خبر الانحطاط النهائي ..سعد محيو

الساعة 11:01 م|28 ديسمبر 2008

أخطر ما في المذبحة “الإسرائيلية” الجديدة في غزة والتي ذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، هي أنها تتم لأهداف انتخابية لا أمنية ولا عسكرية.

فقد كان واضحاً منذ يوم الأحد قبل الماضي أن قادة الأحزاب الثلاثة الرئيسية التي تتنافس على انتخابات فبراير/شباط، وهم ليفني ونتنياهو وباراك، قرروا تحويل هذا القطاع المحاصر والأفقر في العالم إلى كيس ملاكمة أو عرض تلفزيوني حي لاستعراض العضلات العسكرية وبالتالي استجلاب الأصوات.

ليفني، زعيمة كاديما، تعهدت للناخبين بأنها “ستقضي على حركة حماس عسكرياً واقتصادياً وسياسياً”، فيرد عليها نتنياهو زعيم الليكود بأن حكومتها “لا تقوم بما يلزم عسكرياً للدفاع عن سكان جنوب “إسرائيل”، وأنه هو الذي سيجتاح القطاع إذا ما فاز في الانتخابات”. أما زعيم حزب العمل باراك، والذي ترشحه استطلاعات الرأي إلى خسارة فادحة في الانتخابات، فهو قرر على ما يبدو تقديم أوراق اعتماده بالحديد والنار لتغيير هذه النتائج مستغلاً كونه حالياً المسؤول العسكري الأول في “إسرائيل”.

ماذا تعني هذه المعطيات؟

لن نتحدث هنا عن موازين القوى، بل عما أهم وأعم: الدرك الأخلاقي السحيق الذي يمكن أن ينحدر إليه مجتمع أو شعب في تعاطيه مع البشر الآخرين، حين يغلّب منطق القوة على القيم، والأيديولوجيا العصبوية على المُثُل الإنسانية. هذا بالتحديد ما فعله هتلر والنازية حين أباحا دماء كل الشعوب الأخرى لتحقيق التفوق العرقي الآري، فكانت المحارق البشرية والأرض المحروقة والإبادات ومعسكرات الاعتقال.

هذه كانت الوسيلة التي انتهجها هتلر للإثبات للشعب الألماني بأن هدف السيطرة العرقية ممكن بقيادته الفذة وزعامته التاريخية. دم الآخرين وضع في خدمة الأيديولوجيا العنصرية القومية.

يهود “إسرائيل” يفعلون الآن الأمر نفسه، ولكن بشكل أحط بما لا يقاس:  وضع دم الآخرين في خدمة السياسة. وأي سياسة؟ ليست حتماً السياسة الاستراتيجية بل تلك التكتيكية التي تدوم أشهراً أو حتى أسابيع. وأي دم؟ ليس أي دم، بل ذلك الذي يعود إلى شعب دخل الآن عامه المائة تقريباً وهو يتعرض إلى القتل والتشريد والاعتقال.

يهود “إسرائيل” يستخدمون الآن الصواريخ والمدافع وطائرات “أف-16” الأكثر تطوراً في العالم ضد مناطق مدنية هي الأكثر ادقاعاً وبؤساً في العالم، كأنما لم يتعلموا شيئاً من 5000 سنة من الاضطهاد الذي تعرضوا إليه على مدار التاريخ سوى ضرورة أن يتحوّل المُضطَهد إلى مضطَهِد، والضحية إلى جلاد، والمقتول إلى قاتل. ولماذا؟ من أجل أهداف انتخابية آنية.

صحيح أن ما يجري الآن، وما سيجري أكثر، في غزة من مجازر ومذابح ليس جديداً في تاريخ الدولة العبرية، منذ دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا، لكن الصحيح أيضاً أن ما يجري هذه المرة سيفوق كل الجرائم الأخرى في التاريخ، لأن الدم الفلسطيني يستخدم الآن لتزييت الماكينات الانتخابية، وبتصفيق حاد وحماسي من مجتمع يهود “إسرائيل”.

إنه حقاً الانحطاط الحضاري والخلقي والإنساني النهائي.