نتنياهو يعزز الاستيطان للتهرّب من تهمة الفساد

الساعة 10:12 ص|11 يناير 2018

فلسطين اليوم

عام جديد وآخر قد مضى، ولم تنته أزمة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال , فالتحقيقات الجنائية مازالت تلاحقه، والشرطة "الإسرائيلية" باتت شبه متأكّدة أن هناك لائحة اتهام ستُقدّم ضدّه وعصبة المؤيدين من حوله داخل حزبه الليكود باتت تتقلّص وخاصة مع اضطرار دفيد بيت رئيس كتلة الائتلاف الحكومي في الكنيست لتقديم استقالته من رئاسة الكتلة بسبب ملاحقته بقضايا فساد.

فضلاً عن أن شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي باتوا مُستشعرين ضعفه لذا نجد تجرؤهم غير المسبوق عليه وهذا تفسير لارتفاع حدّة التوتّر بين نتنياهو والأحزاب الحريدية على حرمة يوم السبت.

وإذا أضفنا إلى المشهد الاحتجاجات المتزايدة في الآونة الأخيرة ضد الفساد ونتنياهو بشكل مباشر، وخاصة مع انضمام اليمين الصهيوني العلماني للتظاهر ضده في تطوّر نوعي لتصبح هذه  الـتظاهرات فوق حزبية وليس كما يروّج نتنياهو إنها محاولات سياسية من اليسار الصهيوني لإسقاط حكومة اليمين.

بناء على هذا المشهد ما هي السبل المُتاحة أمام نتنياهو للحفاظ على مستقبله السياسي؟

الإجابة هي الاستيطان حيث يُعتبر المستوطنون الخزّان الانتخابي الطبيعي لليمين الصهيوني، وخاصة حزب الليكود وهم القاعدة الأكثر تنظيماً والأكبر نفوذاً في الدولة. ناهيك عن كونهم  يمثّلون جماعة الضغط الأهم  داخل مؤسّساتها بما يمتلكون من جمعيات استيطانية متعدّدة الأغراض والأهداف وإمكانيات مالية وتأثيرات على الأحزاب اليمينية. لذا استدعى نتنياهو قادة حاخامات المستوطنين لجلسة عنوانها ضرورة كبح أطماع "نفتالي بينت" زعيم البيت اليهودي تحت شعار التحذير من محاولات إسقاط حكومة اليمين على غرار المحاولات الفاشلة التي جرت عام 1992م.

حقيقة الأمر أن نتنياهو أكّد على الحلف الذي تم عقده مع المستوطنين من خلال صفقة استيطانية كبيرة بدأت تتبلور على إثر التحذيرات التي أعلنها "يوسي دجان" رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية " يوشع" لنتنياهو مهدّداً إياه بالتظاهر أمام بيته إذا رضخ للضغوطات الأميركية وجمّد الاستيطان تحت أية ذريعة. ومع اشتداد أزمة التحقيقات بدأت تفاصيل الصفقة تتّضح سواء على أرض الواقع من خلال الإعلان عن مناقصات لبناء وحدات استيطانية لتسجل عام 2017 الرقم القياسي بـ"6,742" وحدة استيطانية تم التوقيع على انشائها.  ناهيك عن تخصيص ميزانية 800 مليون شيكل من ميزانية الدولة لشقّ الطُرق الاستيطانية الالتفافية.

ولكن تبقى الساحة القانونية والتشريعية هي الجبهة الأكثر فاعليةً في هذا الحلف، حيث تم منح الاستيطان الشرعية القانونية سواء من خلال قرارات المستشار القانوني للحكومة "أفيخاي مندلبلت" المقرّب من نتنياهو والذي شرعن الاستيطان حتى على الأراضي ذات الملكية الخاصة للأفراد الفلسطينيين.

ناهيك عن تصويت الكنيست على قانون القدس الموحّدة بالإضافة للنقاش في لجنة تشريع الكنيست حول تغيير آلية مسار التشريع فيها ليسمح بسريان القوانين الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية. 

وبذلك تتم إزالة أيّ عائق قانوني من الممكن أن يقف بوجه شرعنة الاستيطان في الضفة والقدس، تمهيداً لضمّ الضفة الغربية كما أعلن عن ذلك مؤتمر مركز حزب الليكود والذي دعمه نتنياهو بالصمت وعدم الاعتراض.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الاستيطان بالذات هو الاستراتيجية التي انتهجها نتنياهو للخروج من أزماته؟ وبعيداً عن القناعات الشخصية لدى نتنياهو المُؤسَسَة على أيدلوجية "إسرائيل الكبرى"، لا توجد أية ساحة أخرى بعيداً عن الاستيطان من الممكن أن يسجّل بها نتنياهو انتصارات. وفي الوقت ذاته تحافظ على زعامته للحلبة السياسية الإسرائيلية. فالمشكلات الاقتصادية متراكمة ومتعدّدة وتحتاج إلى حلول استراتيجية بعيدة المدى لا تُسعف نتنياهو بالخروج من أزماته المُتسارعة، ناهيك أن تسجيل أيّ تقدّم على الجانب الاقتصادي سيُسجّل بالطبع لوزير المالية "موشي كحلون" المنشّق عن الليكود بسبب سوء معاملة نتنياهو له.

أما الساحة الأمنية والعسكرية فلا يستطيع نتنياهو أن يذهب لتصعيد على أيٍ من الجبهات الشمالية أو الجنوبية من دون التحقّق من أمرين أساسيين في ظلّ أزماته التي يعاني منها: الأول، أن تكون نتيجة الحرب الانتصار وهذا أمر غير مضمون بالمُطلق على ضوء التجارب السابقة وخاصة مع التغييرات الاستراتيجية التي أحدثها انتهاء الأزمة السورية على ميزان القوى في المنطقة. والثاني، موافقة المستوى العسكري على هذه الحرب والواضح أن رئيس الأركان "جادي أيزنكوت" لا يرغب بفتح مواجهة في مثل هذه الظروف.

أما الساحة السياسية فمحاولات نتنياهو لخلق زخم دولي حول قرار ترامب بخصوص القدس من خلال تسويقه أوروبياً فشل بامتياز، حيث تلقّى صفعة أوروبية قوية سواء على المستوى الدبلوماسي الثنائي، أو سواء داخل التصويت في الأمم المتحدة. ولكن الإنجاز السياسي الوحيد الذي يحاول نتنياهو أن يسوّق به نفسه أمام المواطن الصهيوني أنه استطاع أن يتحالف مع الدول العربية المعتدلة" السنّية" من دون أن يدفع ثمن الفاتورة الفلسطينية وللتأكيد على ذلك لابد من عمل استيطاني على المستوى الأفقي من خلال تمدّد رقعة الاستيطان وعلى المستوى العمودي من خلال قوننة الاستيطان تمهيداً لضمّ الضفة الغربية ، وبذلك تصبح إقامة دولة فلسطينية من خلال عملية التسوية ضربٌ من الخيال.

كلمات دلالية