خبر حرب واقية..هآرتس

الساعة 09:54 ص|01 يناير 2009

بقلم: اري شفيت

عملية الرصاص المسكوب هو عملية عادلة. عادلة لان اسرائيل هدمت في صيف 2005 بيديها جميع المستوطنات في قطاع غزة وانسحبت انسحابا من طرف واحد الى الحدود الدولية. وهي عادلة لان السلطة الفلسطينية في غزة لم تستغل في السنين 2006-2008 انهاء الاحتلال لبناء نفسها ومستقبلها بل هاجمت مرة بعد اخرى اسرائيل داخل الخط الاخضر.

 

وهي عادلة لان دولة اسرائيل كظمت غيظها وضبطت نفسها لمدة ثلاث سنين كاملة. وهي عادلة لانه لا توجد دولة في العالم تستطيع ان تسلم وقتا طويلا لوضع يسلم فيه مواطنوها وتصدع سيادتها. وعادلة لانه لا احتمال للسلام في الشرق الاوسط، اذا كانت الدولة اليهودية ترى فريسة سهلة تنزف داخل الماء وتجتذب اليها اسماك القرش.

 

عملية الرصاص المسكوب هي عملية مأساوية. مأساوية لانها تسبب موت مئات الفلسطينيين وجرح الالاف. مأساوية لانها تجعل مواطنين فلسطينيين ابرياء من النساء والولدان يصابون في اجسامهم وانفسهم. مأساوية لانه ككل حرب تحدث ازمة انسانية لا تحتمل وعذابات تحطم القلب.

 

لكن المأساة الكامنة في عملية الرصاص المسكوب حتمية. فهي تنبع على نحو مباشر من حقيقة ان الفلسطينيين لم يستغلوا كما ينبغي الفرصة التاريخية التي اعطوها في سنة 2005. وتنبع من حقيقة انه عندما حظي الفلسطينيون لاول مرة في التاريخ بحكم ذاتي استعملوه استعمالا فاسدا. وتنبع من حقيقة ان الحاجة الفلسطينية الى تدمير اسرائيل ما تزال اقوى من رغبتهم في بناء فلسطين.

 

يصف اسرائيليون من كارهي اسرائيل عملية الرصاص المسكوب على انها جريمة حرب. وهم يعدون واحدا واحدا اسماء القتلى الفلسطينيين، وينددون مرة بعد اخرى بالعمليات الاسرائيلية ويصفون دولتهم على انها دولة زعارة. في حين يعلم المصريون ان يقولوا ان المسؤولية عن مأساة غزة ملقاة بقدر كبير على حماس، يلقي اسرائيليون من كارهي اسرائيل المسؤولية كلها على حكومتهم وجيشهم. وفي حين تتفهم الجماعية الدولية بصمت، ان الدولة ذات السيادة ملزمة الدفاع عن حياة مواطنيها، يعتقد اسرائيليون من كارهي اسرائيل ان حياة الاسرائيليين مشاع.

 

وفي حين تشير الحقائق البسيطة الى ان العنف في الجنوب ينبع من تصرف آثم لمنظمة متطرفة جعلت القطاع منطقة ارهاب، يتمسك اسرائيليون من كارهي اسرائيل بكراهيتهم لشعبهم ووطنهم ويمنحون عدوان حماس المدمر دفاعا اخلاقيا.

 

لا مكان لكراهية الاسرائيليين من كارهي اسرائيل. ففي نهاية الامر موقفهم انفعالي. ولا يوجد في محاولتهم اظهار البر حق، ولا اخلاق في اخلاقيتهم. ان عدم قدرتهم على ابداء الشفقة على الاسرائيليين من بئر السبع واسدود وعسقلان وسديروت يشهد على ان فيهم قدر من بلادة الاحساس. ان عدم قدرتهم على ان يروا مطلقي صواريخ الغراد العرب محتملين للمسؤولية عن اعمالهم يشهد بأنهم غير برآء من التحكم.

 

ليس الدافع الحقيقي للاسرائيليين من كارهي اسرائيل اهتماما حقيقيا بالفلسطينيين، بل نوعا من العنصرية العكسية. فهم بابدائهم التسامح مع الفاشية الفلسطينية، لا يديرون ظهورهم للاسرائيليين فقط بل للفلسطينيين المعتدلين طالبي الحرية ايضا. ان من يتهم اسرائيل بكل شيء ويبرىء الفلسطينيين من كل شيء لا يخدم السلام ولا يقرب نهاية العنف وانهاء الاحتلال. كل ما يفعله هو البرهان على مبلغ اعماء كراهيته المتقدة اياه.

 

ان عملية الرصاص المسكوب في اساسها عملية حكيمة وتثير الانطباع. فقد كانت المباغتة ساحقة، والمعلومات الاستخبارية دقيقة، والتوقيت ذكيا. وان حقيقة ان العملية انطلقت بعد ستة اشهر من الهدوء نقضتها حماس اعطاها تأييدا سياسيا وتسويغا اخلاقيا. وحقيقة انها خطط لها بحرص ونفذت بحرص اعادت ثقة ما بالقدرة الاسرائيلية.

 

ربما كان هنالك مكان للوقف بعد الضربة الجوية الاولى وتدمير الانفاق. وربما ينبغي الان تبني اقتراح وقف اطلاق النار المؤقت الفرنسي ومنح فرصة اخيرة لسلامة العقل لدى الفلسطينيين. لكن من يرفض العملية من اساسها مصاب بالعمى عن الواقع وبعيب اخلاقي.

 

ستكون الايام المقبلة صعبة. وقد توجد اخطاء، وربما توجد ورطات، وربما يسقط ضحايا. لكن من اجل ذلك خاصة ليس هذا وقت حملة كراهية للقادة والزعماء والمقاتلين والطيارين. بل العكس. هذا وقت مؤازرة رئيس الحكومة ايهود اولمرت الذي يبرهن الان على انه زعيم وطني ذو قدرة.

هذا وقت القيام من وراء القادة والمحاربين والطيارين الذين يقضون الليالي والايام محاولين ادارة حرب صعبة ومعقدة لا شيء اعدل منها. هذا وقت ان تسلك اسرائيل اخر الامر مثل امة ناضجة تدافع عن نفسها بحكمة وبضبط للنفس.