غزة: ثلاثون سنة من اللامبالاة- هارتس

الساعة 08:06 م|18 مايو 2018

فلسطين اليوم

بقلم: عمانويل تسيون

في مقال يلخص الاحداث على حدود القطاع في بداية هذا الاسبوع، طرح عاموس هرئيل سؤال وقدم جواب ثاقب: "ماذا فعلت اسرائيل لمنع حمام الدم قبل حدوثه. هنا الاجابة هي تقريبا أنه لم يتم فعل شيء. منذ شهرين واذرع الامن تحذر من أن البنى التحتية والوضع الاقتصادي في غزة بائس، البطالة في ارتفاع ومعها ايضا الاحباط والغضب" (حمام الدم معروف مسبقا، "هآرتس"، 15/5). واضاف هرئيل "خلال هذه الفترة تسلح رئيس الحكومة ووزير الدفاع بوثيقة امنية قالت إنه لا توجد بعد ازمة انسانية في القطاع، فقط وضع انساني غير بسيط".

 ولكن مقاربة المؤسسة الاسرائيلية لغزة بشكل عام وبالاساس تطورها الاقتصادي والضائقة التشغيلية فيها ليست ظاهرة جديدة. اللامبالاة ومحاولة اخلاء المسؤولية تميز الحكم الاسرائيلي في غزة منذ ثلاثين سنة تقريبا. عندما سيطرت حماس على القطاع في 2007 اضيف الى اللامبالاة ايضا الانتقام، على أمل أن تضعضع العقوبات الاقتصادية مكانة حماس. حماس التي هي منظمة ارهابية كسبت بنزاهة هذه العقوبات، لكن ما هو مصير السكان؟ الذين من كثرة اليأس يذهبون الآن الى الجدار وفي افضل الحالات يصابون.

وعودة الى موضوع اللامبالاة طويل المدى في علاقة الادارة الاسرائيلية مع السكان الواقعين تحت سيطرتها. هنا يمكنني أن اشهد من تجربتي الشخصية. في 1984 عينت رئيس طاقم تفكير لشؤون الشرق الاوسط اقامه مدير عام مكتب رئيس الحكومة ابراهام تمير. كتحضير للوظيفة تحدثت مع رجال في اذرع الامن المختلفة. المحادثة الاكثر اهمية كانت مع العميد (احتياط) اسحق سيغف الذي كان حاكم غزة منذ 1979 وتم عزله من وظيفته بعد بضعة اشهر قبل محادثتنا على ايدي رئيس الاركان رفائيل ايتان. رئيس الاركان قال، حسب سيغف إنه (سيغلف يحب الفلسطينيين اكثر من اللازم ويهتم بامورهم في الليل والنهار". سيغف نفسه كان قلقا ولكن لسبب مختلف. اسرائيل، كرر وقال، لا تحاول تجنيد استثمارات دولية ومحلية لتطوير اقتصاد القطاع الفقير بعد سنوات طويلة من حكم مصر. المستوى السياسي غير مبال تماما بالعدد الكبير من سكان غزة، وبغياب بنى تحتية، والبطالة المتزايدة في اوساط الشباب، المثقفين، ولا بالضائقة السكنية. قررت أن يكون المشروع الاول لطاقم التفكير الذي اترأسه هو التركيز على غزة وأن يتم بمشاركة رئيس الادارة المدنية الجديد في غزة العميد يشعياهو ايرز ومستشاره للشؤون العربية العقيد دافيد حاخام. حصلنا ايضا على مساعدة من قسم البحث في الاستخبارات العسكرية والشباك.

في حزيران 1985 انتهى البحث. التقرير ارسل كالعادة الى رئيس الحكومة ووزير الدفاع ومدراء عامين في الوزراء ورؤساء الاذرع الامنية المختلفة.

