قائمة الموقع

الرائحة اللاسامية ليست الأساس - هآرتس

2018-05-02T14:09:00+03:00
محمود عباس

بقلم: عميره هاس

 

(المضمون: خطاب الرئيس محمود عباس في المجلس الوطني الفلسطيني عبر عن اسلوبه الرسمي وتجاهله للانتقادات. والرائحة اللاسامية التي انبعثت من خطابه ليست الاساس، وقد تمسك بها الاعلام الاسرائيلي من اجل تجاهل الرسائل المتضمنة في هذا الخطاب - المصدر).

 

التاريخ اليهودي فرض على الفلسطينيين، لذلك هم يحتاجونه في كل مناسبة. كل فلسطيني يعتبر نفسه أن له الحق، وهو حقا محق في أن يطرح التاريخ الجغرافي لبلاده وشعبه كقوة موازية للرواية الصهيونية. هكذا ايضا يعمل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خطاباته في المناسبات العلنية، وهكذا عمل ايضا أمس في افتتاح الجلسة الـ 23 للمجلس الوطني – الذي يفترض أن يكون البرلماني الفلسطيني الشامل.

 

الملخص التاريخي والجغرافي لعباس هو أن اقامة دولة لليهود هو مشروع كولونيالي لدول مسيحية، وأن من فكروا بالمشروع كانوا من كارهي اليهود الذين لم يرغبوا في عيش هؤلاء في دولهم. ولكن في الملخص الشرعي لعباس هناك اخطاء مربكة، سهوات كبيرة وايضا ادعاء مع رائحة لاسامية قوية: في اوروبا كرهوا اليهود ليس بسبب دينهم، بل بسبب اعمال تجارية مثل "الربا والبنوك".

 

إن تمسك عباس بالسقوط في شرك مقولات ستساعد الاعلام الاسرائيلي، الذي يتجاهل تماما رسائله ذات الصلة بطريق السلام، تخبرنا عن الرجل وعن اسلوب حكمه: هو متسق في مواقفه، لا يصغي للانتقاد، لا يتشاور مع الآخرين أو أنه ينتخب مستشارين لا يقولون له أي شيء لا يريد سماعه. وهو ايضا يختار أن يتم ابلاغه فقط عن ما هو مريح له. هذه من بين صفات اخرى، هي الصفات التي احتاجها من اجل نجاحه في التحول الى حاكم استبدادي لفتح وم.ت.ف والسلطة الفلسطينية، الى جانب سيطرته على الاموال ودعم دول اوروبا له بسبب تمسكه باتفاقات اوسلو. هذه الصفات مكنته من مواصلة ما بدأ به ياسر عرفات: افراغ م.ت.ف من المضمون الفلسطيني الشامل، واخضاعها فعليا للسلطة الفلسطينية. وكحاكم منفرد، عباس يتجاهل بصورة متسقة قرارات المؤسسات التمثيلية، وبسبب ذلك استمر التنسيق الامني بين الاجهزة الامنية الفلسطينية واسرائيل، رغم كل القرارات بوقفه، التي اتخذت في السنوات الاخيرة من قبل جهات ممثلة لفتح وم.ت.ف.

 

الجزء التاريخي الجغرافي في الخطاب ليس الاساس. تحذيره الخفي لسكان قطاع غزة وحماس، بأنه ينوي وقف شملهم في ميزانية السلطة الفلسطينية أو تقليص اكبر لنصيبها في ميزانية السلطة. هناك اهمية أكبر وتداعيات مقلقة للمستقبل. عباس قال ايضا إن "ما سمي بالربيع العربي كان كذبة اخترعتها امريكا" كوسيلة لتفكيك الدول العربية. هذه الاقوال تشير الى استخفاف عميق بالثورات الشعبية ومعاناة المواطنين تحت الانظمة الاستبدادية. على اساس هذا الاستخفاف، فان اقواله بأن الطريق الى دولة فلسطينية ستكون ايضا من خلال النضال الشعبي "غير المسلح" ضد الاحتلال الاسرائيلي، الى جانب الدبلوماسية، يتم تفسيرها كتلاوة احتفالية للنص فقط. النضال الشعبي هو اكثر بكثير من مظاهرات في مناطق الاحتكاك مع الجيش الاسرائيلي، وهو يحتاج الى تغيير اساسي في علاقة السلطة الفلسطينية باتفاقات اوسلو، كما قال ايضا اعضاء كبار في فتح. الرسالة من اقواله حول الربيع العربي هي أنه طالما أن عباس في الحكم فان هذا لن يحدث.

