ترامب يضع اصبعه في عين الفلسطينيين ويريد أن يقولوا له شكرا.. هآرتس

الساعة 11:54 ص|04 يناير 2018

بقلم

(المضمون: ازاء تهديد الرئيس ترامب بوقف المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين يصعب الهروب من الشعور بأن الامر يتعلق بمؤامرة عابرة للاطلسي لتفكيك السلطة والغاء حل الدولتين كليا - المصدر).

اللعنة الصينية القديمة "نأمل أن تعيشوا في اوقات هامة"، التي في الحقيقة هي ليست صينية، تتحقق أمام ناظرينا في كل العالم. عندما يهدد الرئيس الامريكي خلال ساعات معدودة كوريا الشمالية بتدمير نووي، ويهدد الفلسطينيين بتدمير اقتصادي، ويهدد الباكستان "الكاذبة" بوقف المساعدات عنها، ويهدد وسائل الاعلام في احتفال غريب أنه سيعلن من هم الصحافيون "الاكثر فسادا وغير المستقيمين"، فلا شك أن كل العالم يمر بتجربة ممتعة لا مثيل لها. اذا انتهى هذا الامر بسلام فان "محبي الذات" سيضطرون الى اعادة النظر في كفرهم بعدم وجود الله.

التغريدات الهجومية الجديدة لترامب هي وليدة ثقته الزائدة بالنفس. تمرير الاصلاح الضريبي الشامل للجمهوريين رفع اسهم ترامب على الصعيد الداخلي، في حين أن الاحداث في ايران والاشارات التصالحية التي ترافق تهديدات كيم جونغ اون تؤكد على المقاربة الهجومية على الصعيد الدولي. ترامب ليس وحده الذي يستطيع بسهولة التوصل الى استنتاج أن اسلوب الفتوة المهدد يحقق نتائج. اذا كان يستطيع كسب النقاط عن السنة التي لم تكن فيها حوادث طائرات، باعتبارها السنة الاكثر أمنا في التاريخ، التي ليس له علاقة بها، فانه يستطيع بالتأكيد التفاخر بالاحداث في ايران واقتراحات بيونغ يانغ التي بيقين لم يكن له دور في التأثير عليها. بالنسبة لنموذج مثل ترامب فان شعور منتقديه المتشككين هو مثل حقنة الادرينالين، التي تعطيه النشاط للذهاب أبعد من ذلك بنجاعة، واذا صدق المتشائمون فهو سيذهب الى نشاطات اكثر خطورة.

اذا كانت دول قوية مثل كوريا الشمالية وايران هي مثل الورقة، قال ترامب، فماذا سيقول الفلسطينيون المساكين الذين فقد العالم الاهتمام بهم والعالم العربي ايضا؟ لكونه يقدس القوي ويحتقر الضعيف، فان ترامب قاسي تجاههم بشكل خاص، فقد وضع اصبعه في عيونهم وهو يريد أن يقولوا له شكرا، بعد اعترافه بالقدس كعاصمة لاسرائيل غرد بشكل مفاجيء، خلافا لتصريحاته السابقة، أن مستقبل المدينة شطب من جدول الاعمال. بعد ذلك وبهجوم مشترك مع وزيرته ذات الشعبية في الامم المتحدة، نيكي هيلي، هدد الفلسطينيين بأنه اذا لم يعودوا فورا الى العملية السلمية التي يقودها الرئيس الامريكي، الذي داس احترامهم للتو، فانه سيخنقهم ويخنق ملايين اللاجئين من خلال وقف المساعدات الامريكية للسلطة الفلسطينية ومساعدات وكالة غوث اللاجئين.

ترامب ينفذ فقط نصف التوصية المشهورة للرئيس روزفلت، التحدث بلطف وحمل عصا طويلة. هو ليس فقط يتجول وفي يده عصا طويلة، بل يتفاخر بها بسهولة ويهدد بأنه اذا لم يستجيبوا لمطالبه فهو سيستخدمها ايضا. ترامب يخرق قواعد السلوك الدولي المتبعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على الاقل في العالم الغربي، في اهانته العلنية، بتهديداته النووية، باستعداده لرفع السوط الامريكي على كل من يتمرد، وباعلانه المتحدي بأن امريكا تهتم منذ الآن بامريكا فقط. في اسرائيل وفي الولايات المتحدة هناك كثيرون يعتقدون أن الامر يتعلق بتكتيك "أبو علي" الموجه الذي يستطيع هو أو مستشاريه وقفه في الوقت المناسب، ولكن في اوروبا وفي ارجاء العالم تزداد التخوفات من أن ترامب لا يتظاهر بأنه زعيم مجنون، كما هو مفصل في ابحاث العلوم السياسية، لكن كوابحه ضعفت تماما.

