خبر استيقاظ متأخر جدا.. هآرتس

الساعة 12:26 م|29 ديسمبر 2008

بقلم: امير اورن

المسؤول الرئيس عن عملية الجيش الاسرائيلي في غزة لا يعلم بوجودها. بعد اسبوع ستكون قد انقضت ثلاث سنين على ليل غرق اريئيل شارون في غفوته. ثلاث سنين في الممر المظلم بين الحياة والموت، في حين تواصل اسرائيل في الخارج دفع ثمن اخطائه: اجلاء الجيش الاسرائيلي عن محور فيلادلفيا وعن النقاط  المسيطرة على قطاع غزة- بخلاف الازالة الحق للمستوطنات- الخضوع للضغط الامريكي لتمكين حماس من المشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية في كانون الثاني 2006.

كانت اسرائيل في السنين الاخيرة مقموعة. زالت اسطورة الجرأة والدهاء، والتصميم والجدوى. اصبحت اعباء على قدر حزب الله وحماس، نجحت في ضربنا من الخلف تنشأ جيلا جديدا من الشباب العربي الذي يؤمن بامكان حل اسرائيل من الداخل واضعافها من الخارج. قال شارون مظهرا للبر "ضبط النفس هو القوة"، وهو الذي لم يستقذر كضباط وسياسي حتى وصوله الى رئاسة الحكومة استعمال القوة ولم يعرف ما هو ضبط النفس.

في واقع الامر يستطيع ضبط النفس فقط من يخافون مما قد يحدث اذا اخفق ضبط النفس. هذه هي مفارقة القوة: توجد علاقة عكسية بين الاستعداد لاستعمال القوة العسكرية وبين الحاجة الى استعمالها. فكلما كانت الدولة اكثر اقناعا لاعداءها بانها مستعدة للقتال، زاد احتمال الا تحتاج الى اخراج الاستعداد من القوة الى الفعل. في مسيرة طويلة، مليئة بالتعقيدات التي لا حاجة اليها والجهود البائسة للتخلص منها، حثت اسرائيل اعداءها على التحرش بها لانهم كفوا عن اعتقاد انها ستوافق على دفع ثمن استعمال القوة.

في علاقة اسرائيل بفلسطين تلاقي مفارقة القوة مفارقة الاعتدال. قد تكون القلة المتطرفة باهدافها ووسائلها، اقوى من الكثرة المعتدلة ، لان من يكتفي باهداف معتدلة يميل ايضا الى تفضيل استعمال وسائل معتدلة وذلك يشمل مواجهة المتطرفين. ليس هذا صحيحا بالضرورة في صراع داخلي على السلطة، لان الطرفين المتصارعين انذاك اهدافهما مطلقة وبحسبها الوسائل ايضا، لكن اذا كان محمود عباس وسلام فياض يعتبران معتدلين (نسبيا) بازاء اسرائيل، فانه لا ينبغي ان نتوقع منهما استعمال القوة على حماس. ما ظلوا هم واشباههم يصدون عن ذلك فستضطر اسرائيل الى ان تواجه المتطرفين.

نصبت نظرية امن اسرائيل التي صاغها دافيد بن غوريون اهدافا معتدلة من اجل احرازها يوحى باستعداد لاستعمال وسائل متطرفة بهدي من مفارقة القوة: حدود 49-67، التي تعتمد على القوة الجوية والمدرعة للجيش الاسرائيلي وعلى الردع الكامن في ديمونا. في الجيل الاخير انقلب الامر رأسا على عقب فقد اصبحت الاهداف متطرفة (المستوطنات والتمسك بالجولان) لكن الوسائل ضعفت.

لم يكن شارون في مركز اتخاذ القرارات عندما زاد شريكه الضئيل الشأن في تلك الاخطاء وهو يهود اولمرت على الخطأ العسكري للاخلاء خطأ السياسة الضعيفة لاستعمال القوة بازاء هجمات حماس والمنظمات التي هي اصغر منها في غزة. سهل الضعف تنفيذ اختطاف جلعاد شليت من دبابته في موقع في كرم ابو سالم قبل سنتين ونصف، وشجع حماس على التنزه على حد التحرش الدائم باسرائيل. قصف الجيش الاسرائيلي هذا الحد اول من امس وامس، على امل ان ينشأ الطرفان فوق النار والدخان تعايشا اكثر استقرارا. ان تواصل حماس السيطرة وزيادة القوة، لكن ان تكون يدها هذه المرة على سقاطة الامان لا على زناد البندقية.

احدث شارون واولمرت شر جميع الاكوان. فالخروج من غزة لم يحرر اسرائيل من مسؤوليتها القانونية عن مصير الارض المحتلة، لكن اوبيح لحماس ان تشارك في الانتخابات وهي ما زالت تسعى علنا الى القضاء على اسرائيل (وهو ما كانت ممنوعة منه لو شاركت في انتخابات الكنيست). هذه القرارات الانفعالية شجعت حماس على الثبات في عصيانها.

الى جانب الاخفاق السياسي المتصل، كان هنالك فشل امني متصل، يشترك فيه كل رئيس حكومة ووزير امن ووزير مالية ورئيس هيئة اركان- وفيهم بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون- ورؤوس البحث والتطوير في الجهاز الامني في السنين الثماني الاخيرة، ممن لم يمنحوا التفضيل والموارد في الادارة الطارئة لاحباط الصواريخ ومحاربة الانفاق. هذه هي العادة في الاستخبارات والوحدات الخاصة (وفي البنتاغون في بحثه عن سبل ومعدات لمحاربة الشحنات الناسفة في العراق).

بعد يومين من انتخابات الكنيست سيحتفل ايهود باراك بيوم ميلاده السابع والستين، وقد صحا على نحو ظاهر من اخطاء شبيبته، عندما اقترح وقد كان جنرالا شابا على وزير الدفاع شارون كيف يزيد من جدوى – او يمنع – الحرب المخطط لها في لبنان. الان يريد باراك في الحقيقة ان يجدد توجه بن غوريون المنسي، وان يستعمل القوة لخدمة اهداف معتدلة؛ ليحرز تسوية تضمن ويحافظ عليها. التنبه من الغفوة الوطنية حق وان يكن متأخرا جدا ايضا.