطقتنا. فا يوجد عمق استراتيجي، ولا توجد بيروت. وايران ودمشق بعيدتان. بل ان نصرالله ما يزال موجودا في وكره ولا يريد ان يعود الى تموز 2006. ليس هدفنا بحسب جهات الجيش الاسرائيلي، احتلال غزة او تهويد هنية، بل توجيه ضربات قاتلة الى الأهوج الذي اقلق الحي. وهذا ما نفعله الان. كيف سينتهي ذلك؟ كل شيء ممكن. الشرق الاوسط كله ينظر الينا. اذا خرج الجيش الاسرائيلي من هذه المواجهة ممتنعا قدر استطاعته عن ملاقاة محاربي حماس؛ واذا دفعت اسرائيل الى تهدئة اخرى قسرية تنقضها حماس في الصباح والظهيرة والمساء، فانه يمكن حقا ان نبدأ رزم بقايا ردعنا والتحصن حول اليركون. لا يعني ذلك انه لا يجب السعي الى وقف اطلاق النار او بحث جميع الخيارات. الامر هو انه اذا اخذنا في الحسبان نوع النماذج التي تحاربنا فانه يجب فعل ذلك كله بهدوء تام. ففي دمشق وطهران وبيروت والقاهرة وعمان وفي كهوف طورا بورا ايضا ينظرون الان الى هنا باهتمام وامل. ليست غزة لبنان لكن الارهاب سوق عالمية وكل صدع سيجلب طوفان اليها.