خبر حرب « الاستقلال » .. معاريف

الساعة 01:04 م|26 ديسمبر 2008

بقلم: بن كاسبيت

عيونها زرقاء جدا. شعرها ابيض ووجهها سمح، رقم ازرق منقوش على ذراعها. يسمونها ايتا وعمرها ثمانون عاما ونيف. هي وقفت بالامس في وسط ما بقي من منزل حفيدتها على اطراف القرية التعاونية توكوما واستغراب وتساءل كبيرين غطيا وجهها. هي قد شاهدت في حياتها امورا اسوء بكثير مثل يوزف منغيلا مثلا. هي وقفت قبالته في سلكيتسيا، فتاة خائفة مذعورة فحكم عليها بالموت. ولكنها لم ترغب بالموت. "هو صنفني من الضعفاء وفي الواقع ارسلني الى غرفة الغاز" قالت ولكنها لم تتنازل وقفزت من فوق الجدار المعدني ونجحت بالفرار.

هي كانت في اوشفتس، وفي برغن-بلزن، وبطريقة ما وصدفة غير ممكنة من العجائب والغرائب بقيت حية ترزق. بعد ذلك جاءت للبلاد فضبطها البريطانيون ووضعوها في معتقل في قبرص. تغلبت على ذلك ايضا وعادت الى ارض اسرائيل. عملت هنا كنادلة في المطاعم فالتقت بتسفي احد اقاربها البعيدين الذي نجا هو الاخر بطريقة ما من المحرقة النازية. لم يتبقى الكثيرون من عائلاتيهما. ايتا وتسفي وقعا في غرام بعضها البعض فقررا اقامة عائلة وجسدا صهيونيتيهما مقيمين معا في القرية التعاونية في النقب الغربي.

هذه القرية ظهرت على وجه الارض في اطار احد عشر نقطة في النقب. المؤسسون كانوا في اغلبيتهم من النجاون من الكارثة، اخر بقايا سلالات معتبرة في اوروبا. لذلك لم يكن غريبا ان تسمى هذه القرية التعاونية تكوما. دولة اسرائيل اقيمت بعد ذلك بعام، ومنذئذ وهي تزدهر ، خصوصا في تل ابيب. تكوما بقيت هناك غربي النقب على مسافة دقيقتين من نيتوفوت. الطريق الذي يأتي من اللامكان الى طريق مسدود. ارض القسام، قرية تعاونية ساحرة خلابة مخضرة وجميلة تختبىء على جانبي الطريق ولكنها مفعمة بالحيوية والحياة. ايتا وتسفي اقاما عائلة مفتخرة. ثلاثة ابناء كلهم اقاموا عائلاتهم في هذه القرية. هناك احفاد وابناء احفاد، احد الاحفاد حصل بالامس بعد يوم من سقوط صاروخ غراد على بيت اعمامه، على جناحي طيار مقاتل في سلاح الجو الاسرائيلي، هذا يعتبر في اية ظروف اخرى انتصارا كبير لايتا، التي قالت في هذا الاسبوع ان من الخسارة انه لم يكن حينئذ في اوروبا سلاح جو اسرائيلي يقوم بقصف معسكرات الابادة النازية، وكم هو جميل ان يكون لدينا اليوم مثل هذا السلاح.

في يوم الاربعاء ظهرا جلس اريي زوج نوريت، حفيدة ايتا ، في صالون المنزل في قرية تكوما التعاونية . الابناء، ابناء احفاد ايتا كانوا يلعبون بجانبه وفجأة تعالى صفير الانذار، واللون الاحمر. اريي قائد الدبابة في الجيش ارسل الاولاد الى الملجأ، بينما بقي هو في الصالون. فجأة سمع ازيزا وعندئذ حدثت حفرة كبيرة في الجدار الواقع من فوقه. صاروخ ارض- ارض من نوع غراد والذي يمكن ان يسمى كاتيوشا ايضا اخترق المكان من فوق رأسه ودخل في الجدار المقابل في الغرفة الداخلية، وانفجر فوصلت بعض اجزائه الى الطابق الثاني فدمرته. الاطفال في الداخل ماتوا من الفزع والخوف وبدأوا بالنحيب. العمة التي سارعت الى انقاذهم، وجدتهم منكمشين على انفسهم في الزاوية البعيدة من الغرفة المحمية غارقين بالبكاء.