 

الخلاصة التاريخية الجغرافية لعباس انتهت بالاقوال التالية: "نحن نقول إننا لن نقوم باقتلاعهم، ونقول إننا سنعيش معهم على قاعدة الدولتين". خلال الخطاب قال عدة مرات نحن "نتمسك" بهذا المخرج للنزاع "في حدود 1967"، حيث يكون شرقي القدس عاصمة الدولة الفلسطينية. هنا، فان رسميته تمكنه من التمسك باقتراح حل فقد اهميته ومنطقيته، لا سيما في نظر جيل الشباب.

 

عباس قال إنه يستند الى كتاب يهود، وحتى صهاينة، وبدأ بآرثر كستلر "الصهيوني"، كما أكد أنه في الفرضية التي اقترحها في كتابه "السبط الـ 13" فان أصل اليهود الاشكناز هو من منطقة الخزر. هؤلاء الناس ليسوا ساميين، قال عباس، وليست لهم علاقة بالشعوب السامية وسيدنا ابراهيم وسيدنا يعقوب. هؤلاء اليهود (أي الخزر المهودين)، قال عباس، انتقلوا الى شرق وغرب اوروبا، وكل 10 – 15 سنة تعرضوا لمذبحة في هذه الدولة أو تلك، منذ القرن الحادي عشر وحتى حدوث الكارثة. "لماذا حدث ذلك؟ هم يقولون "لأننا يهود". وأنا أريد عرض ثلاثة يهود في ثلاثة كتب وهم جوزيف ستالين...". في هذا الجزء من خطابه الذي استهدف شرح أن اليهود تمت مطاردتهم بسبب اشتغالهم بـ "الربا والبنوك" حدثت ضجة ما وهُمس له بأن ستالين لم يكن يهوديا. عباس في البداية أصر، وبعد ذلك قال شيء ما وانتقل الى الكتاب اليهود التالين. في النص المكتوب الذي نشر في وكالة الانباء الرسمية "وفا" بقي كما كان اسم ستالين كـ "كاتب يهودي". وبعد ذلك كتب "ابراهام واسحق نوتشراد" (هذه الاسماء غير معروفة للكاتبة). خلال الخطاب الذي تم بثه ببث مباشر في القناة الفلسطينية سمع وكأنه قال ايزاك دويتشر، المؤرخ الماركسي.

 

عباس قال في خطابه إن اقامة دولة لليهود في فلسطين كانت في بدايتها فكرة لمسيحيين وسياسيين مثل كرومويل ونابليون و"قنصل امريكي في القدس في العام 1850". "قبل أن يعطي آرثر بلفورد تصريحه"، قال عباس، "اتخذ قرار بمنع دخول اليهود الى بريطانيا، بسبب كراهيته لهم...". (كان يقصد قانون الاجانب الذي اصدره البرلمان البريطاني في 1905، عندما كان بلفورد رئيسا للحكومة. هذا القانون قيد الهجرة من مناطق لا تعتبر جزء من الامبراطورية البريطانية، وفُهم أنه رد على الهجرة الكبيرة لليهود اساسا، من شرق اوروبا، منذ العام 1880). تفسير كهذا لتصريح بلفور ليس غير مقبول. عباس لم يتجاوز ايضا اتفاق النقل بين السلطات النازية والوكالة اليهودية (أو حسب صياغته: بنك انغلوفلسطين في القدس)، الذي مكن اليهود اصحاب رؤوس الاموال في المانيا من الهجرة منها.

 

عباس لن يتغير. وفي الايام الاربعة لاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني سيتبين اذا كان اخطأ منتقدو المجلس عندما قالوا إنه هدف الى تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني، وفي الحقيقة دفن م.ت.ف نهائيا بصفتها منظمة رسمية تمثل جميع الفلسطينيين.

اخبار ذات صلة