ماذا اكتشفنا في هذا البحث؟ قبل كل شيء وجدنا أن سيغف كان محقا في تشخيصه. واذا كان قد دعا الى التعبير عن نفسه بلغة لينة ومنضبطة، لقد اعتقدنا انه يجب دق اجراس الانذار. كان يبدو لنا ان ازمة بنيوية في طريقها الى القدوم، وان كان العنف في غزة ما زال محدودا وميز فقط رجال فتح، وبقايا من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكذلك جهات سلفية من مدرسة إبن حنبل، الذين ركزوا جهودهم في احراق المساجد التي توجد فيها قبور أولياء كتجذير لعبادة الاصنام. لماذا خفنا من ازمة؟ غزة كما وجدنا، تميزت باكتظاظ سكاني يصنف بأنه الرابع في العالم. نسبة الولادة تزيد على اربعة اولاد، ونسبة التكاثر الطبيعي هي 4.13 في المئة سنويا. اثناء كتابة التقرير كان يعيش في غزة حوالي نصف مليون فلسطيني، وعلى اساس هذا المعطى قمنا باحتساب عدة توقعات محتملة كلها مدهشة جدا، وتبين أننا فيها كلها كنا مخطئين. اليوم يعيش في غزة 2 مليون شخص تقريبا، أي أن السكان زادوا بأربعة اضعاف خلال ثلاثين سنة.

في غياب الاستثمار في البنى التحتية فان وتيرة البناء كانت منخفضة جدا. لقد وجدنا أن الاستثمار في هذا المجال لا يغطي وتيرة تزايد السكان، والاخطر من ذلك كان مشكلة التشغيل: كان في غزة عدد صغير من المصانع الصغيرة (في مجال النسيج) التي خصصت للسوق المحلية. الفرع الذي كان يبدو أنه واعد جدا هو فرع الحمضيات الذي كان يمكن تأسيس عليه صناعة العصائر لـ "برتقال يافا"، التي انتقلت من اسرائيل الى غزة بعد أن تحولت بيارات اسرائيل الى عقارات تدر الدخل. لماذا لم يقم مبادرون من غزة بانشاء صناعة عصائر فاخرة؟ ببساطة لأن اللوبي الزراعي في اسرائيل وقف بالمرصاد من اجل عدم اعطائهم تراخيص من وزارة الدفاع ومن الحكم العسكري في غزة. كان في التقرير ايضا معطيات مختلفة، لكني لا اريد الاثقال على القاريء، يكفي القول إن نسبة البطالة حتى قبل سيطرة حماس كانت اكثر من 30 في المئة.

لسذاجتي اعتقدت أن هذا التقرير سيؤثر، لكن سرعان ما تم ارشفته ونسيانه. صديق صباي كان في حينه وزير وقمت بالتشاور معه، وقال لي انه يجب ان استثمر في تسويق التقرير. وعدم الاعتماد على الصيغ الواضحة والمدهشة. لذلك ماذا كان افضل من التوجه الى سكرتير الحكومة الذي هو شخص مثقف وله ميول حمائمية واضحة. حددت لقاء مع د. يوسي بيلين الذي استقبلني خلال ثلاثة ايام. كما هو متوقع كان مهذب وحضر دروسه جيدا. التقرير كان موضوع امامه واجزاء مهمة فيه تمت الاشارة عليها باللون الاصفر، لقد استمع الي وسأل اسئلة للاستيضاح، ثم قال لي بشفقة "انظر، أنت كما هو معروف محق، لكن رئيسي هو شمعون بيرس وأنا يمكنني طبعا توجيه اهتمامه للتقرير. هل تعتقد أنه سيدخل في خصومة في هذا الامر مع اسحق رابين؟ غزة هي ضمن مسؤولية وزير الدفاع". سألت "لكنه هو رئيس الحكومة وله مسؤولية اعلى". بيلين هز كتفه وقال "في الحقيقة انت تقرأ الصحف وتعرف وضع العلاقة بينهما". افترقنا بأدب وأنا اعرف انه لن يخرج شيء من الجهد الذي بذل في التقرير.

الاجابة على سؤال عاموس هرئيل الثاقب تعود وتظهر الآن بصورة تشبه الفشل الذي حدث عشية الانتفاضة الاول. اللامبالاة والاهمال تقودنا الى ازمة جديدة. عندما توجد ازمة فان اجهزة الامن تعرف كيف ستتعامل معها. المستوى السياسي بالطبع مثلما كان الامر في حينه سيكون الآن لا يتحمل أي مسؤولية. لماذا يقوم بذلك بجدية من اجل مليوني فلسطيني في غزة.

كلمات دلالية