شاهر.. أباً بعد 9سنوات ومودعاً نجله في عامه الاول

الساعة 11:47 ص|16 مايو 2018

فلسطين اليوم

مثلما كانت ولادة عبد الله المدهون في 14 مايو/ أيار 2017، تاريخًا مفصليًّا في حياة والده شاهر، فإن ذات التاريخ، سيكون مفصليًّا أيضًا في حياة الطفل الذي يبلغ من العمر الآن؛ عامًا واحدًا.

لقد فقد والده في ذات اليوم الذي ولد فيه وأبصر النور، لكن بعد عام بالتمام والكمال، بعدما انتظره والداه 9 سنوات متصلة.

لم تسعه الدنيا يومها، وبكى الجميع فرحًا، وبعد عام بكوا مجددًا حزنًا على رحيل الأب عقب إصابته برصاصة قناص إسرائيلي، شرق غزة.

"أذكر كيف كان فَرِحًا بابنه، لقد كان ينتظره على أحرِّ من الجمر (..) احتضنه يومها وبكينا معًا"، يقول شرف المدهون الشقيق الأكبر للشهيد شاهر عن لحظة ولادة عبد الله.

"تمنى أن يكون أبًا لتسع سنوات حرم خلالها من الأبناء؛ ولم يدخر خلالها جهدًا في مراجعة الأطباء وإجراء العمليات سعيًا للإنجاب".

وعندما كبر الطفل، كان يرافق والده أغلب الأوقات. حتى أنه مع انطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، كان عبد الله يشارك والده في زيارته لمخيمات العودة.

ويقول شقيقه: إن شاهر -ينحدر من مدينة المجدل المحتلة منذ 70 سنة مضت- كأي لاجئ آخر، متمسك بحقه في العودة التي هجرت عائلته منها عنوة تحت وطأة "المجازر" التي ارتكبتها "العصابات الصهيونية" آنذاك.

"ولم يكن من الأشخاص الذين يفكرون بالهجرة بسبب ضيق الحال في قطاع غزة، أو بأي أمور دنيوية أخرى. كان دائمًا يسأل والدته الدعاء له بالشهادة".

ولذلك، كان واحدًا من المشاركين في مسيرات العودة الممتدة منذ 30 مارس/ آذار الماضي، الذي صادف الذكرى الـ42 ليوم الأرض.

وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لشاهر برفقة والدته ونجله، في أثناء زيارتهم لمخيمات العودة المقامة قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة سنة 1948.

"كان حريصًا على المشاركة في المسيرات" يقول شقيقه لـ"فلسطين"، بصوت مختنق.

وانطلق مئات آلاف الغزِّيين في مسيرات حاشدة تجاه السياج الفاصل، الاثنين الماضي الموافق 14 مايو.

ولاقى المشاركون في المسيرات وغالبيتهم العظمى من اللاجئين، قوة مميتة من جيش الاحتلال لمنع المتظاهرين من عبور السياج تجاه الأراضي المحتلة.

وأطلق جنود الاحتلال المختبئون وراء التلال الرملية العالية ويطلون بأسلحة قناصة من خلفها، الطلقات النارية بكثافة فضلاً عن الغازات السامة تجاه المتظاهرين السلميين.

وكان شاهر واحدًا من ضحايا هذه القوة المميتة التي أوقعت عشرات الشهداء وآلاف الإصابات.

"أصيب برصاصة قناص إسرائيلي أثناء تواجده شرق بلدة جباليا (الواقعة في شمالي قطاع غزة)" يقول شرف، بصوت اختنق حزنًا على شقيقه.

ويظهر فيديو قصير انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة اصابته برصاصة أردته أرضًا وغيبته عن الوعي تمامًا، في وقت كان طاقم إسعافي تقديم الإسعافات الأولية له.

"لكن هذا لم يفلح في إنقاذ حياته بسبب الرصاصة المتفجرة التي اخترقت الجانب الأيمن من الرئة وخرجت شظاياها من الجانب الأيسر، وتسببت بنزيف داخلي".

وعلى وقع المذبحة التي قام بها جنود الاحتلال شرق غزة في اليوم الذي افتتحت فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقر سفارتها في القدس المحتلة قادمة من (تل أبيب)، استقبلت العائلة خبر إصابة نجلها.

لحظتها، كان شرف يسأل: هل هذه هي المفاجأة التي وعدني بها في يوم ميلاد نجله؟

وما هي إلا ساعات، حتى وصل خبر استشهاد شاهر لعائلته، ووقع كالصاعقة على العائلة التي تسكن في حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة.

يقول شرف: إن الساعة التي ولد فيها عبد الله، هي أيضًا ذات الساعة التي استشهد فيها والده من ذات اليوم الذي لن ننساه (14 مايو)".

لقد كان يحضر مفاجأة كبيرة للاحتفال بالعيد الأول لعبد الله، ووعد بذلك زوجته آلاء ووالدته وأشقاءه الخمسة؛ "مفاجأة مزبطة" كانت على حدّ وصف الشهيد.

لكن أحدٍ لم يعلم أن مفاجأة شاهر، أنه سيعود محملاً على الأكتاف شهيدًا كما غيره العشرات ممن قضوا بالرصاص الإسرائيلي في ذات يوم استشهاده.

وبذلك، بات استشهاد شاهر ذكرى أليمة بالنسبة لابنه عبد الله، سيحييها في كل عام لطالما ارتبطت ولادته بفقدان والده. سيحييها في كل مرة يحتفل فيه بيوم ميلاده.

صحيفة فلسطين 

كلمات دلالية