عقد بركات: من ربح ومن خسر في القدس- هآرتس

الساعة 01:28 م|27 مارس 2018

فلسطين اليوم

بقلم: نير حسون

 (المضمون: لقد استثمر رئيس بلدية القدس نير بركات في مشاريع كبيرة في مركز المدينة، لكنه لم يحل عدد من المشكلات الاساسية مثل النظافة والأحياء في شرقي المدينة وزاد النشاطات في ايام السبت، لكنه لم يوقف زيادة التدين في الاحياء المختلطة. وقد عمل في شرقي المدينة لكن لصالح المستوطنين - المصدر).

 

          خطاب الفوز لنير بركات في 2008 والذي أصبح رئيسا لبلدية القدس، يتم تذكره بسبب المقولة البائسة عن الحاجة الى تفكيك الجسر الذي يوجد في مدخل المدينة. بعد عشر سنوات ما زال هذا الجسر موجود، لكن القدس برئاسته تغيرت بدرجة كبيرة. رغم كل الانتقادات على سلوكه الشخصي والسياسي فان قدس بركات سارت بصورة جيدة، وبمعان كثيرة فان عاصمة 2018 هي مدينة افضل لسكانها، وضمن امور اخرى، بفضله. القدس 2018 هي مدينة وسطها صحي اكثر ويوجد فيها ثقافة اكثر ومصالح تجارية اكثر، وجهاز التعليم فيها جيد جدا والفضاءات العامة فيها، على الاقل في غربي المدينة، تسير نحو التحسن. في صالح بركات لعبت عدة عوامل، وهي غير مرتبطة به لكنها ساعدت في نجاحه. العامل الاول هو أنه باستثناء سنتي 2014 – 2015، على مدى العشر سنوات، كانت القدس هادئة جدا من الناحية الامنية. وهذا الامر مكن من زيادة عدد السياح الذين وصلوا الى المدينة، وصحوة بطيئة لوسطها. في عهده القدس حظيت ايضا باستثمارات حكومية غير مسبوقة في العاصمة، سواء في مجال التعليم أو المواصلات وشرقي القدس. وقد قطف ثمار انتهاء الاعمال وبداية تشغيل الخط الاول للقطار الخفيف.

 

          بركات الذي اعلن في يوم الاحد الماضي أنه لن يتنافس مرة اخرى على رئاسة البلدية، ظهر بصورة خاصة على خلفية رئيسي البلدية قبله، اهود اولمرت واوري لوبليانسكي، اللذان أدينا في فترة ولايتهما، لكن العقاب الحقيقي بخصوص ادارتهما للمدينة ما زال يعاني منه سكان المدينة. ورغم اعتقال نائب رئيس البلدية مئير ترجمان قبل اسبوعين، إلا أنه منعت تحت ولاية بركات الرشوة في مجال تطوير المدينة. في عدد من الحالات نجح عدد من السكان في منع مشاريع عقارية ضارة وترويج مبادرات محدثة في الفضاء المحيط ببيته – تم انشاء متنزه السكة ووادي الغزلان.

 

          وقد وجه لبركات انتقاد، في المقابل، بأنه فضل الاستثمار في مشاريع كبيرة مثل سباق السيارات والماراثون والاحتفالات، التي ربما وفرت له فرص ممتازة لالتقاط الصور كرئيس للبلدية، لكن اسهامها بالنسبة للمقدسيين لم تكن دائما واضحة. كما وجهت له الانتقادات لأن الاستثمارات الكبيرة بقيت على الاغلب في مركز المدينة ولم تصل الى الاحياء. موضوع النظافة ايضا، وبالدرجة الاولى نظافة المدينة، بقيت مسألة غير محلولة بالنسبة لرئيس البلدية القادم.

 

          بركات سيتم تذكره باعتباره الشخص الذي فضل في الغالب السياسة على ما هو جيد للمدينة وسكانها. وهكذا وجد نفسه ملزم بمؤيديه من اليمين، ومؤيد متحمس لكل مشروع استيطاني مهما كان ضارا ومرفوضا. احد الامثلة هو رفضه لاخلاء المستوطنة غير القانونية في بيت يونتان، وامثلة اخرى تشمل التشجيع بتحمس للقطار العلوي في البلدة القديمة، وطريق الحجاج التحت ارضي وعدد لا يحصى من المشاريع السياحية والاستيطانية لجمعية العاد وعطيرت كوهانيم.

 

          مشكلة اخرى ظهرت لدى بركات في كل ما يتعلق بالعلاقة بين المتدينين والعلمانيين في المدينة. فمن جهة سيتم تذكره كمن انشأ التحالف السياسي بين العلمانيين والمتدينين، وهو التحالف الذي بفضله فاز في الحملتين الانتخابيتين الاخيرتين. من الجهة الاخرى، مؤيدوه العلمانيون شعروا احيانا، لا سيما في فترة ولايته الاخيرة، بأنه يتعامل معهم كأمر مفهوم ضمنا. هكذا كان عندما وافق على ابداء المرونة مقابل المتدينين في كل ما يتعلق بتوزيع الميزانيات، طابع يوم السبت وادارة الاحياء المختلطة – قبل تسعة اشهر توصل الى اتفاق دراماتيكي مع الحاخامات الليطائيين "الحريديين" فيما يتعلق بادارة الاحياء التي يعيش فيها علمانيون ومتدينون معا. وحسب النشطاء العلمانيين فان هذا الاتفاق أضر بالجمهور غير المتدين في المدينة وهو سيمكن من استمرار "زيادة تدين" الاحياء العلمانية. على خلفية هذه الانتقادات، انسحبت القائمة التعددية الكبرى من الائتلاف برئاسة بركات، الامر الذي ابقاه مع اغلبية متدينة كبيرة.