طوال اليوم كله تجول نيتسان وعنبال بين بقايا البيت وجمعا الالعاب المكسرة ونفض عنها الغبار. عدسات التلفاز التي احتشدت في البيت المدمر اخافتهم. "انا اريدكم في اخر المطاف ان تدعوني لحالي" قالت نيتساان بالعبرية وعيونها مغرورقة بالدموع لوسائل الاعلام. عنبال انفجرت باكية في كل مرة كانت عدسة الكاميرا تقترب منها . اطفال من امثالها في وسط البلاد يشعرون بالاثارة من هذا الموقف امام عدسة الكاميرا المغناطيسية الجذابة . هم يريدون الوصول للتلفاز والشهرة هكذا يحلمون. اما هنا في قرية تكوما التعاونية هذه فلم يعودوا يريدون رؤية التلفاز. لان التلفاز قد اتى اليهم. في تكوما مثل اي مكان في هذه البلاد لا يرون البقاء وانما يعيشونه.

ايتا تقطن في الجهة المقابلة. هي جاءت لاشعال شموع عيد الانوار في المساء مع الاحفاد وابناء الاحفاد، في المنزل المدمر. قالت انها لا تنوي الفرار وان كل صواريخ القسام والغراد صغيرة عليها. وجاء معها اغلبية ابناء العائلة الكبيرة، وجزء كبير من الجيران الفضوليين، ومجموعة كبيرة جائعة من الصحافيين والمصورين وبينما كانت ايتا تروي حكايتها تعالى الصفير وظهر اللون الاحمر التحذيري مرة اخرى. خلال ثانية انبعثت الفوضى في البيت المزدحم بالناس. "الاطفال!"، صرخت نوريت ، ربة البيت ، وبحثت عنهم لانهم قد اكتفوا بتجربة يوم واحدة من الصواريخ. كل واحد ركض ليجد لنفسه في مأمن في زاوية ما، وعندئذ ساد الهدوء. انتظار الصاروخ مسألة صعبة (هذا الصاروخ سقط في سديروت). ايتا وحدها لم تتاثر كثيرا وقفت بهدوء منتظرة. "الامر على ما يرام" قالت للاطفال ، "غدا سيقوم قريبكم الطيار بقصفهم مرة اخرى". تكوما هي قرية تعاونية متدينة، وعائلة ايتا مغروسة في داخلها وجذر من جذورها ولكن من دون عقيدة. اغلبية ابناء العائلة غير متدينين. بعضهم مثل تسفي زوج ايتا، غير متدينين بالمرة. هؤلاء الاشخاص مذهلين. اناس يحبون العمل والمواضبة ، ابنائهم وبناتهم في الجيش وعادة في الوحدات المختارة. هم يقتلون في منتصف القرية التعاونية التابعة لـ "العامل الشرقي"، بعضهم يظهرون انفسهم وكانهم متدينين والبعض الاخر لا يحاول القيام بذلك حتى، الا انه يقبل كل شيء بابتسامة ووداعة وتفهم. حتى صاروخ الغراد بالامس لم يغير لهم فلسفتهم في الحياة.

ايتا وتسفي والدا يعقوب وسارة ويوسي. يعقوب تزوج يمنية اسمها يديدا. اسماء الابناء الاربعة تبدأ بحرف الياء (يعارا، يوتم، يوغاف، يهلا). هم علمانيون بصورة صارخة . سارة تزوجت من اليعازر ينكلبتش. بالامس كان هناك وقال انه لا حاجة لتاثر كثيرا رغم كل شيء وان من الواجب ان يكون رد الفعل مضبوطا ، وان لديه ابناء في الجيش وانه ليس متاكدا من وجوب الانقضاض على غزة والموت هناك كما ان قصف التجمعات السكانية لا يلائمهم لانه يهودي في اخر المطاف حسب رايه.