على اعتبار أنه كرس كل حياته لتحقيق الارباح، فان ترامب يرى العالم من خلال الدولار. وكمن هو معروف باسلوب ادارة استغلالي ووحشي، فهو يتوقع خضوع من يعملون لديه بشكل كامل. ومن بينهم ليس فقط موظفو الادارة بل ايضا قضاة ومشرعون وصحافيون، والاستجابة لمطالبه من جانب كل اولئك المرتبطين به من اجل مصدر رزقهم، من الناتو وحتى الامم المتحدة، من رام الله وحتى مكسيكو سيتي. هو يهدد بوقف الاوكسجين الاقتصادي عن كل من يرفض السير في التلم، مثل مقولة المندوب السامي افلين باركر الذي اعتبر لاسامي، أنه من اجل ضبط اليهود يجب ضربهم في جيوبهم. حسب رأي ترامب هذه القاعدة تسري على كل العالم، باستثناء القادة الاقوياء الافراد الذين ينتمي ترامب لهم، من فلادمير بوتين في روسيا ومرورا بشي جينغ بن في الصين وانتهاء بقاتل الشعب رودريغو دوترتا في الفلبين.

ترامب يعتقد أن العالم يعرف فقط لغة القوة. هذا صحيح تماما بالنسبة للفلسطينيين الضعفاء، هذه مقاربة بالتأكيد تتم تغذيتها من قبل مؤيديه في اليمين الصقري والافنغلستيين في امريكا وحلفائهم الايديولوجيين في اسرائيل، بدء بنتنياهو ومن هم دونه. ربما أن ترامب متفاجيء وحتى محرج من الانتفاضة السياسية التي بدأها الفلسطينيون في اعقاب اعترافه أحادي الجانب بالقدس كعاصمة لاسرائيل، التي حظيت بالتأييد الدولي، ومن اجل قمعها يهدد الآن باستخدام قوة اكبر والمس بصورة فعلية بالسلطة الفلسطينية واللاجئين في الشتات. ربما أن ترامب يعتقد أن خطر الانعزال السياسي والخنق الاقتصادي سيعيد الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات، لكن عندما يتم فحص تهديداته الاخيرة سوية مع القانون في الكنيست بشأن القدس وقرار الليكود بشأن ضم الضفة الغربية، يصعب الهرب من الشك بأن الامر يتعلق بمؤامرة عابرة للاطلسي لتفكيك السلطة والغاء حل الدولتين نهائيا.

السؤال هو هل صورة الوضع الحالية تبين أن مقاربة ترامب المعاكسة تماما لنظرية سلفه براك اوباما، تبدأ في اعطاء النتائج، أو أنها تشبه رد من قفز من طابق عال وسئل عن حالته في طريقه الى اسفل وأجاب "حتى الآن كل شيء ممتاز". ان السلوك العدائي وشبه المجنون لترامب ناجع طالما أنه يعرف كيف يضع له حدود، وطالما أنه لا يجر سلوك مشابه من قبل اعدائه. اذا تنازلت كوريا الشمالية وتمرد الايرانيون وتحول الفلسطينيون الى ولد جيد فان استقامة ترامب ستحظى باثبات أبدي. واذا حدث العكس ووجدت امريكا نفسها في مواجهات متصاعدة، السباق النووي سيتسارع والفلسطينيون سيتمردون ويتفككون وربما يضعوا أملهم في حماس أو داعش، عندها ستكون النتيجة أن مراهنة ترامب قد فشلت واسرائيل هي أول من سيدفع الثمن. حينها سيكون الوقت متأخرا من اجل الانسحاب، لكن على الاقل يمكن أن نكون متأكدين وواثقين من أن ترامب ونتنياهو سيزعمان أن هذا الانهيار لم يأت بسبب الخطوات العدائية، بل بسبب النشاط التآمري ليساريين ووسائل اعلام معادية.