خبر محرقة غزة .. الآثار والتداعيات ..سمير العركى

الساعة 10:21 م|28 ديسمبر 2008

في ضربةٍ هي الأعنف منذ سنوات طويلة ، ومجزرة هي الأبشع منذ حوالي عشرين عامًا، نفذت إسرائيل تهديدها الذي أطلقته منذ وقت قصير بالقضاء على حكم حركة حماس في قطاع غزة، وكان آخره التصريح الذي أدلت به تسيبي ليفني وزيرة خارجية الكيان الصهيوني منذ يومين من القاهرة، وتعهدت فيه بتغيير الوضع في غزة نهائيًّا، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء إيهود أولمرت في مقابلة له مع قناة العربية؛ حيث قال : "لا نريد قتال الشعب الفلسطيني، إلا أننا لن نسمح لحماس بقصف أطفالنا" ، مضيفًا: "لم آتِ لِأُعْلِنَ الحرب..لكن يجب إيقاف حماس، وهذا ما سيحدث."

 

بل هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لن يتوانى عن استخدام جبروت إسرائيل لضرب حماس وحركة الجهاد الإسلامي، دون أن يُعْطِي تفصيلًا حول كيفية القيام بذلك.

 

وتحاول إسرائيل من وراء هذه العملية العسكرية الوحشية تحقيق عدة أهداف وهي :

 

1. القضاء على سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، إذ إن سيطرة حماس على القطاع قضت على نفوذ الحليف للمجموعة الدحلانية داخل القطاع، والتي كانت بمثابة العين المبصرة للعدو الصهيوني، ليس في القطاع وحسب، بل وعلى دول عربية مجاورة، على حسب ما تم الكشف عنه مؤخرًا من مستندات تم العثور عليها في المقارّ الأمنية الفتحاوية بعد سيطرة حركة حماس على القطاع.

 

فسيطرة حماس على القطاع أصاب الكيان الصهيوني بضرر أمني بالغ، بعد أن كانت المقار الأمنية الفتحاوية في غزة تقوم بمهمتها على أكمل وجه؛ تَنَصُّتًا وتَجَسُّسًا على فصائل المقاومة المختلفة .

 

2. إجبار حركة حماس على الاعتراف بإسرائيل، والقبول بشروط الرباعية الدولية، وهو ما يَعْنِي انتحارًا سياسيًّا للحركة؛ نظرًا لتبنيها أجندة مقاومة وطنية، تَمَّ على أساسها انتخابها من قِبَلِ الشعب الفلسطيني، واعترافها بإسرائيل يعني تخليها عن ثوابتها ومنطلقاتها الوطنية التي حافظت عليها منذ تأسيسها حتى الآن، وحركة فتح ما زالت نموذجًا حيًّا أمام حماس، عندما أقدمت على الاعتراف بإسرائيل، أملًا في الحصول على القطاع والضفة كنواة لدولة مستقلة يتم الإعلان عنها فيما بعد، ولكنها فوجئت بنفسها كمن يخلع ملابسه قطعةً قطعة .. حتى وقفت عاريةً تمامًا، لا تجد ما يسترها، ولا حتى دويلة مفككة الأوصال، مقطعة الأجزاء، تعترف بها إسرائيل، ويمنحها المجتمع الدولي الشرعية، فهذا أيضًا استكثروه على الفتحاويين بعد كل التنازلات التي قدموها منذ عهد الرئيس الراحل / ياسر عرفات حتى الآن ... فحماس ليست من السذاجة بأنْ تُقْدِمَ على ذات المشروع، والعاقبةُ أمامها واضحةٌ لا تحتاج إلى كثير بحث أو تنقيب .

 

3. رغبة أولمرت في ترك أي انتصار، ولو وهميًا، قُبَيْل رحيله، يُبَيِّضُ به صفحته الْمُلَطَّخَة بكل مفردات الفشل السياسي منذ حربه الفاشلة في الجنوب اللبناني صيف 2006م ، وهو يعلم أنّ الوضع هنا مختلفٌ، من حيث العتاد العسكري لدى حماس، في مقابل إمكانيات حزب الله الواسعة، لذا فهو يراهن هنا على محدودية الخسائر المتوقعة، وقدرة سلاح الجو الإسرائيلي على حسم الموقف على الأرض، من خلال تكثيف الضربات الجوية، وتوسيع نطاقها، بحيث تؤدي إلى وقوع المزيد من القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، مما يساهم بدوره في تعظيم الضغوط الشعبية على حماس؛ لدفعها إلى تَرْكِ السلطة، أو الاعتراف بشروط الرباعية الدولية، وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الصهيوني.

 

4. رغبة إسرائيل في إيقاف الصواريخ المنهمرة على سديروت وعسقلان وغيرهما، بعد أن تسببت في حركة نزوح جماعية للمستوطنين اليهود، وهو الأمر الذي أدى إلى إحداث نوع من الضغط الشعبي على حكومة أولمرت .. وأجبر الجميع على الاعتراف بعبقرية المقاومة في استحداث آفاقٍ جديدة للمقاومة، كلما انسد أمامها أفق فتحت آخر، وهو رد عَمَلِيٌّ على حملة الاستهزاء التي قادتها بعض الأقلام المتصهينة في الإعلام العربي ضد صواريخ المقاومة، وشبهتها حينها بفرقعة البمب الذي لا جدوى من ورائه، وها هي الأيام تُثْبِت جدواها وقدرتها على إحداث الألم والفزع لدى الجانب الإسرائيلي .