في يوم الثلاثاء نشر جلعاد شارون مقالة جديدة في يديعوت احرنوت ان كان هناك شخص مسؤول عما يحدث اليوم في غلاف غزة اكثر من اي شخص اخر، فاسمه جلعاد شارون. هو الشخص الذي دفع والده لهذه الخطوة الكارثية. ووالده قام بدفعنا جميعا نحوها. هما وعدانا الاب والابن، اننا "سنريهم ماذا سنفعل" ان قاموا باطلاق النار علينا بعد الانسحاب من غزة. وها نحن نريهم مدى انبطاحنا ومدى جبننا ومدى عجزنا.

شارون الاصغر نجا بطريقة ما، من ملف الجزيرة اليونانية هو حصل ان نسيتم على ملايين الشواكل من دودي افل، حتى يدخل للانترنت لبضعة ساعات. اغلبية ما فعله لم يكشف ابدا وربما لن يكشف. "رجل اعمال دولي" ، قال عنه والده ذات مرة حسنا. فاليقم بالتجارة الدولية، ولكن بعد ما حدث في غربي النقب، ان الاوان ان يدعنا لحالنا. بعد قليل سنجده في المعترك السياسي منظرا علينا بالاخلاق كما نظرها لاولمرت في هذا الاسبوع، الذي يتجرأ على ايجاد طريق للتفاوض مع سوريا. خطوة ضرورية واستراتيجية ومطلوبة جربها كل رؤساء الوزراء الاخيرين (باستثناء واحد)، وكل واحد منهم بدروه ، ضيعها. الوحيد الذي لم يجرب هذا الطريق كان اريئيل شارون. السلام مع سوريا؟ شل قدرات حزب الله؟ سد الطريق على ايران؟ كلها امور صغيرة عليه. هو وابنه اعتقدا ان من الاصح الخروج من غزة في خطوة احادية الجانب والقاء المفاتيح في البحر. الان ها هو هذا البحر يطاردنا.

اذن ما الذي يتوجب فعله رغم كل شيء؟ المطلوب. الاسلام المتطرف يشدد الخناق علينا، وعلى حلافئنا في المنطقة ايضا. مصر في حالة فزع. الاردن يقوم بالعد التنازلي لنهايته. اجهزة الطرد المركزية في طهران تدور، وحزب الله يزيد من ترسانته الصاروخية بينما اصبحت حماس قادرة الان على تهديد اسدود. وتل ابيب على الطريق. الجيش الاسرائيلي يخشى من الدخول الى غزة، مثلما خشي من دخول لبنان. الجنود قد يقتلون والمجتمع الاسرائيلي ليس جاهزا لدفع ثمن استقلاله. المدنيون يدافعون عن الجيش، بدلا من ان يكون الوضع معاكسا. لجنة التحقيق التي ستحقق في كيفية اتاحتنا لحماس بان تتحول الى حزب الله على جدارنا الجنوبي، قد شكلت من الان. اعضاء هذه اللجنة لا يعرفون بانهم قد عينوا فيها بعد. كل رئيس وزراء ظهر هنا يجد صعوبة في تحمل المسؤولية. لا حاجة للدخول الى غزة من الممكن ان نعلم العالم  اننا قد فقدنا صوابنا، واننا قد قررنا حماية اطفالنا. وان كل قسام يخرج من غزة سيقابل في طيرانه قذيفة 155 ملمتر لماذا؟ لانه لا مفر من ذلك. لاننا خرجنا من هناك للحدود الدولية وهذا ما حصلنا عليه. لان الدولة التي تحترم نفسها لا تستطيع ان تفرط بابنائها. هذا ما كانت امريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا ستفعله بدورها. جميعهم كانوا سيقومون بذلك، باستثنائنا. حتى يصبح الامر ممكنا، يتوجب تغير سلوك هذه الدولة وطريقة الحكم واعادة المستشار القضائي للحكومة محكمة العدل العليا الى حجمها الطبيعي ودورها الاساسي في اية ديمقراطية اخرى. على ممثلي الشعب المنتخبين ان يقرروا مصير هذا الشعب وليس غيرهم، وان كان ذلك سيقلل من احتمالية الخروج في اجازة لبلجيكا وجلب الشوكولاتة ، فنحن اذا لن نخرج. هذه الحقيقة حول وضعنا وهي تتضح امامنا يوميا. حتى ان جلبت العملية التي ستبدأ الان في اثرها هدوءا طويلا فلن يغير الامر شيئا. بعد هذا الهدوء الذي نستخرجه من احسان حماس بجهد كبير، ستأتي الجولة القادمة وغيرها وغيرها. في وقت ما ستترافق هذه الجولة مع ذرة ايرانية، توفر  مظلة استراتيجية لعربدة حماس ومشعل والجعبري. ولكن حتى ذلك الحين ستكون الصواريخ قد استطاعت الوصول الى تل ابيب وربما سنستيقظ متاخرا جدا كالعادة.