 

          على الرغم من الانتقاد المحق للمعسكر التعددي، فان القدس في نهاية عقد ولاية بركات، هي مدينة اكثر ودا للعلمانيين واكثر انفتاحا في ايام السبت مما كانت في بداية ولايته. ومن أراد رؤية فيلم أو الجلوس في مقهى في يوم السبت في القدس، توجد له الآن خيارات أكثر مما كان في العام 2008. المشكلة الحقيقية الوحيدة في العلاقة بين العلمانيين والحريديين في المدينة هي "زيادة تدين" الاحياء العلمانية، لكن ليس من المنطق القاء المسؤولية عن ازمة السكن للجمهور الحريدي في المدينة على بركات. هذه المهمة اكبر مما يتحمله أي رئيس بلدية.

 

          إن من يتفحص بركات عن قرب يجد صعوبة في التقرير احيانا هل سلوكه السياسي هو سلوك منطقي أو بدافع مشاعر قوية غير قابلة للتحكم بها. هذا الشعور وصل الى الذروة في مواجهاته الشديدة مع وزير المالية. موشيه كحلون، الذي شقيقه كوبي كان رقم 2 في قائمة بركات خلال سنوات كثيرة، تحول بين عشية وضحاها الى الخصم اللدود للقدس، تيتوس الحديث، بسبب رفضه الاستجابة لطلبات مالية كبيرة لبركات. هذه المواجهة تطورت الى حملة دعائية شخصية والقاء القمامة على مدخل وزارة المالية. هل هذا الصراع هدف الى مساعدة القدس؟ تثبيت مكانة بركات في الليكود؟ أو أنه نبع من الشعور بالغضب الحقيقي وغير المسيطر عليه من قبل بركات.

 

          مثال آخر: قبل ثلاثة اسابيع ورط بركات اسرائيل في ازمة مع الكنائس، الذي أدى الى اغلاق كنيسة القيامة. خلفية ذلك كانت اجراءات لمصادرة املاك الكنيسة بسبب عدم دفع ضريبة المسقفات. في هذه العملية تم طرح سؤال هل بدأ حملة محقة لصالح المدينة؟ هل عمل لمصلحته الشخصية؟ أم أنه لم يدرك تعقيد وحساسية الكنيسة في القدس؟ قليلون، اذا وجدوا، يستطيعون الاجابة على هذه الاسئلة.

 

          بركات فاجأ في مرات كثيرة بقدرته على العفو عن خصومه والتوصل معهم الى تحالف. هكذا كان مع رئيس المعارضة السابق ترجمان ونفس الشيء مع خصمه في الانتخابات السابقة موشيه ليئون الذي تحول الى شريك في الائتلاف. مؤيدو بركات يعتبرون هذه الصفة عامل سياسي حقيقي وسليم، وخصومه يعتبرونها طموح شخصي وضعف للعمود الفقري الايديولوجي.

 

          بركات سيتم تذكره ايضا باعتباره الشخص الذي حاول وفشل في حل المشكلة الكبرى في القدس وهي الفرق بين شرقي المدينة وغربها. ورغم جهوده إلا أنه لم يتم حل مشكلة البناء غير القانوني، النقص في الصفوف في المدارس، الفقر والاهمال للاحياء في شرقي القدس والفوضى في الاحياء التي تقع خلف جدار الفصل. يبدو أن بركات لم يفهم أو أنه لا يريد أن يفهم عمق المشكلة السياسية للفلسطينيين في القدس. وبدل ذلك حاول تقليصها الى حدود مشكلة مالية وتخطيطية، لكنه فشل. وأخطر من ذلك أنه في فترة موجة الارهاب استخدم اجهزة المدينة كأداة لعقاب السكان في شرقي القدس وتفاخر بذلك. وخلال هذه الفترة تم كشف الجوانب السيئة لبركات – صورته مع مسدس في شوارع بيت حنينا وقرار اغلاق الاحياء الفلسطينية بمكعبات اسمنتية، هي قرارات سيئة من القرارات التي اتخذها.

 

          ورغم أن المشاكل الكبيرة حقا للمدينة لم يتم حلها، ومنها شرقي القدس، مشكلة المواصلات ومشكلة "زيادة التدين"، فان بركات يخلف وراءه مدينة افضل من التي تسلمها.

 

          في العقد القادم ستكون القدس هي المدينة الاسرائيلية الاولى التي تخترق خط المليون ساكن، ولا شك أن هذه التركيبة لا يأمل بها أي رئيس بلدية: 40 في المئة من السكان فلسطينيون بدون حقوق مواطنة، 30 في المئة منهم حريديون يوجدون في اجراءات تغيير سريعة، 1 في المئة منهم هم خليط من الطوائف الدينية والقومية الضئيلة، لكنها ذات قوة سياسية وتراث ديني. والباقي؟ هنا يوجد يهود، متدينون قوميون وعلمانيون، يتساءلون عن مكانتهم في هذه المدينة. بركات سيتم تذكره، كما يبدو، كرئيس بلدية جيد، لكن في الداخل يسود شعور بأنه لم يدرك جيدا رتم المدينة، وأن القدس كانت بالنسبة له خشبة قفز للمنصب القادم.