تحليل خطاب عباس لم يأتِ بجديد والدعوة لمؤتمر دولي لن تحقق "السلام"

الساعة 09:17 م|20 فبراير 2018

فلسطين اليوم

وصف محللون سياسيون، خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مجلس الأمن الدولي مساء اليوم الثلاثاء بالعقيم والبائس قائلين :الخطاب لم يحمل أي جديد يذكر".

وأكد المحللون أن الدعوة لعقد مؤتمر دولي "للسلام" لن يحقق شيء ما دام الاحتلال "الإسرائيلي" لم يشعر بُكلفة كبيرة منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية منذ عام 1948 حتى اليوم.

وأشار المحللون أن إصرار الرئيس عباس على استمراره في نهج المفاوضات مع الاحتلال والمطالبات الدولية بعقد مؤتمر دولي "للسلام" سواء عبر وسيط أمريكي أو غيره غير قابلة للتحقيق لأن الفيتو الأمريكي يقف له بالمرصاد.

وأوضحوا أن المطلوب من الرئيس عباس العمل على تطبيق المصالحة الفلسطينية على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وتعددية وشراكة حقيقية والعمل على تغيير موازين القوى لتشعر "إسرائيل" بكلفة احتلالها للأراضي الفلسطينية.

لم يحمل جديداً

الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري قال: "إن خطاب الرئيس محمود عباس في مجلس الأمن الدولي مساء الثلاثاء لم يحمل جديدًا، رغم أن الوضع "جد خطير".

واعتبر المصري عبر حسابه في فيسبوك، خطاب الرئيس عباس "جيد" من حيث رفض قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والحلول المطروحة، والحديث أن الولايات المتحدة نقضت تعهداتها، إضافة إلى المطالبات المتعددة والتي منها الحصول على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة والمطالبة بالمؤتمر الدولي والحماية الدولية والآلية المتعددة للمفاوضات التي تكسر الاحتكار الامريكي، والمطالبة بتطبيق القرارات الدولية.

وأكد المصري "رغم أهمية تلك المطالبات إلا أن الرئيس يعرف وكلنا يعرف أن هذا-مطالبات عباس-غير قابلة للتحقيق لأن الفيتو الأمريكي يقف له بالمرصاد".

وأضاف: "لا يكفي رفض الخطة الترامبية وإنما لا بد من وضع خطة عملية لإحباطها وهذا غير ممكن من غير إيجاد حقائق وواقع سياسي على أرض الصراع من خلال الكفاح لتغيير موازين القوى بما يجعل تطبيقها مستحيلًا".

وتابع المصري: هذا بحاجة إلى رؤية جديدة وإرادة مستعدة لدفع الثمن وخطة قابلة للتحقيق، وهذا كله بحاجة لإعطاء الأولوية لاستعادة الوحدة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وتعددية وشراكة حقيقية، وليس الحديث وكأن الوحدة متحققة والكل يعرف أن هذا بعيد عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء.

خطاب بائس

من جهته قال المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو: "إن مبادرة الرئيس محمود عباس أمام مجلس الأمن الدولي مبادرة بائسة تعيد انتاج التاريخ البائس من مفاوضات مذلة وغير متكافئة".

وأضاف في منشورٍ عبر حسابه "بالفيسبوك": "هناك قلب واضح لمفهوم المؤتمر الدولي الذي تم التوافق عليه فلسطينيا".

وأوضح، أن المؤتمر الدولي يجب أن يكون مؤتمرا كامل الصلاحيات يعمل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وليس التفاوض عليها، أما أن يكون المطلب الفلسطيني هو عقد مؤتمر دولي للعودة للمفاوضات وعودة المماطلة والتسويف وكسب الوقت على حساب شعب يعاني الامريين من استمرار الاحتلال والحصار والقتل والاعتقال فهذا لن يكون مؤتمرا دوليا بل مؤامرة دولية.

وكان الرئيس محمود عباس دعا اليوم الثلاثاء في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي إلى آلية دولية متعددة الأطراف لحل القضية الفلسطينية تنبثق عن مؤتمر دولي وتلتزم بالشرعية الدولية.

وأعلن عباس في كلمته خلال جلسة استثنائية لمجلس الأمن لبحث حالة الشرق الأوسط وبخاصة قضية فلسطين، أن الجانب الفلسطيني لن يقبل أي حلول تخالف الشرعية الدولية من أي جهة دولية.

المشكلة ليس بآلية التسوية ورعايتها

بدوره كتب المحلل السياسي إبراهيم براش مقالة له بعنوان "المشكلة لا تكمن فقط في آلية التسوية ورعايتها" وجاء فيها: "بعد ربع قرن من المراهنة على عملية التسوية السياسية برعاية أمريكية ووصول المراهنة على الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن للحصول على قرار بالاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال لطريق مسدود، وبعد انقلاب إدارة ترامب على مرجعيات التسوية وعلى الشرعية الدولية وانحيازها الكامل لجانب إسرائيل، وجهت القيادة الفلسطينية أنظارها للبحت عن آلية جديدة تتمثل في الدعوة لمؤتمر دولي للسلام ووسيط دولي جديد مع استمرار المراهنة على الأمم المتحدة.