رغم ذلك هنا ايضا انتخابات فوق الراس : في الليكود جلبة كبرى من يعتقد ان نتنياهو هو الحل، عليه ان يتابع سلوكه الغريب حتى يدرك الى اي مدى يواصل التمترس في نشاطه، والتورط في تحركاته والتصبب عرقا ايضا بالامس ليلا كان من المفترض ان يلتقي مع موشيه غرين رئيس حزب تسومت محاولا اخيرا توحيد الليكود مع حزب اخر (ورفع سقف النفقات للحملة الانتخابية 12 مليون شيكل). بيبي انتظر غرين في مقر الليكود في متسودات زئيف . ولكن غرين ارسل مديره العام فقط، ليئون مورزوبسكي، والناطق باسم ديكل شحرور.

نتنياهو محاط بجيش من المستشارين النشطاء (شالوم شلومو، ايلي ايالون، نتان ايشل، يوسي ليفي، وهذه قائمة جزئية)، تجول من هنا الى هناك حائرا مضطربا. احد شهود العيان على ذلك الحدث قال ان الصور والمشهد كان مربكا. غرين لم ياتي ببساطة. في ذلك الوقت جلس مع شارلي بيتون، في مكان اخر، مبلور قائمة مطالب جديدة من نتنياهو. ما الذي يريده غرين؟ خطة "الوجبة الساخنة لكل طفل" وبرنامج "قطعة ارض لكل جندي مصرح". هذا موشيه غرين. هو من قرية تعاونية اسمها مبتسارا وكل ما يريده هو ان يجسد تراث وتركة رافول. وهو لا ينوي التنازل.

تسيبي لفني؟ ليست في وضع افضل بكثير. عندها يوجد مستشارون مجربون . هم ليسوا قادرين مثلا على سماع اسم ايهود اولمرت. ايضا اللقاء الجيد نسبيا بين لفني واولمرت في يوم الاحد كان غير جيد في نظرهم. احدهم يقول لها بين الحين والاخر، انها تخسر مقعدا او اثنين في الاستطلاعات في كل مرة تذكر فيها اسم اولمرت بالنسبة لهم، اولمرت كان شخصا مكلفا. هو قام بطرد بعضهم من دائرة مستشاريه، البعض الاخر جرده من شتى الامتيازات التي كان من المفترض ان يحصل عليها من كاديما . هذه امورا لا غفران ولا صفح عنها وهكذا يثيبه الرفاق بطريقتهم. اذا هكذا تبدو الامور في الحكم الاسرائيلي الحالي. ليس هناك مجال للاكثار في الحديث عن باراك نجم "البلاد الرائعة" في هذا الاسبوع. بيبي وتسيبي قد ذكرا سابقا. اذا هذا هو حال قادتك يا بلاد اسرائيل. وهذا ما يعولون عليه في ميرتس من اليسار وعند افيغدور ليبرمان من اليمين. وهم محقون بدرجة كافية.