أفيخاي أدرعي نجم إعلامي عربي.. حسن لافي

الساعة 05:09 م|17 مارس 2018

فلسطين اليوم

اختراق الوعي الفلسطيني والعربي والتأثير عليهما يُعَدُّ من الأهدافِ الرئيسةِ للإعلامِ الصهيوني، وخاصةً الناطق باللغة العربية منذ بدايات المشروع الصهيوني وحتى الآن، حيث أن رسم صورة ذهنية إيجابية عن دولة "إسرائيل"، وكسْر الحاجز النفسي بينها وبين المحيط العربي، لتتحوّل بذلك دولة الاحتلال في وعي المواطن العربي من غدّة سرطانية داخل جسد المنطقة العربية، إلى دولة أساسية في نسيج منطقة الشرق الأوسط، التحالف معها ضرورة سياسية واقتصادية لخدمة مصلحة ذلك المواطن.

الانتباه الصهيوني المُبكِر لدور الإعلام كمؤثّر ذي فاعلية على الوعي، وعلى السلوك، وخاصة الصورة "المُتلفَزة"، التي تصمّم الوعي في ظاهِر الأمر، وتُحدّد طُرق تفكيرنا، وتبني النظام الرمزي، وتؤثّر على نمطِ سلوكنا، تأكيداً على مقولة "ديكارت": "الموجود هو الموجود على الشاشة فقط"، إذا أضيف للصورة التوجيه الإعلامي الصهيوني المؤدلَج، المُتجنّد طواعية لخدمة مصالح دولته "إسرائيل" ومشروعها، يتعقّد الأمر وتضيع الحدود ما بين الواقع والتمثيل، وتُلغى الفوارِق ما بين الحقيقة والكذب.

اختراق الوعي الفلسطيني والعربي والتأثير عليهما يُعَدُّ من الأهدافِ الرئيسةِ للإعلامِ الصهيوني، وخاصةً الناطق باللغة العربية منذ بدايات المشروع الصهيوني وحتى الآن، حيث أن رسم صورة ذهنية إيجابية عن دولة "إسرائيل"، وكسْر الحاجز النفسي بينها وبين المحيط العربي، لتتحوّل بذلك دولة الاحتلال في وعي المواطن العربي من غدّة سرطانية داخل جسد المنطقة العربية، إلى دولة أساسية في نسيج منطقة الشرق الأوسط، التحالف معها ضرورة سياسية واقتصادية لخدمة مصلحة ذلك المواطن.

الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية "أفيخاي أدرعي" هذا الشاب الذي يُجيد التحدّث باللغة العربية، وذو الابتسامة الدائِمة، والحريص على الاستشهاد ببعض الألفاظ الإسلامية، المُتأنّق ببزّته العسكرية المُهندَمة، هو جزء من حرب الدعاية الإسرائيلية بالصورة، أدرعي يقصف بقنابل صوت وصورة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الموجّهة معاقل الوعي داخل كل بيت عربي، فالمجال البصَري هو ميدان حرب فيه الصورة إحد الأهداف، وهي في ذات الوقت تُحقّق الكثير من الأهداف أيضاً.

ظهور أدرعي المُتكرّر على بعض شاشات الفضائيات العربية ، وخاصة في وقت الذروة الإعلامي، وفي البرامج ذات المُتابَعة الجماهيرية الغفيرة، ومنحه المساحات الواسِعة من وقت البثّ المباشر:

- هو ممارسة لسياسة كيّ الوعي والحرب النفسية المُمنهَجة على المُشاهِد العربي من خلال تقديم رواية "إسرائيل" المُزيّفة والإصرار على إقناع المُشاهِد بها.

- هو إصرارٌ على تحويل أدرعي لنجم تلفزيوني، وخلق علاقات شبه اجتماعية بينه وبين المُشاهِد العربي، بحيث يعتاد على وجوده، يتضامن معه ويدعمه، كأن الناس يعرفونه شخصياً، وكأنه يزورهم في بيوتهم بشكلٍ دائمٍ، وهذا سينعكس في اللاوعي لدى المُشاهِد العربي على دولة الاحتلال "إسرائيل".

