التهديد الأمريكي للسلطة والأونروا فرصة أخرى للخلاص من منطق الهيمنة والابتزاز

الساعة 10:55 ص|11 يناير 2018

فلسطين اليوم

الشيخ : نافذ عزام

يستمر مسلسل التهديدات الأمريكية التي أعقبت قرار دونالد ترامب حول القدس, وهذه المرة تطال التهديدات جانبا حساسا وهاما ومؤثرا بالنسبة للفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم, حيث صدرت تلميحات بوقف أو تجميد المساهمة الأمريكية في موازنة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والمعروفة اختصارا  باسم «اونروا» وفي حال تنفيذ التهديد, فان ملايين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس ومخيمات الشتات في سوريا ولبنان والأردن سيتأثرون وبشدة, وسيحدث تراجع هائل في خدمات التعليم والصحة والإغاثة الاجتماعية والإنسانية والتي تستفيد منها مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية, ولا نظن ان أحدا في العالم يمتلك ولو الحد الأدنى من المشاعر الإنسانية يمكن ان يؤيد ذلك القرار في حال اتخاذه, أو يتفهم دوافعه وأسبابه.

لقد نشأت الوكالة الدولية «اونروا» بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد النكبة الأولى عام  1948 التي تسببت في مأساة كبيرة لا زال الفلسطينيون يعانون منها رغم مرور قرابة السبعين عاما عليها, وقد كان من أهم أهداف ووظائف الأونروا العمل على محاصرة أثار المأساة التي خلفتها النكبة, وتحسين ظروف الحياة للاجئين الذين أجبرهم, احتلال أرضهم على الهجرة واللجوء إلى المخيمات وتوفير فرص العمل لأعداد منهم وبالذات في قطاع الصحة والتعليم, وكأن الاونروا أريد لها ان تعوض الفلسطينيين عما خسروه, وتخفف ولو قليلا عن آثار النكبة وتداعياتها, وبشكل غير مباشر  التكفير عن صمت المجتمع الدولي أو تواطؤ جزء منه على الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني, فاقتلعته من أرضه وأحلت مكانه شعبا آخر, أي ان الأمر لا يعد منة او تكرما من أمريكا وغيرها من الدول على الفلسطينيين بقدر ما كان محاولة للتخفيف من حجم المأساة التي تتحمل بريطانيا وأمريكا تحديدا القدر الأكبر من المسؤولية عنها- بريطانيا كونها صاحبة الوعد الأسود «وعد بلفور» الذي منح فلسطين لليهود ومثل القاعدة الأساسية للمأساة, وأمريكا بصفتها الراعي والداعم الأكبر للدولة التي قامت على أساس ذلك الوعد, والتي وفرت كل أشكال المساندة لإسرائيل حتى وهى ترتكب الجرائم التي وصفتها الأمم المتحدة ذاتها بأنها ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية...

ونحن نعترف بأن «الأونروا» قدمت خدمات كبيرة للفلسطينيين طوال السبعين عاما الماضية , صحيح ان المتوقع والمطلوب كان دائما اكبر, وصحيح ان «الاونروا» لم تغط كل العجز الذي عانى منه الشعب الفلسطيني, ولم تقض تماما على آثار النكبة والمأساة, لكنها قامت بعمل لا بأس به, وجعلت حياة الفلسطينيين اقل تعاسة, وبناء عليه فان وجود «الاونروا» بات مهما وضروريا للشعب الفلسطيني كله على الصعيد العملي والإنساني وبات مهما لتذكير العالم باستمرار المأساة والمظلومية والنكبة على الصعيد السياسي ... فالأونروا تمثل عنوانا واضحا ومجمعا عليه لواحدة من أهم مظاهر النكبة وآثارها ونقصد طبعا مأساة اللاجئين, وبالنسبة للفلسطينيين وكل أنصارهم أصبح وجود «الأونروا» من أهم الدوافع لبقاء حق العودة قائما وحيا فمعنى التعامل مع مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية على اعتبار أنهم لاجئون يمثل اعترافا دوليا وأمميا بأن هناك مأساة بسبب النكبة, وأن هذا الوضع حتى لو امتد لسبعين عاما هو طارئ ومؤقت, وان الحل المنطقي الطبيعي هو عودة اللاجئ إلى أرضه وبلده ليقال بعد ذلك أن مشكلته قد انتهت.

إذا استمرار الاونروا في عملها له عدة دلالات بجانب الهدف الإنساني والاغاثي وخلق فرص العمل والتشغيل وهناك بعد سياسي يذكر العالم كله بوجود المشكلة واستمرار تداعياتها,  ونظن ان دونالد ترامب المحاط بعتاة المتعصبين من الإنجيليين واليهود يدرك تماما هذه الأبعاد, فهو اولا يحاول ابتزاز السلطة, والضغط عليها لإعادتها إلى مائدة التفاوض وفي ذات الوقت يحاول خلق واقع جديد يضرب حق العودة بصفته ثابتا من ثوابت هذا الصراع في مقتل, ويزيد من البلبلة داخل الجبهة الطبيعية المساندة للفلسطينيين.

ومن البديهي ان تتمسك السلطة برفضها العودة لمسيرة التسوية ورفضها والتعاطي مع أي دور أمريكي في هذا الصراع, لكن من الضروري حتى تظل السلطة على موقفها هذا, ان يكون هناك دعم حقيقي وجاد للفلسطينيين من قبل الدول العربية والإسلامية, وإعلان هذه الدول صراحة أنها ستغطي أي نقص في موازنة الاونروا وموازنة السلطة في حال نفذت الإدارة الأمريكية تهديداتها, وهذا الموقف يمثل الحد الأدنى المطلوب, وهو خيار غير مكلف وستجد الدول العربية والإسلامية أن معظم دول العالم تؤيدها فيه وفي مقدمة المؤيدين ستقف الأمم المتحدة بكافة هيئاتها ومنظماتها, وستكون تلك فرصة أخرى لأحرار العالم للتخلص ونهائيا من هيمنة أمريكا وابتزازها !