النزول عن الشجرة

كيف تراجعت السُلطة عن قرار قطع رواتب غزة؟!

الساعة 06:50 م|11 ابريل 2018

فلسطين اليوم

لم يقتنع موظفو السلطة والمراقبون للمشهد الفلسطيني بالحُجة التي ساقتها وزارة المالية والتخطيط لعدم صرف مستحقات ورواتب الموظفين العموميين، وشدَّد المراقبون على أن بيان وزارة المالية الذي عزا عدم الصرف لـ"أسباب فنية" كان عبارة عن "سلمٍ" للنزول عن الشجرة بعد ضغوطاتٍ عدة مورست على السُلطة، أفضت إلى تراجعها عن القرار.

وجاء بيان وزارة المالية والتخطيط المقتضب بعد 24 ساعة من صرف السُلطة الفلسطينية رواتب موظفيها في الضفة الغربية واستثناء الموظفين في قطاع غزة، ويعتقد المراقبون أن عدم صرف رواتب موظفي السلطة في غزة يأتي ضمن إجراءات عقابية جديدة على القطاع، كان رئيس السلطة محمود عباس قد توعد بها.

وسادت حالة من الإرباك والقلق صفوف موظفي القطاع العام الذين يتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية في رام الله، ممن تم تعينهم قبل 14 حزيران/ يونيو 2007، وذلك لعدم صرف رواتبهم أسوة بزملائهم في الضفة الغربية.

وواصل العشرات من الموظفين التجمع في محيط المصارف على أمل أن تصلهم أي أخبار بخصوص وصول رواتبهم إلى حساباتهم المصرفية، غير أنها لم تصل!

المختص في الشأن الفلسطيني هاني حبيب يرى أن بيان وزارة المالية لم يُعبر عن الحقيقة وراء وقف صرف رواتب الموظفين العموميين في قطاع غزة، قائلاً "لا أثق في مصداقية المعلومات الواردة في البيان؛ لسببٍ وجيه وهو أنَّ المسائل الفنية يتم حَلها على وجه السُرعة، ولا تكون في منطقة دون الأُخرى"، متسائلاً لو كان الامر مجرد خلل فني لماذا لم تخرج الوزارة في البيان الحالي من الساعة الأولى لطمأنه عشرات آلاف الموظفين؟!

ويعتقد حبيب أن ما جرى هو وقفٌ متعمد لرواتب الموظفين العموميين كإجراء ضاغط على حركة حماس لتقديم ما تريده السُلطة، وفق ما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أكثر من مرة.

ويرى حبيب في حديث لـ"فلسطين اليوم" "أن ضغوطات عدة مُورست على السلطة ممثلة بالرئيس عباس للعدول عن قرار وقف صرف رواتب الموظفين العموميين في غزة، ونتيجة الضغوط التي تقف خلفها جهات دولية ومصرية كان بيان وزارة المالية الذي تذرع بوجود مشاكل فنية حالت دون صرف الرواتب".

في السياق، أشار حبيب إلى أنَّ "السُلطة وضعت الموظفين العموميين في وضع نفسي واجتماعي صعب بشكل متعمد، ولعبت على وتر العامل النفسي للموظفين، من خلال عدم خروج الوزارة في أي بيان واضح ودقيق ومحدد، وتركت الموظف عرضة لسيل من الشائعات".

ولفت إلى أنَّ السُلطة استخدمت "عصا الرواتب" الثقيلة للضغط على حماس، ولتفجير الوضع في قطاع غزة بوجه الحركة، معتبراً أنَّ التفكير بتلك الطريقة ينم عن عدم فهم واضح للأوضاع في غزة، لافتاً إلى أن الرهان على انفجار داخلي في غزة رهان فاشل وخاسر ويدل على عدم فهم للأوضاع في القطاع.

الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو اتفق مع سابقه في أنَّ بيان وزارة المالية كان بمثابة السُلم الذي حاولت السُلطة النزول من خلاله عن الشجرة، بعد قرارها وقف رواتب الموظفين في غزة.

وقال سويرجو لـ"فلسطين اليوم": إن الرواتب حق، وليست منة من أحد، وكنتُ قد توقعتُ مؤخراً على عدم مقدرة مؤسسة الرئاسة وعلى وجه التحديد شخص الرئيس محمود عباس الصمود أكثر من 24 ساعة أمام قرار وقف الرواتب، مضيفاً "الموضوع ليس بهذه البساطة كما يعتقد مستشارو الرئيس.