الإعلام المرئي صناعة، الجمهور الواسِع لا يعرف قواعد عمله، وخاصة البرامج الحوارية، التي تُنقَل على الهواء مباشرة، بدءاً من اختيار الموضوع، وانتخاب الضيوف، مروراً بتأثير زاوية التصوير أو بُعد الكاميرا عن الهدف المُصوَّر،  وتقنيات وتضعيف وقت الإعداد، ولا ينتهي بدور مُقدِّم البرنامج الذي هو جزء من الإثارة، كل ذلك له تأثير على المعروض البصري، وفي أي اتجاه سيصبّ هذا التأثير، لذا هذا النوع من البرامج يُعتبَر من أقصر الطُرق الإعلامية، وأسهلها للوصول إلى أكبرِ عددٍ من المُشاهدين.

استضافة أدرعي في برنامج لمُناقشة تداعيات عقيدة الردع الصهيونية بعد إسقاط طائرة الإف-16 في شمال فلسطين المحتلة على أيدي المُضادّات الجوية السورية، لا يمكن فهمها إلا في إطار محاولة التلاعُب بالوعي العربي، وذلك للأسباب التالية:-

أولاً- اختيار الموضوع، بعد أن استفاقت "إسرائيل" من صدمة إسقاط الطائرة، دُرّة تاج سلاح طيرانها، هي تحتاج إلى منصّة إعلامية ذات انتشار عربي كبير، لترميم سمعة وهيبة منظومة الردع الصهيونية، وقوّة جدارها الحديدي داخل وعي المواطن العربي، الذي رأى بأمّ عينيه أسطورة القوّة الصهيونية تسقط وطيّارها يهرب.

ثانياً- التعريف بالضيفين، ممثّل الرواية العربية السورية، ضابط في الجيش السوري، رغم أنه ضابط سابق، وهو مُحلّل سياسي حالي، ولكن اختيار هذا المُسمّى من دون التنويه، وخاصة أنه يرتدي زيّاً مدنياً، لا يحمل أي إشارة على عسكريّته، والأهم أنه ليس شاباً، ويُستضاف من مدريد، بعكس أدرعي الشاب المُرتدي الزيّ العسكري الصهيوني المُرتّب، صاحب الصورة المؤسّسية، والمُستَضاف من "تل أبيب"، لذا البرنامج في هذه الحال منحَ أدرعي الهوية المعروفة، التي تمنحه حق التحدّث عن رواية الجيش الإسرائيلي، بعكس الضيف الآخر ممثّل الرواية العربية السورية، وكأن الرسالة التي يرغب البرنامج في إيصالها إلى المواطن العربي، لا تصدّقوا أن الجيش السوري قادرٌ على استعادة عافيته، وأنه بات يمتلك القدرة على تهديد "إسرائيل"، بل على العكس هو مُتهالِك، مُشتّت، غير عصري، لا مستقبل له، بعكس الجيش الصهيوني المُنظّم، الشاب، المُتطوّر، ذو المستقبل التكنلوجي ، وأن إسقاط الطائرة هو عبارة عن حادثة صدفة عابِرة، ولا يمكنكم أيها العرب المُراكَمة عليه، ولا الرهان على قدرتكم على هزيمة "إسرائيل"، وخاصة مع التأكيد المُتكرّر من قِبَل المذيع إن حرب تشرين1973م إنها هزيمة تم تسويقها على أنها نصر، لقتل اللحظة التاريخية الأهم في الوعي العربي، التي بدّدت وهْم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهَر، كما يحاول الآن مع إسقاط الطائرة.

ثالثاً- البرنامج حاول إظهار أن طبيعة العلاقة ما بين مُقدّم البرنامج وأدرعي، هي علاقة شخصية، ودودة، مبنية على الاحترام المُتبادَل، فالمذيع يُخاطب أدرعي بلقب "السيّد"، ويستحلفه "بشرفه"، مُتجاهلاً أن هذا الرجل مُمثّل لجيشِ احتلالٍ مارس أبشع المذابح ضد أبناء جِلدته من الشعب العربي، لكن الأهم تبقى الإسقاطات السلبية جرّاء ذلك على وعي المُشاهِد العربي تجاه أفيخاي مُمثّل جيش "إسرائيل"، وكأن البرنامج يوحي للمواطن العربي أن "إسرائيل" ليست عدو العرب، وخاصة مع تكرار  استخدام صيغة المُخاطَب مع الضيف السوري العربي "تسقطوا" ،"أنتم"، "بماذا تتفاخرون"، وكأن العرب حياديون لا علاقة لهم بحال العداء ما بين "إسرائيل" وسوريا العربية!!!.

كلمات دلالية