 

ولكن ما هي التداعيات المتوقعة من وراء هذه العملية العسكرية ؟

 

1. ستعتمد إسرائيل على توجيه ضربات مُوجِعَة عن طريق الجو، وهي تعلم أن الضربات الجوية لن تحسم المعركة على الأرض، ولكنها على جانب آخر تعلم الكلفة الحقيقية لإعادة احتلال القطاع، وهي كلفة يبدو أن الجانب الإسرائيلي ليس مستعدًّا لتحملها أمام الرأي العام لديه، ولهذا فإنه سيراهن على ثورة شعبية ضد حماس، وهو أمْرٌ مستبعد حاليًا، فكل المؤشرات في السابق تؤكد أن الشعب الفلسطيني اختار حماس على أساس المقاومة، بعد أن مَلَّ من سنوات طويلة من الكلام المكرر عن الدولة الفلسطينية، دون أن يجد لها أثرًا على أرض الواقع، كما أن الشعب الفلسطيني صبر وراء حماس شهورًا طويلة من الحصار الاقتصادي دون أن يثور عليها.. لهذا فقد تلجأ إسرائيل إلى تدعيم حركة فتح في الضفة للوثوب على حماس، بعد إنهاكها بالضربات الجوية، خاصةً وأن هذا الخيار ألمح إليه مرارًا شيمون بيريز عندما قال : " نؤيد محمود عباس، ومستعدون لتقديم أي دعم يحتاجه محمود عباس للوقوف والتصدي ". وكرر ذلك رئيس جهاز الأمن العام "شباك " يوفال ديسكن"، الذي قال علنًا : " إنه يجب أن ندعم أي جهة قادرة على دحر حركة حماس"!

 

وهو العرض الذي يجد هوى داخل بعض الأوساط الفتحاوية، التي بات مصيرها ووجودها مرهونًا برحيل حماس ..

 

 ولكن قبول فتح به سيعني انتحارًا سياسيًّا ونضاليًا، وصكّ وفاة لحركةٍ قادت النضال عقودًا طويلة، وسيجد هذا الأمر معارضة فتحاوية لا يستهان بها، والمحصلة أن إسرائيل سترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته في لبنان من ذي قبل، عندما ظنت أن الضربات الجوية ستحسم الموقف على أرض الواقع للعمل الميداني، وهو ما ثبت فشله هناك، وقد يتكرر مرة أخرى هنا في غزة . بل إن المجازر الحادثة في حق الشعب الفلسطيني ستساهم في رفع أسهم حماس في الشارع الفلسطيني على حساب الخصم المقابل من رصيد فتح .

 

2. ستؤدي هذه الحملة العسكرية حال فشلها، إلى ضعف شديد في شعبية الرئيس أبو مازن، يقابله صعودٌ متزايدٌ لحماس ولفصائل المقاومة، وسينحاز الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر للمقاومة ويلتصق بها، باعتبارها ملاذه الآمن، بعد بهدلته سياسيًا على إثر تفاهمات أوسلو، والتي كان مهندسها وعرابها الرئيس أبو مازن نفسه .. وبالتالي ستخسر إسرائيل حليفًا قويًّا لها، بل ستؤدي إلى إضعافه في مواجهة خصومها التقليديين .

 

3. ليس من المستبعد أن تحدث حركة تصحيح فتحاوية، وبأيدي فتحاوية، بعد تَرَهُّلِ المنظمة، وتدني مستوى أدائها السياسي والنضالي، وانحشارها في خانة العدو المغتصب، والذي بات يُعَلِّقُ عليها آمالًا عريضة في تحقيق خططه وأهدافه .. بل إن أصواتًا فتحاوية ذات قامة رفيعة، مثل أبي اللطف فاروق قدومي، انتقدت علنًا مستوى أداء فتح، كما انتقدت الرئيس الفلسطيني نفسه ..

 

ففتح اليوم تحتاج إلى حركة فرز وإقصاء لكل العناصر التي تسللت إلى الوجهة الفلسطينية من نافذة أوسلو، وعبثت بأسس ومرتكزات العمل الوطني الفلسطيني، وزرعوا الشقاق والتناحر بين فصائل العمل الوطني، وخاصة بين فتح وحماس ، لاسيما وأن هذه العناصر باتت معروفةً اسمًا ورسمًا، فمن غير المستبعد أن تنبثق حركة تصحيحية داخل الكيان الفتحاوي على إثر الضربات العسكرية الإسرائيلية لقطاع غزة .

 

4. قد تؤدي الضغوط الشعبية التي ستعم العالم العربي، على إثر هذه المجزرة، إلى فتح المعابر الحدودية مع القطاع، وإنهاء الحصار الخانق المفروض عليها منذ شهور طويلة، ومن جانبها فلن ترضى حركة حماس بعد هذه العملية الإسرائيلية الوحشية ببقاء المعابر قيد الإغلاق، أو أن يبقى الوضع الغزاوي على ما كان عليه.

 

والخلاصة أن الأيام المقبلة ستحمل في أحشائها تغييراتٍ جوهريةً على أرض الواقع .. وما نأمله أن نرى لجنة جديدة على غرار لجنة "فينوجراد" تحقق في أسباب الفشل الإسرائيلي في غزة، كما حققته من ذي قبل في الجنوب اللبناني ....

 

" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "