خبر أعودة الى اعراض لبنان؟..هآرتس

الساعة 09:52 ص|01 يناير 2009

بقلم: اسرائيل هارئيل

يتلقى كثيرون في هذه الايام في الانترنت ومصادر مختلفة الرسالة التي يسمع فيها صوت اسحاق رابين يهاجم باستهزاء جبناء السلام، الذين يهددون بان ادخال قوات ياسر عرفات غزة ستؤدي الى صواريخ كاتيوشا على عسقلان. قبل نحو من نصف سنة عندما كانت حماس في حالة صعبة واستجدت هدنة، حذر كثيرون من انه اذا استجابت اسرائيل واخرجتها من حالتها الصعبة، فان الصواريخ التي ستطلق بعد ان تنعش من سقطتها ستصل اسدود وقد تصل بئر السبع ايضا.

 

لكن ايهود باراك، بقرار محير، استقر رأيه على تمكين حماس من نعش صفوفها، وزيادة قدراتها، وانتاج وسائل قتالية، وتهريبها، لم تكن في حوزتها من قبل، وان تطور نفسها من عصابات ارهاب الى منظمة عسكرية تقلد حزب الله. والان يدفع سكان النقب، وعلى رأسهم سكان قطاع غزة، ثمن الضعف والقيادة الفاشلة لوزير الدفاع- وتتحمل الحكومة كلها المسؤولية الجماعية.

 

هدف "الرصاص المسكوب" المعلن ("انشاء واقع امني جديد") هو في الحد الادنى ويبين عدم استعداد اسرائيل للقتال من اجل تحقيق حسم بعيد الامد، ينشأ واقعا شاملا لا امني جديدا فقط.

 

وأسوء من ذلك ان شكل ادارة المعركة بعد الضربة الجوية المدهشة يثير مخاوف من ان هذا الهدف المتواضع ايضا لا ينوي قواد العملية تحقيقه، ومن جملة اسباب ذلك ان اسرائيل ابدت الضعف اولا.

 

لم يبدأ ابداء الضعف اول من امس مع اعلان ايهود باراك ان اسرائيل تزن هدنة "انسانية" لثمان واربعين ساعة. فقد كانت بداية ذلك في الواقع بعد انهاء الموجات الاولى من الهجوم الجوي مباشرة. وعندما لم تصحبها من الفور عملية برية – اوحت اسرائيل كما في لبنان انها لا تريد التوصل الى حسم استراتيجي وانها لا تملك لا الارادة ولا التصميم ولا الثقة بالذات بقيادة اجراء عسكري يتجاوز عملية مجازاة وعقاب.

 

في الحقيقة ان هذه عملية كبيرة ومؤلمة، لكنها ليست عملية قتالية- بالرغم من اسمها الطموح- تفضي الى وقف حقيقي للكابوس الذي عمره ثماني سنين والذي يعيشه سكان النقب.

 

كلما مرت الايام وظل اساس العملية هو القصف الذي لا يستطيع – كما في لبنان وقف اطلاق الصواريخ، فان الجمهور يبدأ يشعر (والجدل في القيادة في وقف اطلاق النار يبرهن على ذلك) بأن الاجراء يفقد الزخم. وينشأ ولا سيما في بلدات النقب طعم اضاعة فرصة.

 

المزاج الوطني العام، الذي تسامى مرة اخرى في السبت الماضي، بدأ ينحط، واخذ يتغلغل مرة اخرى احساس بخيبة الامل. فالجمهور لا يستطيع ان يسلم لوضع تلمح فيه دولته ذات السيادة التي هي ذات قدرة عسكرية ذات شأن، وبإزاء حماس بيقين، الى انها مستعدة لوقف المعركة في ذروتها، قبل ان يقدم رد حقيقيا على المشكلة التي خرج الجيش الاسرائيلي للمعركة من اجلها.

 

لولا القذائف الصاروخية الثمانون، والصواريخ وقذائف الهاون التي اطلقت على النقب في يوم الاربعاء الماضي واثارت غضبا عاما لم يستطع رئيس الحكومة ووزير الحرب ان يسمحا لانفسهما بالمرور عليه مر الكرام- ولا سيما عشية الانتخابات- فلا إخال ان العملية كانت ستنطلق. وهكذا كانت الحال ايضا بعد العملية الاستشهادية في ليل عيد الفصح في نتانيا في سنة 2002. بعد العملية الصعبة، وبعد اكثر من 130 قتيلا في عمليات انتحارية في شهر سبقها، لم يكن اريئيل شارون يستطيع بعد ان يزعم ان "ضبط النفس قوة". لكن انذاك عندما انطلقت عملية "السور الواقي" اخر الامر، كان الهدف القضاء على الارهاب.

 

انذاك ايضا تمت ادارة معركة اعلامية صارخة معارضة لدخول المدن؛ وانذاك ايضا خوف المراسلون والمحللون العسكريون، وفيهم جنرالات متقاعدون من انه سيكون هنالك كثيرون من القتلى؛ وانذاك قالوا انه لا يمكن القضاء على الارهاب بوسائل عسكرية. لكن النتائج بعد مضي ثماني سنين، تتحدث من تلقاء نفسها. بالرغم من ان اسرائيل بعد انقضاء العملية انسحبت من المدن الكبيرة مثل نابلس، ورام الله، وجنين، فقد تبين ان تدمير بنى الارهاب التحتية والصدمة النفسية التي جربتها المنظمات تمكن الجيش الاسرائيلي منذ ذلك الحين الى اليوم، من ان يضاءل عدد العمليات الفلسطينية على نحو حاد. وذلك في الاساس لان الجيش يستطيع عند الحاجة دخول المدن بلا عائق تقريبا لاعتقال من يخططون لعمليات انتحارية او ينتجون الصواريخ التي خصصت للانفجار في التجمعات السكنية في غوش دان.

 

اذا كانت مع ذلك كله عملية برية في غزة فلا يحل ان تكون مترددة. واذا كانت القيادة السياسية والعسكرية لا تملك شجاعة المخاطرة بحياة الجنود لحسم المعركة وتحقيق اهدافها فأحسن الا تعرضهم للخطر.

 

واذا لم يكن القصد الخفي هو الحسم بل هدنة اخرى- فحرام استعمال  القوات البرية. لان العدو سيعود ويبني قدراتها من جديد ويهرب الصواريخ التي ستستطيع هذه المرة اصابة ديمونا. وربما تل ابيب ايضا. ومرة اخرى سيرسل سلاح الجو. ومرة اخرى بعد تحطيم كل شيء ستكون هنالك ضربة جوية مدهشة.

ثم ماذا؟ والى متى؟