خبر طفح الكيل.. هآرتس

الساعة 01:38 م|25 ديسمبر 2008

بقلم: اسرائيل هرئيل

بعد الاحداث الاخيرة لا يمكن حتى لوزير الدفاع ولرئيس هيئة الاركان المعارضان الاساسيان للعملية في غزة ان يواصلا عرقلتها لفترة طويلة. طفح الكيل ونفذ الصبر. الا ان معاناة سكان منطقة غربي النقب لا تتوقف وتتواصل لتتحول الى عامل اساسي مقلق، والا فما هي الاسباب التي تدفع وزير الدفاع- الذي يتفق في موقفه هذا مع رئيس هيئة الاركان واغلبية ضباط هيئة الاركان- يعارض العملية التي ستزيل الكابوس المباشر عن المواطنين في الجنوب والمعاناة غير المباشرة التي تلحق بكل مواطني الدولة عموما؟

المؤشرات الاولية لاستراتيجية ضبط النفس (اطلقوا عليها باللغة المحنسة "احتواء") ظهرت منذ حرب يوم الغفران، ووصلت الى ذروتها في مكافحة الارهاب في مطلع العقد الحالي وفي العجز في مواجهة حماس في الجنوب. الجيش الاسرائيلي تنازل عن قيمته العليا المركزية- الضربة الاستباقية الوقائية، ان كانت هناك حاجة، لمنع تعرض المدنيين للاذى- وتحول الى جيش في حالة دفاع عن النفس ومدافع عن ذاته بالاساس. في اطار مكافحة الارهاب تصرف هذا الجيش وفقا لـ "استراتيجية الاحتواء" الزائفة المشوهة والتي تتمحور حول تجنب القيام بمبادرات هجومية قد تلحق الضرر والاصابات بالجنود، حتى ان كان ذلك يعني سقوط عدد اكبر من المدنيين. النتيجة: عدد الضحايا المدنيين سواء داخل الخط الاخضر او من وراءه اصبح اضعافا مضاعفة بالمقارنة مع عدد الاصابات في القوات الدفاعية الحامية. حظر على الجنود ان يسافروا في السيارات غير المضادة للرصاص. زوجات وابناء الجنود النظاميين الذين يقطنون في التجمعات السكانية في "يشع" سافروا- وبعضهم اصيب رغم ذلك- في الشوارع الخطرة بينما كان ازواجهم يسافرون في سيارات مصفحة (بموافقتهم).

وزير الدفاع، كان ايهود باراك في ذلك الحين ايضا. خلال فترة ولايته تلك بدأت فترة الغسق والابهام القيامي (في سياق ذلك: قضية مدحت يوسف وجبل عيبال) المتعلقة بالجيش، والتي افاق منها وانتعش- جزئيا جدا كما اتضح من سلوكه من حرب لبنان الثانية وفي غربي النقب - في عملية السور الواقي. العملية كما نذكر نفذت بعد ان سئم الناخبون باراك الذي يتقاعس عن توجيه الاوامر للجيش بالتحرك ايضا في ظل مئات ضحايا الارهاب الانتحارين. هو الحق بباراك اشد هزيمة في تاريخ الحملات الانتخابية في اسرائيل. باراك سيلقى مصيرا مشابها الان ايضا: ليس لانه "غير لطيف" وليس قادر على الاتصال السليم مع الناس وانما لانه لا يتصرف كقائد. ذلك لان المنصب الاخير الذي طبق فيه مقولة "الجريء هو الذي ينتصر فقط" كان منصبه كقائد لوحدة هيئة الاركان الخاصة. ولكن يصعب ان نشير الى جرأة ما في مناصبه العسكرية والمدنية التي تولها بعد ذلك.

مهمة الجيش، ومن المحزن ان علينا ان نذكر ذلك عموما، هي قبل كل شيء الحفاظ على حياة المدنيين. وزير الدفاع باراك ورئيس هيئة الاركان شاؤول مفاز غيرا في بداية الالفين النظرة السائدة- والاخلاقية- هذه، ومنذئذ اصبح الوهن والضعف القيامي سياسة. لذلك اخرج الجنود المنتشرون في المعسكرات في الجنوب بعيدا عن مدى صواريخ القسام. وزير الدفاع يقوم بتدارس الاحصائيات ويجد ان اغلبية ضحايا صواريخ القسام من المدنيين، وهذا الامر يتيح له ان لا يبذل طاقة كبيرة في محو الاضرار المعنوية والنفسية والاقتصادية والاستراتيجية الناجمة عن عمليات القصف- اياكم ان تذكروا الكرامة الوطنية- والتي تتمخض عنها سياسة ضبط النفس. رغم ان الجيش يعرف ان الحماية والتحصين تزيد من دافعية حماس والجهاد الاسلامي بشن الهجمات، لانه يؤيد عملية التحصين مع ما يترتب عليها من تكلفة اقتصادية وتربوية وذلك حتى لا يضطر للتصرف والتحرك.

رئيس هيئة الاركان جابي اشكنازي يعرف مدى الضرر التربوي والمعنوي الذي يلحق بنا وبالجيش نتيجة لسياسة ضبط النفس- خصوصا صورة الجيش الاسرائيلي في نظر الشعب وفي نظر اعداءه. الا ان خوفه من الضحايا، يتفوق على خوفه من الاضرار المعنوية ذات الاهمية الوطنية العليا- الامر الذي يدلل على ما يمكن ان نتوقع منه ان يفعله كقائد اعلى خلال الحرب الشاملة.

وحتى لا تسقط الصواريخ على النقب بعد شن عملية عسكرية شاملة يتوجب التوصل الى قرارات داخلية والحفاظ عليها بصورة كبيرة وبحيث يتم ضرب قيادة حماس بصورة بليغة ازاء كل تجاوز لوقف اطلاق النار، الامر الذي يدفعها الى التوقف عن توجيه الاوامر باطلاق النار على النقب. هذا الامر لا يحتاج لعملية كثيفة اخرى تشنها القوات العسكرية. ان كان الشعب والعدو كذلك يشعر ان الحكومة تتحلى بالاصرار والعزيمة التي لا تقبل التنازل ، وان عاد الجيش الى نفسه وادرك مهمته المتميزة في حماية الدولة اليهودية، سيكون جاهزا رغم المخاوف من لجان التحقيق، للاقدام على المخاطر مرة اخرى كما كان في ايامه المجيدة. حينئذ سيعود ايضا لتوجيه جل طاقاته وموارده لحماية المدنيين بدلا من حماية نفسه.