وأشار إلى أن استمرار القيادة الفلسطينية في المراهنة على الشرعية الدولية وآلياتها لحل النزاعات الدولية وعلى وسيط جديد للتسوية دون مراجعة وتقييم لمجمل السياسة الفلسطينية منذ أوسلو إلى الآن يطرح تساؤلات عميقة عما يمكن تحقيقه من الشرعية الدولية وما إن كانت المشكلة تكمن فقط في واشنطن كراع غير محايد؟.

وعرض براش عدة نقاط للتفكير بها وهي كالتالي:

1- إن للعمل الدبلوماسي والشرعية الدولية حدودا لا تتجاوزانها، وفي سياق كل حركات التحرر العالمي كان العمل الدبلوماسي والدعم الدولي عاملا مساعدا وليس مقررا في نيل الحرية والاستقرار . العامل المُقرِر في نيل الحرية والاستقلال هو مقاومة الشعوب للاحتلال لدرجة تشعر هذا الأخير بأن احتلاله مُكلف وأن خسائره أكثر بكثير مما قد يجنيه من احتلاله، بالإضافة إلى ما يترتب عن حالة التصادم بين الشعب الخاضع للاحتلال ودولة الاحتلال من تهديد للاستقرار والسلام العالمي ولمصالح الدول الكبرى الأمر الذي يدفعها للتدخل لحل الصراع.

2- القضية الفلسطينية حاضرة دوليا أو مدولة منذ 1947 عندما صدر قرار التقسيم بل قبل ذلك مع صك الانتداب على فلسطين في عهد عصبة الأمم ، وكانت اللحظة الفارقة والمتميزة لحضور فلسطين كقضية سياسية على اجندة الأمم المتحدة عندما استقبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة الرئيس أبو عمار عام 1974، استقبلته بصفته رئيس منظمة سياسية تمثل حركة تحرر وطني ترفع شعار تحرر كل فلسطين بالعمل العسكري والسياسي معا وليس بأي صفة أخرى، وما ترتب على ذلك من اعتراف بمنظمة التحرير كعضو مراقب، بعدها صدرت عشرات القرارات الدولية التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه.

3- علينا التذكير بأن قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أعطى اليهود دولة على 50% وللعرب الفلسطينيين 45% من مساحة فلسطين أي أكثر مما يمنحنا القرار الذي صدر عام 2012 من نفس جهة إصدار القرار الأول وأكثر مما يأمل المفاوضون الفلسطينيون اليوم من أية تسوية جديدة ، فسقف مطلب القيادة الفلسطينية اليوم دولة تحت الاحتلال على مساحة 22%.

4- تراجُع البعد الدولي للقضية واستبعاد الشرعية الدولية بدأ مع اتفاقية أوسلو وبموافقة فلسطينية عندما قَبِلت منظمة التحرير المفاوضات السرية وتوقيع اتفاقية أوسلو ولواحقها ، ولم تكن هذه الاتفاقيات اتفاقيات دولية بل اتفاقيات ثنائية يحكمها مبدأ (العقد شريعة المتعاقدين).

5- علينا التذكير بأنه وطوال تاريخ الأمم المتحدة لم تنجح هذه الأخيرة في حل أي من الصراعات والمشاكل الدولية وحتى الآن فإنها فشلت في حل الصراعات الدائرة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وصراعات منطقة البلقان وأزمة كوريا الشمالية الخ ، كما أنها لم تستطع وقف العدوان الإسرائيلي وسياساته الاستيطانية ، وكل ما صدر عنها منذ 1947 كانت قرارات غير ملزمة ، فكيف ننتظر منها اليوم أن تحل الصراع الفلسطيني مع إسرائيل المدعومة أمريكيا.

6- المبالغة في تظهير النخب السياسية للمنجزات الدبلوماسية قد يؤدي لتجاهل ما يجري على أرض الواقع من فشل للنظام السياسي سواء في مواجهة الاستيطان والعدوان أو الفشل في إنهاء الانقسام.

7- تضخيم النخب السياسية للإنجازات الدبلوماسية هدفه تضخيم وتعظيم الأشخاص القائمين على الدبلوماسية والإيحاء بأن هذه المنجزات منجزاتهم متناسين أن التأييد الدولي لفلسطين كان أكبر وأعظم بكثير مما هو متواجد الآن وأن هذا التأييد يأتي بالأساس تعاطفا ودعما للشعب الفلسطيني ومعاناته في قطاع غزة والضفة واستنكارا للإرهاب والعدوان الإسرائيلي المتواصل عسكريا في قطاع غزة وفي الضفة من خلال الاستيطان والتهويد ،و بالتالي الفضل يعود للشعب وليس للنخب السياسية.

