ما الذي أحبه نتنياهو في خطاب عباس - هآرتس

الساعة 12:52 م|07 مايو 2018

فلسطين اليوم

بقلم: دمتري شومسكي

بعد الخطاب ذو الرائحة اللاسامية لمحمود عباس في افتتاح الجلسة الـ 23 للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي قام بالاعتذار عنه بعد ذلك، سمع نتنياهو وهو يستشيط غضبا. ولكن يمكن الافتراض أنه من اعماق قلبه شعر رئيس حكومة المستوطنين برضى لا بأس به. حيث أن الحقيقة هي أن الاقوال المحرجة للرئيس الفلسطيني عن اليهود وعن الصهيونية والكارثة تدل على ابعاد الهزيمة التي تعرضت لها الوطنية الفلسطينية على أيدي الاحتلال الاسرائيلي. هل يمكن تصور هزيمة اكبر للمضطهد من استيعاب الخطاب المضطهد؟ نعم، رواية أبو مازن عن تاريخ الشعب اليهودي وحركته الوطنية هي مثابة صورة مرآة للرواية السائدة في دولة نتنياهو عن تاريخ الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية.

مثلما أنه من اقوال عباس يبدو أن المصيبة الوطنية للشعب اليهودي – الكارثة – حدثت بسبب الدور الاجتماعي – الاقتصادي لليهود (أي بذنبهم)، هكذا ايضا فان ضحايا الكارثة الوطنية الفلسطينية – النكبة – مطروحة في الخطاب الاسرائيلي المقبول وكأنهم كانوا مسؤولين عن حدوثها. اضافة الى ذلك، في محاولة لنفي مجرد الوجود القومي التاريخي للشعب اليهودي، وصلته بأرض اسرائيل، فان عباس ادعى أن اليهود الاشكناز هم احفاد الخزر الذين تهودوا، وهم اثنية تركية من آسيا الوسطى، لم يكن لها أي علاقة تاريخية بارض اسرائيل. كما أن اعداد كبيرة من اليهود الاسرائيليين، ولا سيما مؤيدو الحكومة الحالية، ولكن ليس فقط وحدهم، ينفون بشدة وجود الشعب الفلسطيني بذريعة أن العرب الفلسطينيين الموجودين الآن هم في معظمهم احفاد العرب المسلمين الذين اصلهم من ارجاء الشرق الاوسط وليس بالتحديد من فلسطين.

سيقال على الفور، سواء من اقوال عباس عن تاريخ اليهود أو في الخطاب الوطني الاسرائيلي، عن تاريخ الفلسطينيين بأنه توجد نواة جوهرية من الحقيقة. صحيح أن الرواية عن تهويد الخزر في وقت ما من القرن التاسع أو العاشر هي اسطورة ليس لها اساس تاريخي، كما اظهر قبل خمس سنوات زميلي من قسم التاريخ لشعب اسرائيل واليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية، البروفيسور شاؤول شتمبيبر، لكن لا يمكن نفي أنه خلال آلاف السنين من تاريخ اسرائيل انضمت للشعب اليهودي مجموعات اثنية مختلفة لم يكن لاصلها الجغرافي أي صلة بارض اسرائيل: رومان من ابناء عهد يوفناليس وديوكيسيوس، ديونواس ملك حمير والقبائل العربية الجنوبية في منطقة اليمن في القرن السادس الميلادي، قبائل بربرية في شمال افريقيا وغربها في الفترة الموازية؛ روس واوكرانيين ومن روسيا البيضاء الذين جاءوا الى دولة اسرائيل سوية مع ابناء عائلاتهم اليهود في اطار الهجرة من الاتحاد السوفييتي سابقا.

من الواضح بنفس الدرجة أن اقدام اجداد كثير من الفلسطينيين لم تطأ في أي يوم ارض فلسطين، حيث أنه قبل التقسيم الكولونيالي المشوه للشرق الاوسط العربي الى مناطق انتدابية، التي اعاقت بشكل كبير التطور الطبيعي للقومية العربية الحديثة، فقد كانت فلسطين خلال مئات السنين جزء لا يتجزأ من الفضاء العربي الكبير والمفتوح. اجل، إن من يصمم على حبس الرواية القومية التاريخية للعرب الفلسطينيين في حدود جغرافية ضيقة بين نهر الاردن والبحر المتوسط من اجل مناكفة الصهيونية، يتجاهل الديناميكيات والانفتاح الفضائي للثقافة والشخصية العربية على مر الاجيال.

إلا أن كل الحقائق الاثنو – ديمغرافية هذه من الماضي البعيد والقريب ليس فيها ما من شأنه أن يغير الحقيقة الاجتماعية – السياسية الاساسية للواقع الملموس: سواء الاسرائيليون أو الفلسطينيون يرون في ارض اسرائيل/ فلسطين وطنهم القومي العزيز والوحيد في العالم، وهما غير مستعدين لمغادرته حتى لو لم يكن بلاد الاصل لاجداد عدد منهم. وحتى اذا لم يتم اعتبارها ذات يوم كبلد اصلي لهم. ازاء هذه الحقيقة فان الشعبين اليهودي الاسرائيلي والعربي الفلسطيني يستحقان تقرير المصير القومي هنا، مثلما كل الشعب الاخرى تستحق حرية قومية في وطنها المحبوب.

مبدأ تقرير المصير الجماعي للقومية الحديثة لا يعني بالضرورة انشاء دولة قومية ذات سيادة بالتحديد. نظريا يمكن ايضا تطبيق حق تقرير المصير السياسي لليهود الاسرائيليين والعرب الفلسطينيين في اطار الفيدرالية اليهودية العربية – النموذج الذي لم تخف منه الحركة الصهيونية في يوم ما، ولكن لأن "الدولة الواحدة" بين نهر الاردن وبحر القمع الجماعي للفلسطينيين على أيدي اليهود، لا يتوقع أن يختفي دون حرب أهلية – ستؤدي الى شرخ نهائي وتام بين المواطنين اليهود والعرب وتغرق بالدماء المطامح القومية للشعبين – فان البديل الوطني المتساوي الوحيد لمستقبل ارض اسرائيل/ فلسطين هو تقسيم السيادة بين دولتين مستقلتين الى جانب بعضهما مع حدود مفتوحة ومع احترام وطني متبادل.

هاكم في هذه النقطة الجوهرية يتضح لدي الفرق الاساسي بين خطاب نفي "الآخر" في دولة نتنياهو من جهة، وخطاب عباس من جهة اخرى. اسرائيل المحتلة والمستوطنة تدين النفي الذي ليس له اساس لوجود الشعب الفلسطيني بافعالها على الارض عندما تقوم بتقسيم ارضه الى جيوب خانقة تشبه الغيتو، التي تقع تحت الحكم العسكري المباشر أو غير المباشر للاحتلال. في المقابل، أبو مازن – واصل في خطابه النفي الذي لا اساس له لوجود الشعب اليهودي – يصادق مع ذلك بوضوح على التزامه بحل الدولتين الذي اساسه اعتراف فعلي بمبدأ تساوي الحقوق القومية بين شعبي البلاد. نت الخسارة فقط أنه في اقواله المسيئة والزائدة عن الماضي اليهودي، وفر الرئيس الفلسطيني ذريعة اخرى لاسرائيل كي تواصل تخريب احتمالية هذا الحل ومواصلة سياسة القمع والارهاب ضد أبناء شعبه.