ويعتقد سويرجو أن وقف رواتب الموظفين العموميين في غزة شكل ضغطاً كبيراً على مؤسسة الرئاسة، الأمر الذي دعاها للتراجع على وجه السرعة عن القرار من خلال بيان وزارة المالية.

ويرى سويرجو أن جهات دولية ومصرية مارست ضغطاً على مؤسسة الرئاسة حتى تتراجع الأخيرة عن قرار وقف الرواتب، مشيراً إلى أن لكل طرف من الأطراف الثلاثة مصلحة في وقف القرار، وجميعها تصبُ في عدم إشعال فتيل التوتر في قطاع غزة.

وقال: الإسرائيليون لا يرغبون في اشعال فتيل التوتر في غزة والدخول في مواجهة رابعة مع المقاومة في غزة، والمصريون لا يرغبون في إفشال جهود المصالحة التي يرعونها، والاوروبيون في أكثر من مرة لوَّحوا إلى رفضهم اتخاذ السُلطة أي إجراءات عقابية تجاه غزة تزيد من حدة التوتر بين غزة و"اسرائيل".

وذكر سويرجو أنَّ قرار وقف الرواتب يحمل مردود عكسي من منظور التحليل الاستراتيجي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معتبراً أن القرار كان مفاجئاً وغريباً ومستعجلاً، وفي توقيت ومكان خاطئ، علاوة على أنه لم يحمل أي معان وطنية مطلقاً.

في السياق، كشفت مصادر مطلعة عن امتعاض القاهرة من نهج الرئيس الفلسطيني محمود عباس -الذي وصفته بالمتشدد- تجاه الوضع في قطاع غزة وحركة (حماس).

وكشفت مصادر مطلعة للجزيرة نت أن الرئيس الفلسطيني التقى في رام الله مؤخرا الوفد المصري برئاسة القائم بأعمال جهاز المخابرات المصري اللواء عباس كامل، حيث قدم عباس مطالب لينقلها الوفد إلى قيادات حماس، وعلى رأسها ضرورة أن تسلم الحركة في غزة كل الأجهزة القضائية والإدارية إلى جانب الجهاز الأمني.

وتضمنت المطالب ضرورة تمكين حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله من مفاصل قطاع غزة، مع رسالة تهديد ضمنية حمّلها عباس للوفد المصري تشتمل على عقوبات تفرضها السلطة الفلسطينية على حماس إذا لم تنفذ المطالب.

وفي هذا السياق، منح عباس حركة حماس مهلة ستين يوما لتنفيذ المطالب أو مواجهة عقوبات تشمل قطع إمدادات الطاقة ورواتب الموظفين والتعامل مع غزة على أنه إقليم متمرد، وفقاً للجزيرة.

ومساء يوم الأحد الماضي توعد الرئيس عباس قطاع غزة حال عدم تسلم السلطة لها بشكل كامل "الوزارات والدوائر والأمن والسلاح"، مهددًا بأنه "لكل حادث حديث، وإذا رفضوا لن نكون مسؤولين عما يجري هناك".

وأضاف في كلمة له "تحدثنا مع الأخوة المصريين حول المصالحة، وقلنا لهم بكل وضوح، إما أن نستلم كل شيء، بمعنى أن تتمكن حكومتنا من استلام كل الملفات المتعلقة بإدارة قطاع غزة من الألف إلى الياء، الوزارات والدوائر والأمن والسلاح، وغيرها، وعند ذلك نتحمل المسؤولية كاملة، وإلا فلكل حادث حديث، وإذا رفضوا لن نكون مسؤولين عما يجري هناك".

وأردف عباس "ننتظر الجواب من مصر، وعندما يأتينا نتحدث ونتصرف على ضوء مصلحة الوطن ومصلحة شعبنا"، على حد ادعائه.

وكان عباس فرض قبل سنة إجراءات عقابية ضد القطاع، أبرزها تقليص كمية الكهرباء الواردة له، وخصم ما نسبته 30 إلى 50% من رواتب موظفي السلطة وإحالات بالجملة للتقاعد، عدا عن تقليص التحويلات الطبية.

 

كلمات دلالية