خبر التطرف الصهيوني لعبة أم طبيعة؟ ..عوني صادق

الساعة 06:53 ص|25 ديسمبر 2008

 

الكذبة الأولى التي قامت عليها الحركة الصهيونية، والتي بنت عليها كل أكاذيبها الأخرى وارتكبت على أساسها كل جرائمها اللاحقة بدءاً بالأعمال الإرهابية الأولى وعمليات التطهير العرقي التي صاحبتها والتي لاتزال المحاولات جارية لاستكمالها، هي تلك التي زعمت أن فلسطين “أرض بلا شعب”. وتصريح وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني الذي انطوى على إمكانية اللجوء إلى طرد عرب 48 إلى الضفة الغربية يؤكد استمرار هذه الكذبة، وأن كل ما جرى في الستين عاماً الماضية لم يغير شيئاً من أوليات وطبيعة العقلية الصهيونية. إن تصريح ليفني لا  يثير استغراب أحد، ولا يجوز أن يكون موضوعاً للتساؤل إذا كان يأتي في سياق حملة انتخابية، فيكون لعبة من ألاعيب السياسة الداخلية، أو يأتي في سياق تكوين إيديولوجي للساسة “الإسرائيليين”، فيكون سياسة “إسرائيلية”.

لم يعد أمراً صعباً بعد ستين عاماً معرفة الجواب عن التساؤل المذكور، لأن تاريخ الكيان الصهيوني كله يعطي جواباً واحداً من دون تردد ينطلق من الطبيعة العدوانية التي قام عليها وهي الاغتصاب والتوسع استناداً إلى الأساطير والمزاعم التوراتية التي أرست مسوغات قيامه، ثم دوره الوظيفي كجزء من الاستعمار الغربي وقاعدة من قواعده في المنطقة العربية. وللذين يرون في التطرف الصهيوني لعبة نذكّرهم بأنها لعبة على الفلسطينيين والعرب حتى يظل فيهم من يتصور أن تحقيق السلام مع الصهاينة ممكن، وهم لا يخدعون إلا شعوبهم، وربما أنفسهم.

من الأمور التي تثير السخط أن هناك من يفرق بين صهيوني وآخر، خصوصاً عندما يكون كلاهما في إطار السلطة، فيقال هذا متطرف وذاك معتدل. هذا التفريق قائم اليوم، ويقوم دوماً عند الحديث عما يسمى “تسوية الصراع”. فهناك من ينظر إلى ليفني على أنها “معتدلة” في مواجهة “المتطرف” بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود، والأخير يصنفونه على أنه “معتدل” إذا ما قورن بموشي فايغلين، زميله في الحزب، أو بليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”. وهناك من ينظر إلى إيهود باراك زعيم “حزب العمل” كمعتدل، وأعضاء “حزب ميرتس” يعتبرون أكثر اعتدالاً من أعضاء “حزب العمل”. ويغيب عن هذه التصنيفات أنه ليس في الكيان الصهيوني مستوطن واحد، سواء كان في قمة السلطة أو في قاع التجمع الصهيوني، من يوافق على/ أو يقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين. والحقيقة أن هذا الموقف من جانبهم مفهوم، فالقضية لا تتحمل التلاعب: لقد وجدوا جميعاً في فلسطين كنفي لوجود الفلسطينيين أصحاب الأرض، ولا يستقيم باطلهم ولا يدوم إلا على حساب حق الفلسطينيين. قضية قد يراها البعض معقدة، لكن الكذب والتضليل والنفاق السياسي لا يحلها، ولا يقلل من التعقيد الذي هي عليه.

بعد اجتماع أنابولس عيّن رئيس الحكومة إيهود أولمرت ليفني رئيسة للوفد “الإسرائيلي” المفاوض مع الفلسطينيين، ويومها رأى المراقبون أن أولمرت قصد من هذا التعيين أن يضع “الأكثر تشدداً” في حكومته على رأس وفده المفاوض فيحقق هدفين: إرضاء جورج بوش والمصادقة على أية نتائج للمفاوضات. وفي نهاية المفاوضات أعلن أحمد قريع، رئيس وفد السلطة الفلسطينية المفاوض أن المفاوضات لم تحقق أي تقدم. واليوم، وتعليقاً على تصريح ليفني بخصوص عرب ،48 يعلن قريع أن تصريح ليفني “خطير” إن كان تصريحاً انتخابياً، و”خطير جداً” إن كان سياسة. والحقيقة أنه إن أمكن إدراجه في إطار الحملة الانتخابية فلا يمكن نفي كونه سياسة، وهي سياسة “إسرائيلية” ولا تخص ليفني وحدها وهذا هو المهم. لكن تصريح قريع يدل على تجاهل، ولا أقول جهلاً، لطبيعة السياسة “الإسرائيلية” التي لم تتخل يوما عن الطبيعة الصهيونية التوسعية التي تأسست على التطهير العرقي، كما يدل على أن قريع وأمثاله يصرون على التمسك بوهم أنه يمكن التوصل إلى السلام مع الصهاينة، وهذا هو “الخطير جداً جداً”.

هناك من توقف في الأسابيع الأخيرة عند تصريح لإيهود أولمرت جاء فيه أنه “على “إسرائيل” أن تتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بأسرع وقت ممكن وإلا فسيندمون على كل يوم يتأخرون فيه عن التوصل إلى هذا الاتفاق”. والذين توقفوا عند هذا التصريح تصوروا أن أولمرت قدم شهادة راحل من دنيا السياسة على من يسمعها من جماعته أن يصدقها. والحقيقة أن المراوغة والخداع والكذب هي من الصفات الصهيونية الأصيلة، وما أولمرت إلا صهيوني عتيق. ففي الوقت الذي كان أولمرت يعطي هذا التصريح كان يصادق على بناء بضع مستوطنات جديدة ومصادرة أرض فلسطينية جديدة.

تسيبي ليفني لم تكن في تصريحها المتعلق بعرب 48 تسعى إلى كسب الأصوات الانتخابية فقط، بل كانت تعيد التذكير بطبيعة الصهيونية وثوابت السياسة “الإسرائيلية”. وهي في سعيها إلى كسب الأصوات الانتخابية بهذه الطريقة إنما تدل على حقيقة ثابتة مفادها أن الأكثر تطرفاً هو الفائز في هذا الكيان العنصري، وأن الأكثر تطرفاً هذا هو الأكثر صهيونية، لأن الأكثر صهيونية هو الأكثر تطرفاً، وكلهم صهاينة يحاولون أن يكونوا أكثر صهيونية.