8- يبدو أن بعض مكونات النخب السياسية الذين تسللوا لمركز القرار تبحث عن انتصارات وهمية أو رمزية لُتخفي وصول خياراتها لطريق مسدود ولتكسب مزيد من الوقت لتستمر في مواقعها المربحة والمريحة لأشخاصهم وعائلاتهم ولشبكة المصالح والارتباطات الداخلية والخارجية التي تشكلت خلال ربع قرن من الزمن ، موظفة في ذلك غياب البدائل الوطنية الجادة وفزاعة حماس وتجربتها الفاشلة في قطاع غزة وارتباط حياة الشعب بالرواتب وما تتيحه السلطة التي يسيرونها من متطلبات للمواطنين تلبي الحد الأدنى من ضروريات الحياة .

9- الممكن ليس بديلا عما يجب أن يكون ،حيث ترى القيادة السياسية أن ما تقوم به يندرج في إطار سياسة تحقيق الممكن أو أن السياسة هي فن الممكن وأنه في ظل الأوضاع العربية والدولية الراهنة لا يمكن تحقيق أكثر من ذلك ! . وهنا يجب التأكيد بأن تحقيق الممكن ليس بديلا عما يجب أن يكون، ولا يمكن أو يجوز استمرار النخب السياسية في تبرير عجزها وفشلها بالقول بأن هذا هو ما يمكن تحقيقه، قد يكون ما يمكن تحقيقه في ظل استمرار نفس تركيبة النظام السياسي ونخبه وفي ظل سياسة المراهنة على الخارج، ولكن في حالة البحث عن خيارات أخرى وخصوصا ممكنات وقدرات الشعب وفي حالة تغيير النخب وإعادة استنهاض الحالة الوطنية فإن حدود الممكن تتوسع كثيرا.

10- إن استمرار اشتغال القيادة الفلسطينية في حدود الممكن وتطويع القضية الفلسطينية لحسابات موازين قوى أنية ولمصالح نخبوية مقابل اشتغال إسرائيل وبالقوة الغاشمة على فرض سياسة ما يجب أن يكون أدى لتراجع استراتيجي في الجانب الفلسطيني.

11- خطاب الأخلاق والشرعية الدولية لوحده لا يمكنه مواجهة السياسة الواقعية التي تنتهجها إسرائيل وكل كل العالم، حتى الدول المتعاطفة مع عدالة القضية الفلسطينية قد يردوا علينا بخطاب اخلاقي وبالتمسك بالشرعية الدولية ولكنهم في النهاية سينحازون لمصالحهم وسيتعاطون مع موازين القوى القائمة.

12- الأمم المتحدة والنظام الدولي بشكل عام ليست نظاما ديمقراطيا يقوم على حكم الاغلبية وخضوع الاقلية بل مؤسسة أو نظام قائم على توازن القوى والمصالح وسيطرة الدول العظمى، لذا فإن اعتراف غالبية دول العالم بالدولة الفلسطينية لن يتحول لواقع أو أمر ملزم حسب المنطق الديمقراطي.

13- يجب التذكير بأن روسيا الاتحادية والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة كانوا جزءا من الرباعية الدولية التي ترعى عملية التسوية منذ 2002، بالإضافة للولايات المتحدة الامريكية، ومع ذلك لم يفعلوا شيئا وتركوا لواشنطن التحكم في مسار المفاوضات والتسوية.

14- صحيح أن واشنطن وسيط غير نزيه وغير محايد ولكن المشكلة لا تكمن هنا فقط، فالوسيط يجب أن يكون محايدا وقادرا في نفس الوقت، ولا يبدو أن أي طرف دولي قادر على الحلول محل واشنطن، وكل من روسيا الاتحادية وفرنسا اعلمتا القيادة الفلسطينية بأنه لا يمكن تجاوز واشنطن بل إن مصر والأردن أعلنتا بوضوح أن لا بديل عن واشنطن في رعاية عملية التسوية.

15- حتى مع تواجد وسيط نزيه ومحايد وقادر وآلية بديلة عن اتفاقات أوسلو فالأمر يحتاج لتغيير في موازين القوى وفي الاستراتيجية الفلسطينية للمفاوضات ولطاقم المفاوضات ،فلا يُعقل أن الذين فاوضوا طوال ربع قرن وفشلوا أن يعودوا مجددا لطاولة المفاوضات.

وأخيرا وحتى تكون الجهود الدبلوماسية ذات جدوى فإنها تحتاج إلى جبهة وطنية موحدة، في هذا السياق وفي ظل التحديات الكبرى على كافة المستويات وقبل انعقاد المؤتمر الدولي للسلام الذي طالب به الرئيس أبو مازن في خطابه في مجلس الأمن يومه الثلاثاء 20 فبراير فإن الأمر يحتاج لسرعة انهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ تهيئ الأوضاع لانتخابات خلال فترة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، مع توافق وطني بأن الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات تكون حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن الحزب الفائز أو نسبة ما يتحصل عليه من الأصوات.

كلمات دلالية